مقالات وآراء

تعديلات المقاومة تحبط الضغوط الأميركية لإخراج «إسرائيل» وإدارة بايدن من مأزقهما

حسن حردان‬

بات من الواضح لأيّ مراقب ومتابع لمجرى المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة الفلسطينية من جهة، وكيان الاحتلال الصهيوني من جهة ثانية، أنّ الولايات المتحدة ليست وسيطاً، بل هي طرف يسعى بقوة الى محاولة تمرير أو فرض صيغة «إسرائيلية» أميركية لصفقة تبادل أسرى، تحقق هدفين:
الهدف الأول، تمكين حكومة العدو الإسرائيلي من تحقيق إنجاز سياسي عجزت عن تحقيقه في ميدان القتال ويوفر لها في الوقت نفسه متى أرادت استئناف الحرب بظروف أفضل لها بهدف السعي الى تحقيق أهدافها في محاولة القضاء على المقاومة وفرض الأمر الواقع «الإسرائيلي» في قطاع غزة.. وبالتالي فإنّ واشنطن تحاول من خلال ذلك إنقاذ «إسرائيل» من دفع الثمن السياسي لفشل جيشها وإخفاقه المتواصل في تحقيق أيّ من أهداف حربه في ميدان القتال نتيجة المقاومة البطولة والضارية ضدّ قوات الاحتلال،
ولهذا قادت واشنطن حملة ضغوط سياسية ودبلوماسية لإجبار قيادة المقاومة على قبول المقترح الأميركي الإسرائيلي الملغوم، وتصوير المقاومة بأنها هي من يرفض اتفاقاً لوقف النار يؤمّن الإغاثة الإنسانية العاجلة لأهالي غزة، بعد أن أسهمت واشنطن مع كيان العدو في شن حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني والتسبّب بهذه المعاناة الإنسانية للغزيين…
الهدف الثاني، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لفرض اتفاق لا يلزم «إسرائيل» صراحة بوقف مستمرّ لإطلاق النار أو الانسحاب الكامل من القطاع ويترك ذلك للمفاوضات بعد إنجاز المرحلة الأولى، فإنّ واشنطن تريد هذا الاتفاق على أبواب بدء الرئيس الأميركي جو بايدن حملته الانتخابية، لاحتواء غضب وسخط قسم مهمّ من قاعدته الانتخابية والشباب الأميركي على دعم واشنطن للحرب الإسرائيلية على غزة، وتقديمها الدعم العسكري والمالي لـ «إسرائيل» لتمكينها من مواصلة هذه الحرب.. وفي نفس الوقت يحافظ بايدن على كسب تأييد اللوبي «الإسرائيلي» الأميركي المؤثر في الانتخابات الأميركية…
لكن هل نجحت او ستنجح واشنطن في تحقيق أهدافها، بفرض مثل هذا الاتفاق الملغوم الذي ينصب فخاً للمقاومة في المرحلة الثانية منه؟
الواضح أنّ ردّ المقاومة الموحد على المقترح الأميركي «الإسرائيلي»، جاء ليحبط خطة واشنطن لفرض اتفاق بالصيغة «الإسرائيلية»، وليؤكد في الوقت ذاته، على تجاوب المقاومة مع المقترح شرط إدخال تعديلات عليه تحقق ما يلي:
أولاً، ان ينص المقترح منذ البداية على وقف شامل ومستدام لوقف النار وإتمام انسحاب قوات الاحتلال الكامل من القطاع في نهاية المرحلة الاولى، وان لا يكون ذلك خاضعاً للمفاوضات في المرحلة الثانية حول شروط تبادل الأسرى…
ثانياً، أن تكون روسيا والصين وتركيا دول ضمانة إلى جانب الولايات المتحدة ومصر وقطر، لتنفيذ الاتفاق…
ثالثاً، أن تبدأ عملية إعادة الإعمار من الأيام الأولى لبدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق.. وليس في نهاية المرحلة الثالثة.
هذه التعديلات تضمن للمقاومة إنجاز ما يلي:
1 ـ تحقيق شروط المقاومة لتبادل الأسرى، والمرتبطة بوقف شامل ومستدام للحرب وانسحاب قوات الاحتلال من كلّ قطاع غزة ورفع الحصار وإعادة اعمار غزة، وهي شروط أعلنت عنها المقاومة منذ الأشهر الأولى لبدء المفاوضات.
2 ـ منع الأميركي و»الإسرائيلي» من ان يحققا بالمفاوضات ما عجزا عنه في الميدان.
3 ـ إحباط هدف بايدن الانتخابي، الذي يسعى الى احتواء أزمته الداخلية على حساب المقاومة…
4 ـ منع حكومة العدو من تحقيق أيّ مكسب سياسي يحدّ من أزمتها الداخلية الناتجة عن تصاعد ضغط عائلات الأسرى والمعارضة ضدّ الحكومة نتيجة الفشل العسكري في تحقيق أهداف الحرب، واستمرار رفضها قبول صفقة توقف النار وتطلق الأسرى..
من هنا ارتبكت إدارة بايدن التي كانت تفاوض المقاومة عبر قطر ومصر، نيابة عن «الإسرائيلي»، وتجسد هذا الارتباك في تصريحات مسؤولي الإدارة، وزير الخارجية انتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.. اللذين وجدا في معظم التعديلات التي أدخلتها المقاومة بأنها تعديلات مقبولة، لكنهما قالا انّ التعديلات الأخرى غير مقبولة، الأمر الذي يؤكد مجدداً انّ الإدارة هي من يفاوض بالنيابة عن حكومة العدو التي تلوذ بالصمت ولم تقل كلمة لا او نعم بشأن المقترح الذي أعلنه بايدن، او إزاء قرار مجلس الأمن الذي قدّمته واشنطن معدلاً لتجنب الفيتو الصيني او الروسي…
هذه النتيجة دفعت مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً إلى القول للقناة 13 الإسرائيلية: «انّ رد حركة حماس هو الردّ الأكثر تطرفاً الذي يمكن لحماس ان تقدّمه»… في حين رأت القناة أنّ ردّ حماس يعني انّ «الضغوط الأميركية لم تنجح».
أما هيئة البث الإسرائيلية، وهي الهيئة الرسمية، فقد نقلت عن مصدر إسرائيلي مطلع على المفاوضات قوله «انّ حماس قدّمت رداً يُعتبر في بعض جوانبه الأكثر صرامة مقارنة بالردّ الذي قدّمته في بداية أيار الماضي».
إنّ الخلاصة التي وصلت اليها المفاوضات حتى الآن تؤكد ما يلي:
أ ـ ان موقف المقاومة الفلسطينية في الميدان لا يزال قوياً ولم يضعف.. وهو ما انعكس ثباتاً على شروطها في المفاوضات.
ب ـ انّ المقاومة تقرأ جيدا مأزق كل من واشنطن وتل أبيب الناجم عن فشلهما في تحقيق أهداف حربهما..
ج ـ انّ المقاومة، لم يعد لديها ما تخسره او تساوم عليه بعد الثمن الكبير الذي دفعته ودفعه شعبها، وبعد الدمار الشامل الذي أصاب قطاع غزة، ولهذا ليست مستعدة للمساومة على كلّ هذه التضحيات وان تعطي العدو بالسياسة ما عجز وفشل في تحقيقه في ميدان القتال.
د ـ انّ قوة موقف المقاومة التفاوضي لا تستند فقط إلى قوّتها في الميدان وصمود شعبها، بل وايضاً تستند إلى الدعم والمساندة القويتين من قوى محور المقاومة، المنخرطة في المعركة ضدّ كيان العدو، وخصوصاً على جبهة شمال فلسطين المحتلة مع جنوب لبنان، الأمر الذي يزيد من حجم استنزاف العدو ومأزقه وانقساماته الداخلية…

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى