لماذا حافظ الأسد؟
– في مثل هذا اليوم قبل 24 عاما كانت سوريا ومعها الكثير من العرب يودعون قامة كبيرة تركت بصماتها في العديد من القضايا والملفات، وقدمت مثالا مختلفا لنموذج القيادة السياسية والعسكرية، وحملت رؤى اقتصادية واجتماعية بنت مثالا لدولة الرعاية والاكتفاء الذاتي، وتمتعت بفهم استراتيجي عميق وتفوق تكتيك و براعة ومهارة في التفاوض وإدارة الشؤون العربية والدولية، في 10 حزيران عام 2000 رحل الرئيس حافظ الأسد.
– رغم كل التشويه الذي اراد اعداء سورية إلحاقه بنموذج الدولة السورية، عرف السوريون مع الدولة التي بناها حافظ الأسد مستوى من الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم تعرفه دول عربية مشهود لها بقوتها ووفرة مواردها ومكانتها الدولية، ويكفي ان المواطن أو السائح كان يستطيع أن يتنقل من دمشق الى حلب بعد منتصف الليل دون أن يقلق على أمنه، وأن المواطن السوري كان يستطيع ضمان تعليم أولاده أطباء ومهندسين بما لا يتعدى كلفة المئة دولار لكل منهم، وأن المواطن السوري كان يتمتع بالكهرباء والخبز والمحروقات والطبابة والاستشفاء والدواء بأسعار لا يمكن أن ترهق حتى أفقر الفئات في المجتمع السوري، وأن السلة الغذائية السورية كانت أكثر سلة عربية تتمتع بالاكتفاء الذاتي وبين الأولبات في هذا المجال عالميا، وأن السلع الاستهلاكية الرئيسية كانت متاحة بصناعة سورية ناهضة ومنافسة.
– يمكن قول الكثير الكثير عن منجزات حافظ الأسد، وقد قال فيه الكثير من اعدائه ما يغني محبيه والمؤمنين بتجربته وعظمتها عن تعداد الميزات والإنجازات، لكن في اللحظة العربية الراهنة، علينا تذكر ثلاثة إنجازات كبرى فكرية وسياسية، أنتجتها الألمعية الاستثنائية لهذا القائد الفذ، ولا تزال عائداتها حاضرة.
– يعود للرئيس حافظ الأسد فضل التمسك ببناء جيش عقائدي في سورية، وبفضل هذا الإنجاز الذي رعاه وطوره الرئيس بشار الأسد بمهارة وكفاءة استثنائية رغم الظروف الصعبة والمعقدة التي رافقت مسيرته، تمكنت سورية من التصدي لحرب جند لإسقاطها خلالها ما تعجز دول كبرى عن تحمل تبعاته، من جيوش ومخابرات واعلام وفتاوى وأموال، وقد اجتمعت أكثر من نصف دول العالم واغلب دول المنطقة في حرب الإسقاط، وسقطت حرب الإسقاط وبقيت سورية بفضل هذا الجيش العقائدي.
– يعود للرئيس حافظ الأسد إنجاز التشبيك الاستراتيجي مع إيران، وقد اكتشف مبكرا أهمية الثورة الاسلامية في ايران وانحيازها إلى مفهوم للأمن القومي يرى في كيان الاحتلال والسياسات الأميركية الداعمة والحامية له سبب أزمات المنطقة ومصدر الخطر على دولها، فسبح عكس التيار السائد عربيا وتحمل الكثير الكثير بفضل هذا الموقف، وها هي إيران اليوم تثبت صحة نبوءة الأسد، عندما تبدأ حربا لأجل فلسطين سوف تكون في الصفوف الأمامية بينما كثير من العرب يتفرجون ان لم يشترك بعضهم في التآمر على القضية الفلسطينية، وقد استثمر الرئيس بشار الأسد على هذا الإنجاز وأخذه إلى ما هو أكثر عمقا ودفئا وتعبيرا عن الشراكة الاستراتيجية.
– بفضل الرؤية الاستشرافية والاستراتيجية الثاقبة للرئيس حافظ الأسد، كان الاستثمار على المقاومة التي ولدت في لبنان غداة الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، وكان ذلك في لحظة دولية شهدت بداية تراجع الاتحاد السوفياتي وصولا الى انهياره، بينما سورية تستمر وهي بلا سند دولي بإسناد المقاومة، ولحظة عربية شهدت الاندفاع نحو الاتفاقيات الثنائية مع الكيان من اتفاق أوسلو الى اتفاق وادي عربة، وسورية وحدها تقاوم الضغوط والاغراءات والتهديدات، حتى نمت هذه المقاومة وتعاظمت مكانتها وقدراتها، وقيض له قبل الرحيل ان يشهد أعظم انتصاراتها بتحرير جنوب لبنان دون تفاوض ودون قيد او شرط.
– غادر حافظ الأسد وترك لنا ثلاثيته هذه، الجيش العقائدي والعلاقة الاستراتيجية مع إيران، واستثماره المبدئي على المقاومة ودعمها، ومعها من يتابع المسيرة بعزم وقوة ويذهب بهذه الثلاثية الى مراحل جديدة، وها نحن مع الرئيس بشار الأسد نرى كيف أن هذه الثلاثية ترسم المستقبل العربي الجديد، ودائما تحت عنوان تبقى فلسطين البوصلة وتبقى المقاومة هي الخيار.
التعليق السياسي