أولى

يا قادة العالم الإسلامي: لا داعي لأضاحيكم بعد أن جعلتم غزة هي الأضحية…!

‬ د. عدنان منصور*‬

عالم إسلامي بدوله الـ 57 يحتفل بعيد الأضحى، ويقدّم الأضاحي، عملاً بشريعة الله، و»تمسكه بإيمانه»، وواجباته، في الوقت الذي يشاهد أمام عينيه منذ ثمانية أشهر، كيف أنّ أطفال غزة، ونساءها، ورجالها، يُذبحون ويُقتلون، ويُحرَقون، ويُجوَّعون، ويُدفنون أحياء على أيدي جيش الإرهاب «الاسرائيلي».
جيش لم يشهد العالم مثيلاً له في همجيته، ووحشيته، وتعطشه للدماء، وحقده على كلّ من لا ينتمي إلى «عرق» وعنصر «شعب الله المختار». إذ يختزن في داخله عقيدة عنصرية، يحركها سلوك عدائي، وكراهية لجميع شعوب الأرض، مبني على بدع توراتيّة، وتعاليم تلمودية، غرست في العقل اليهودي على مدى قرون طويلة، لتفرز اليوم ما تفرزه في غزة من جرائم، ومجازر وحشية ضدّ الإنسانية، وحرب إبادة جماعية بحقها.
رغم كلّ الأهوال، والقتل الجماعي الدائر فيها، لا يريد العالم الإسلامي – وبالذات العالم العربي – أن يكون له دور فاعل مؤثر، يُغضب «إسرائيل» ويُزعج الدولة العظمى المستبدّة الراعية لها، ما جعله على الدوام صامتاً، خانعاً، راضخاً، مهمّشاً، لا حول ولا قوة له، في الوقت الذي تُقيم فيه 36 دولة من أصل 57 من دوله، علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان، وأكثر من ثماني دول أخرى تقيم معه علاقات «مساكنة» مستترة.
كيف يطيب لحكام وقادة وزعماء في العالم الإسلامي وهم يتأهّبون، ويتسارعون، للاحتفال بعيد الأضحى ويتبادلون التهاني، والمشاعر «الأخوية» الفياضة، والتبريكات، والمجاملات، ويتوزّعون على موائد العيد الدسمة، وهم يرون غزة وشعبها وكأنها على كوكب آخر !
عذراً منكِ يا غزة الشرف والإباء والكرامة! إنّ القلب يعتصر على حظك السيّئ، لأنك وجدتِ في زمن اعتقدنا فيه أنّ نخوة الجاهلية على الأقلّ، وليس نخوة الإسلام الملزمة، ستدبّ في عروق قادة مليار وستمئة مليون مسلم لنجدتك، فإذا بهم لم يتعلّموا شيئاً من المهلهل الذي حرّك بني تغلب كلهم للثأر من قبيلة بكر لمقتل شقيقه كليب، ولا من شهامة الجاهلية في نجدة الشقيق لشقيقه، والدفاع عن بني جلدتهم وحفظ ديارهم وأرضهم…
إنهم يحتفلون يا غزة بعيد الأضاحي وأيّ عيد، بعد أن جعلوك يا أرض العنفوان، عن عمد أن تكوني الأضحية، لأقذر مجرم حرب، وأوحش جيش!
أنحتفل بالعيد يا أسطورة البطولة والعزة، وأيقونة الشعوب المقاومة والتاريخ المشرّف، وأنت تنزفين، وتبحثين عن أشلاء أبنائك من تحت ركام بيوتك التي هدمها جيش الإرهاب على رؤوس ساكنيها، أو عن لقمة طعام أو قليل من حليب يخفف من جوع طفل ورضيع.
في عيد الأضحى يا غزة، يحتفل قادة الأمة في القصور، يتنشقون العطور والبخور، ويملؤون بطونهم بما لذّ وطاب، وبعد ذلك، لله «يحمدون»، فيما أنت المحاصَرة، المجوَّعة، المخنوقة، المقصوفة ليلاً ونهاراً…!
ضمائر الأحرار في العالم تحرّكت لنجدتك يا غزة، وأدانت الإرهاب الإسرائيلي، ودعت إلى قطع العلاقات مع «إسرائيل»، إلا بني قومك وجلدك. دول في العالم ما كانت يوماً إلا الى جانب «إسرائيل» صحا ضميرها بعد أن عرفت طبيعة وحقيقة الدولة العنصرية التي تأسّست على المجازر والقتل، والمتعطشة على الدوام للدماء.
من المفارقات العجيبة أنّ دولاً أجنبية نزيهة قامت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال، فيما الدول المصنفة «إسلامية» على لائحة منظمة «التعاون» الإسلامي، لم تجرؤ على اتخاذ قرار حرّ، وموقف شجاع يليق بها، وصدقيتها، وبالمبادئ والقيم الإنسانية، اسوة بالتي قطعت العلاقات مع «إسرائيل»، بل على العكس، آثرت الحرص كل الحرص على العلاقات «الطيبة» مع «الشقيق الإبراهيمي» و»الحليف» الصهيوني، والإصرار على عدم إغضاب الوصيّ الأميركي!
إيه غزة! من قال إنّ أحفاد وأتباع أبي لهب، وأبي جهل، وأبي رغال، وابن العلقمي، اندثروا في العالمين العربي والإسلامي؟! لقد وضعوك يا غزة على مذبح الـ 57 دون أن يرفّ لهم جفن عليك، وقد دخلت الشهر التاسع في أكبر مجزرة أرادها لك مجرمو الحروب، وعيون الأشقاء تشاهد بلا خجل واكتراث، تغضّ الطرف عنك، وترمقك من بعيد، وتتركك لمصيرك المجهول!
لن نحتفل بالأضحى يا غزة، ولن نعايد وأنت تنزفين وتتألمين! عيدنا الأكبر، هو اليوم الذي تخرجين فيه مكللة بأكاليل الغار والنصر، وهو يوم ليس ببعيد، تخرجين للعالم كله، وبالأخص لعالمك العربي والإسلامي، لتلقينهم درساً بليغاً في كيفية الدفاع عن الحرية، والأرض وحفظ الشرف والكرامة، وإنْ كان الدرس صعباً عليهم ولن يتعلموه!
في عيد الأضاحي، نقول لك يا غزة وأنت الإباء، والشرف، والشعب العنيد: حماك الله.
عيدنا الأكبر هو تحريرك من يد دولة الإرهاب، وعودة الروح إليك مجدّداً، وهل غيرك يستحق الحياة أكثر منك…؟!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى