شهادة في راحل كبير في الذكرى 24 لرحيله
} معن بشور
قد تتعدد الآراء والاجتهادات في تقييم المرحلة التي تولى فيها الرئيس الراحل حافظ الأسد مسؤولية قيادة سورية ما بين عام 1970 بعد الحركة التصحيحية إلى عام 2000، عام رحيله، لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر أنّ سورية قد شهدت في تلك المرحلة استقراراً وأمناً وتنمية مصحوبة بمواقف وطنية وقومية أهمّها المشاركة في حرب تشرين المجيدة ودعم المقاومة العربية في لبنان حتى التحرير، وفي فلسطين حتى رحيله المفجع عام 2000، كما لعبت سورية دوراً مهماً في السياسة العربية والإقليمية دولية ارتكزت على حنكة الأسد وصلابته…
لقد كنت في العشرين من عمري حين شاركت في المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي انعقد في سنة 1965، في مقر المجلس الوطني آنذاك في دمشق، وضمّ قادة البعث في سورية والعراق وكافة أقطار الأمّة قبل أن تحلّ لعنة الانقسامات والانشقاقات في الحزب الذي علقت عليه الأمّة الآمال العراض.
وفي ذلك المؤتمر عرفت الرئيس حافظ الأسد، وكان ما زال قائداً للقوى الجوية في سورية، ولاحظت فيه تميّزاً عن العديد من رفاقه وسعة صدر، وحرصاً على بناء الجسور بين الآراء المتباينة بين أعضاء المؤتمر، كما لاحظت فيه نزوعاً مبدئياً للتمسك بثوابت البعث والأمّة، لا سيّما في قضية الصراع مع العدو الصهيوني، وهو ما جعل تعليقي الأول بعد ساعات على رحيله في برنامج «حوار العمر» الذي كانت تقدّمه الإعلامية القديرة الراحلة جيزيل خوري: «مات ولم يوقّع» وهو العنوان الذي تصدّر جريدة «النهار» في اليوم التالي…
بالتأكيد، شابت تلك المرحلة أخطاء وخطايا، لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر أنّ الرئيس الأسد إلى جانب دعمه الثابت للمقاومة اللبنانية منذ انطلاقتها بعد «غزو لبنان» عام 1982، لعب دوراً كبيراً في إيقاف المرحلة الأولى من الحرب اللبنانية (1975 – 1979) وبقيَ الجيش العربي السوري حارساً للاستقرار في لبنان حتى الغزو الإسرائيلي عام 1982، ثم بعد إسقاط اتفاق 17 أيار 1983، حيث لعبت سورية دوراً مهماً في إنجاز اتفاق الطائف (1989) الذي نعِم لبنان في ظلّه بالأمن والاستقرار والتحرير حتى كانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، التي تظهر الأيام أنها كانت جزءاً من مؤامرة كبيرة تستهدف لبنان وسورية والقضية الفلسطينية والعلاقات العربية.
وحين جرى الاتفاق على ميثاق العمل القومي بين سورية والعراق في خريف 1978، إثر توقيع السادات على معاهدة «كمب دايفيد»، أخبرني الرفيق والصديق العزيز الراحل محمد خليفة عضو القيادة القومية لحزب البعث في دمشق، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أثناء حضوري كضيف في الدورة العاشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في مقر الاتحاد العام لنقابات العمل في سورية في 22/1/1979، كيف كان الرئيس الأسد متحمّساً لقيام الوحدة بين البلدين الشقيقين وأنه في اجتماع للقيادة القومية للبعث في دمشق، أبلغ أعضاء القيادة أنه تنازل عن رئاسة الدولة الاتحادية للرئيس الراحل أحمد حسن البكر لأن لا شيء أغلى عنده من الوحدة، ولا يمكن تحقيق الوحدة بين بلدين بأهمية العراق وسورية دون تضحيات.. كانت الوحدة بين العراق وسورية آنذاك، هي الردّ على اتفاقيات «كمب دايفيد» وعلى ما كان يحاك للأمّة من مؤامرات.
في ذكرى رحيل الرئيس حافظ الأسد الذي قال لي في المؤتمر المنعقد في دمشق عام 1965، وكان الخلاف محتدماً بين القاهرة ودمشق كلمة لا أنساها: لا بدّ من تصحيح العلاقة بين سورية ومصر، ولا بدّ من بناء أفضل العلاقات بين البعث وجمال عبد الناصر، وتشاء الصدف أن يرحل القائد الكبير جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1970، أيّ قبل أسابيع قليلة من قيادة الرئيس الأسد للحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني 1970، لكن ذلك لم يمنع سورية أن تحرص على علاقة تنسيقية مع مصر حتى تحقق الانتصار التاريخي في السادس من أكتوبر 1973، قبل أن يجري تجويفه والإجهاز عليه في معاهدة «كمب دايفيد» وما سبقها وتلاها من اتفاقات، لكن روح أكتوبر بقيَت حاضرة في حياة فلسطين والأمّة حتى جدّدتها ملحمة «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر أي في «اليوم التالي» للسادس من أكتوبر.