أسس الكيان تهتزّ في زمن تغيير الخرائط…
أحمد بهجة
يتأكد للجميع كلّ يوم أنّ العدو الصهيوني عاجز عن تحقيق أيّ هدف من الأهداف التي أعلنها قبل أكثر من ثمانية أشهر رداً على أسطورة «طوفان الأقصى» التي نفذها عمالقة المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
لم يحقق العدو إلا الجرائم والفظاعات والمجازر بحق أبناء شعبنا في فلسطين، حيث زاد عدد الضحايا عن 100 ألف بين شهيد وجريح ومفقود، معظمهم من الأطفال والنساء…
أما عن أهدافه بسحق المقاومة في غزة وبنوع خاص حركة حماس والقضاء على قادتها أو اعتقالهم أو دفعهم إلى خارج القطاع، فهذا لم يتحقق ولن…
وها هي المقاومة تواصل تسجيل الإنجازات النوعية وتفاجئ العدو دائماً من حيث لا يحتسب، ولا يكاد إعلامه يتحدث عن إنجاز حققه جيشه المجرم في هذه النقطة أو تلك، حتى يكون له المقاومون بالمرصاد ليثبتوا أنّ ما يروّجه العدو مجرد أكاذيب يريد منها التهويل على الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى يريد من خلالها إرضاء الجمهور الإسرائيلي… ولنا خير دليل على الأكاذيب ومحاولات التهويل، ما حصل في مخيم جباليا الأسبوع الماضي، حيث كان العدو قد أعلن عن انتهاء عملياته هناك بعدما تمكّن حسب قوله من سحق المقاومة والسيطرة على كلّ مواقعها بما في ذلك الأنفاق، لكن المقاومة برهنت أنها لا تزال موجودة وفاعلة في جباليا لا بل استطاعت منع جيش العدو من التوغل مجدّداً، وأكثر من ذلك أعلن الناطق باسمها أبو عبيدة المفاجأة الكبرى المتمثلة بـ أسر عدد من العسكريين الصهاينة، أضيفوا إلى مَن سبقهم، ورأينا كيف تمّ سحب الأسرى إلى داخل الأنفاق، ورأينا أيضاً أحد مقاومينا الأبطال يشارك (بالشحاطة) في تنفيذ هذه العملية النوعية، وهذا دليل قاطع على إرادة القتال الفولاذية التي لن يثنيها شيء عن مواصلة الطريق حتى تحقيق النصر.
كذلك أعلن العدو أنّ أحد أهداف حربه المجنونة على غزة هو استعادة الأسرى الذين احتجزتهم المقاومة في عملية 7 أكتوبر، ولا يزال عاجزاً عن تحقيق هذا الهدف رغم كلّ محاولات الخداع والإغراء والإجرام… ونحن نتحدث عن هذا الموضوع اليوم بعدما استطاع جيش العدو بالأمس تحرير أربعة من أسراه كانوا محتجزين في مخيم النصيرات،
وفي المعطيات التي أصبحت واضحة ومكشوفة فإنّ هذه العملية بدأت بخدعة حيث دخل جنود العدو في إحدى شاحنات المساعدات، بمشاركة واضحة ومعلنة وميدانية من الأميركيين، ثم انتهت بمجزرة رهيبة ومروعة ذهب ضحيتها أكثر من 200 شهيد فلسطيني، كما أدّت إلى مقتل أسرى آخرين لم يُعرف عددهم…
وما كنا نقوله ونكرّره بأنّ نتنياهو يبحث عن «صورة نصر» رأيناه أمس كيف استغلّ الأمر وذهب لالتقاط الصور مع الأسرى الأربعة وأهاليهم، فيما أهالي الأسرى الآخرين، سواء الذين قتلوا أو الذين لا يزالون أحياء، يواصلون التحرك الاحتجاجي ويطالبون نتنياهو وحكومته وأركان حربه بإتمام صفقة الإفراج عن أبنائهم بأيّ ثمن… لأنّ ما برهنته الأحداث أنّ الأسرى لا يمكن أن يتمّ تحريرهم بالحرب، وإذا نجح الأمر جزئياً مع أربعة منهم فإنه من المستحيل أن يحصل مع الآخرين، خاصة أنّ المقاومة بعد عملية النصيرات ستتخذ المزيد من الإجراءات الاحترازية التي تجعل الأسرى الآخرين، في منأى عن أيّ عمل مشابه، وبينهم طبعاً أصحاب الرتب العسكرية العالية…
ولعلّ ما يحصل على مستوى الداخل الإسرائيلي، يعبّر بالفعل عن ما يمكن تسميته بـ الفشل الاستراتيجي، وبتعبير أكثر تبسيطاً كما يقول المثل «إنّ النصر له مئة أب أما الهزيمة فهي يتيمة»، هذا بالضبط هو حال نتنياهو الذي تفرّق العشاق من حوله ومَن بقيَ معه يهدّده كلّ يوم بأنه سيتركه ويغادر الحكومة (كما فعل بيني غانتس) في حين تحاول المعارضة (يائير لابيد وأفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر) أن تتجمع في تكتل واحد ليكون لها وزن معين في الساحة السياسية…
لكن الأمر يتخطى مسألة الموالاة والمعارضة ليطال وجود الكيان المعادي من المنظور الاستراتيجي، وقد اعترف نتنياهو نفسه بأنّهم يخوضون حرباً وجودية، فقد اعتاد الكيان منذ نشوئه أن يخوض الحروب خارج الأراضي المحتلة عام 1948، في غزة والضفة الغربية والأردن وسيناء والجولان ولبنان… لكن الحرب تحصل اليوم في قلب الكيان وتهدّد الأسس التي بُنيَ عليها…
وأذكر أنّ وزير خارجية إيران الشهيد الدكتور حسين أمير عبد اللهيان عبّر عن ذلك في أول زيارة له إلى بيروت بعد 7 أكتوبر حين قال «إنّ المنطقة مُقبلة على مرحلة تغيير الخرائط» بمعنى أنّ الكيان الإسرائيلي إلى زوال… خاصة أنّ عملية «طوفان الأقصى» حصلت في مستوطنات غلاف غزة أيّ في أراضي 48، ونحن هنا في لبنان جبهتنا ميدانها منطقة الجليل كلها، وهي أيضاً في أراضي 48، وهناك نحو 300 إسرائيلي خرجوا مهجرين من هاتين المنطقتين وربما لن يعودوا ومنهم غادروا «إسرائيل» نهائياً وعادوا إلى البلدان التي أتوا منها…
هذا يدخلنا إلى جبهات الإسناد ومدى فاعليتها في هذه الحرب، حيث التأثير الكبير لكلّ من جبهتي اليمن والعراق وما تقوم به فصائل المقاومة في البلدين من عمليات نوعية ضدّ العدو، وطبعاً لدينا جبهة جنوب لبنان التي لها ميزتها كونها جبهة حدودية ولها تماس برّي في مواجهة العدو، وها هي تحقق المزيد من الإنجازات في العمليات البطولية وفي نوعية الأسلحة المستخدمة حيث يفاجأ العدو كلّ يوم بأنّ المقاومة تُدخل سلاحاً جديداً إلى أرض المعركة، كما تفاجئه بقدراتها على الاستعلام والمعرفة الدقيقة بمواقعه وتحصيناته المستحدثة واستهدافها بدقة فائقة كما حصل في عرب العرامشة قبل فترة وفي حُرفيش قبل أيام، وأيضاً لا ننسى سلاح الجو الذي دخل على الخط أيضاً وأجبر طيران العدو على التراجع والعودة إلى قواعده في فلسطين المحتلة…
هنا أذكر خطاباً سابقاً قبل 7 أكتوبر لسماحة السيد حسن نصرالله أكد فيه أنّ المقاومة صار لديها السلاح الكاسر للتوازن، وقد فسّر البعض يومها هذا الكلام بأنّ السيد يقصد سلاح الجوّ المضاد للطيران… وهذا يؤكد بوضوح دور سورية الأساسي في محور المقاومة.
كلّ ما تقدّم… إضافة إلى التداعيات الكبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، يؤكد أنّ الكيان وصل إلى الدرك الأسفل في الخط البياني الذي يُنبئ بزواله في وقت لم يعد بعيداً…