مقالات وآراء

طوفان الأقصى أعاد الولايات المتحدة 33 سنة إلى الوراء

‭}‬ يوسف هزيمة*

في أواخر العام 1991، وتحديداً في السادس والعشرين من كانون الأول سقط الاتحاد السوفياتي وتفكك أحد الجبّارَين وبقيت الولايات المتحدة «الجبّار» الوحيد الحاكم في هذا العالم، ولا جبّار إلا الله. توارى نجم الاتحاد السوفياتي وأفلَ وأطلّ نجم وحيد سطع في سماء الكرة الأرضية وهو نجم أميركا، حاملاً معه نظاماً جديداً للعالم اصطِلح على تسميته ولمّا يزل النظام العالمي الجديد. وبقي هذا النظام سائداً ومسيطراً، حاملاً معه وناشراً ومُعَولِماً النموذج الأميركي، السياسي وغير السياسي.
بقيَ العالم منذ ثلاثة وثلاثين عاماً أسيراً لأميركا التي تتحكم بكلّ مفاصل الكرة الأرضية وتفرض بقوتها العسكرية خاصة، حضورها على مشارق الأرض ومغاربها، اللهمّ إلا من بعض البقع الجغرافية كـ إيران وكوريا الشمالية، وروسيا – بوتين وغيرها… هذه التي تمرّدت على بلاد العمّ سام، ولم تؤدِّ واجب الطاعة له بل جرّته في أكثر من ميدان إلى الوجهة التي تريد وجعلته يذعن إليها (مثال: النووي الكوري الشمالي والنووي الإيراني والملف الأوكراني بالنسبة لروسيا).
هي «أميركا» إذن التي تقدّم نفسها أنها الأقوى، ولعلّها كذلك، ومعها ربّيتها «إسرائيل» التي تخوض حرباً دموية مصحوبة بمجازر قلّ مثيلها في العالم ولم يقل مثيلها عند «إسرائيل»، وهي التي قامت على المجازر.
هي أميركا الأقوى والأوحد الحاكم في الأرض التي لم تقلق قط منذ قيامها ومنذ قيام ابنتها المسمّاة «إسرائيل»، ولكنها الآن بدأت تذوق معنى القلق الذي ليس مردّه او سببه الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، ومعها المقاومة في لبنان التي تردّ الصاع صاعين للإسرائيلي ومن خلاله الأميركي، وكذا المقاومة في اليمن والعراق، ليس مردّه هذا فحسب وإنما القلق ومعه الخوف الحقيقي من مستقبل يحكي بلسان ذي صوت جهور بأنك يا أيتها الولايات الأميركية المتحدة، لم تعد دول العالم متحدة حولك، وهذه أسبانيا وإيرلندا وبلجيكا والمكسيك وسلوفينيا… ومن قبلها دول أميركا اللاتينية والبرازيل والصين وإيران بالطبع وروسيا بطبيعة الحال… هؤلاء يتمحورون ويتموضعون في موضع مضاد لك ولسياستك.
وإذا كانت دول كإيران وكوريا الشمالية، وربما روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي قد خبرت سياستك المنحازة دائماً للكيان الصهيوني، فإنّ الدول الأخرى الآنفة الذكر قد كشفت ذلك بفعل عملية طوفان الأقصى، التي، وإن تموضعت في الأيام الأولى على عملية طوفان الأقصى في الخندق الأميركي الصهيوني إلا أنها اكتشفت بعد عقود من تبني السردية الصهيو أميركية في ما يتعلق بفلسطين كذب تلك السردية، وها هي وشعوبها وكذا شعبك يا أميركا ونخبه يعلن بالفم الملآن دعمه لفلسطين وادانته لسياسة المحتل الصهيوني ولسياستك.
في أواخر العام 1991 سقط الاتحاد السوفياتي ودخل العالم في نظام عالمي جديد ذي القطب الواحد الأميركي تحديداً، وفي أواخر العام 2024 سيسقط نهائياً ذلك النظام العالمي الذي صار قديماً وسيسجل التاريخ انّ «طوفان الأقصى» قد كتب بالدم نظاماً عالمياً أجدد أعاد المعمورة كلها الى ما قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، حيث كانت دولتان عظميان تحكمان الكرة الأرضية.
وإذا كانت عملية طوفان الأقصى كشفت الوجه الحقيقي للولايات المتحدة فإنها في آن أعادتها وحيدة مع بعض الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا لتجد نفسها هذه المرة بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من التفرّد في حكم المعمورة أمام أكثر من اتحاد سوفياتي جديد، والأشهر القليلة المقبلة ستثبت ذلك، وكلّ بفضل عملية طوفان الأقصى.

*كاتب وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى