فمكث الهدهد غير بعيد… والطير صافات
ناصر قنديل
– في كل كلمة وكل رمز وكل صورة وكل لحظة تصوير يتم اختيارها للنشر، رسالة كما تقول تجربة الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية، ولذلك من غير الجائز أن لا ينال الفيديو الأخير المنشور للإعلام الحربي التمحيص والتدقيق المناسبين لاستخراج أبرز ما أرادت المقاومة قوله معتمدة على رموزها التي تحمل الرسائل، لأن المقاومة عندما نشرت أرادت لهذه الرسائل أن تصل، وعندما اختارات كلمات وصوراً ورموزاً وطريقة عرض فكل شيء فعلته أرادت منه معاني وله أبعاد، ولذلك من واجبنا تظهيرها تحقيقاً لهدف النشر وليس كشفاً لأسرار تريد المقاومة كتمها.
– الرسائل المباشرة للفيديو واضحة من توقيته أولاً بالتزامن مع زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي أموس هوكشتاين في ظل التهديدات الإسرائيلية بالحرب على لبنان، ليقول إن المقاومة لا تأبه لهذه التهديدات وإن من عليه أن يخشى الحرب هو كيان الاحتلال وجيشه، لأن كل شيء عنده الى الأشد سريّة وحساسية وخطر تحت النظر، وتحت منظار التصويب، وتحت نيران المقاومة وقدرتها في إصابته والوصول إليه. وحيث وصلت الطائرة او الطائرات المسيّرة وصوّرت يمكن لها او لمثيلاتها أن تنقض أو تطلق الصواريخ ويمكن للصواريخ أن تصل، والحديث يدور عن حيفا حيث المنشآت العسكرية الأشد حساسية وخطراً، وحيث التجمع السكاني الضخم، والعمق الاقتصادي المؤثر. وهذا يعني أن المغامرة بالتفكير بتوسيع النيران سيجعل حيفا وما فيها من مصانع عسكرية ومنشآت نفطية وكيميائية وميناء ومحطة كهرباء ومطار وقبب حديدية وغواصات ومدمرات وقواعد عسكرية برية وبحرية وجوية، أهدافاً مباشرة لنيران المقاومة، وأي توسيع لنطاق استهداف المدنيين يعني أن تجمّعات تضم مئات آلاف المستوطنين سوف تكون على موعد مع التهجير تحت نيران الاستهداف.
– تبدأ الرسائل المرمّزة في الفيديو من اسمه وهو الهدهد، وعندما نتحدث عن المقاومة الإسلامية لا يمكن استخدام هذه الاستعارة القرآنية “والطير صافات” وبعدها اسم السورة التي وردت فيها الآية، النور، إلا للإشارة إلى أن معنى الاستخدام متاح في النص القرآني، وإذا كانت معادلة الطير صافات قد وردت في سورة النور إشارة الى أن كل شيء في الكون يصلّي ويسبح لله بطريقته، وأن الطير بتصفيق أجنحتها تؤدي صلاتها، فإن معنى الطير صافات هو أن الطيور تصفق بأجنحتها، أي أنها في حال طيران. والمعنى الكامن هنا إشارة الى طائرة متواصلة الطيران لمدة طويلة. وهو ما يشير إليه معنى استخدام الهدهد كرمز للطائرة أو الطائرات المسيّرة التي صوّرت عن قرب وعن كثب تفاصيل التفاصيل في منطقة حيفا.
– الهدهد في القرآن هو الذي جاء إلى النبي سليمان يحمل أخبار جيوش الأعداء، ويقول له “أحطت بما لم تحط به أنت وجنودك وجئتك من سبأ بنبأ يقين”، أي علمت بما لم تعلم به. والطائرة الهدهد هنا نقلت للمقاومة تفاصيل لم تنشر في الفيديو، تحيطها بمعلومات جديدة خطيرة، تشبه ما نقله الهدهد لسليمان عن استعدادات الحرب في مملكة سبأ، وملكتها بلقيس، وقادة الاحتلال يعلمون ما هي الأسرار التي باتت بحوزة المقاومة، وتتصل بالحرب المقبلة، وقد بات النبأ اليقين بحوزة المقاومة. والهدهد كما ورد في القرآن، مكث ليس ببعيد، وفي التفسير المتعدد للمراجعين والمفسّرين أن المكث هنا زمانيّ وليس مكانياً، فالهدهد لم يهبط ويستقر، بل بقي محلقاً لزمن غير قصير حتى جاء بالخبر اليقين، وهنا إشارة ثانية إلى نوعيّة الطائرة أو الطائرات التي قامت بمهمة الهدهد، فهي من نوع استثنائيّ قادر على التحليق دون توقف ربما لأيام وليس لساعات طوال فقط، والبقاء في الأجواء فوق فلسطين المحتلة لإرسال الخبر اليقين دون العودة ربما.
– في الرسائل المرمّزة أيضاً أن الشريط المنشور يتحدث عن حلقة أولى لما أرسله أو عاد به الهدهد، اي ان هناك حلقات لاحقة تحمل الجديد أيضاً. ومن المفيد الالتفات الى ان المنطقة التي تم عرضها تضم آلاف النقاط التي لها أسماء، لكن مَن قرّر اختيار ما يتم ذكره منها فعل ذلك كرسالة يحملها مجرد الذكر وليس التجاهل، فاختار قرابة مئة نقطة عرض مسمّياتها دون سواها، وهي هنا اذن اهداف مؤكدة أو أهداف محتملة، ويمكن التمييز بينها، من الأقسام الثلاثة للفيديو الذي عرض منطقة الصناعات العسكرية وإلى جانب جدول المعلومات عنها، صورة تكررت إلى جانب جدول المعلومات عن منطقة ميناء حيفا، بينما غابت هذه الصورة عند عرض منطقة الكريوت التي تمثل التجمع السكاني والتجاري الضخم، والصورة هي لصاروخ ضخم مجنّح وله زعانف أماميّة، ما يعني أنه صاروخ دقيق، لكنه ورد بلونين مختلفين، فعند البدء بملف أهداف مصانع رافاييل ظهر باللون الأبيض، وعند البدء بملف منطقة ميناء حيفا الذي يضمّ المطار والمرفأ والقواعد البحرية والقوات الخاصة والغواصات ومدمرات ساعر بطرازاتها المختلفة ومجمّعات المحروقات والمواد الكيميائية، كانت صورة الصاروخ نفسه باللون الأحمر، واللون يشير الى درجة الخطورة والأرجح إلى تجاوز اللون الأصفر أي مرحلة الانتظار، بما يعني أولوية الاستهداف على الأغلب، بحيث يمثل الميناء منطقة استهداف أولى ومصانع رافاييل منطقة استهداف تالية ومنطقة الكريوت حيث لم يظهر الصاروخ منطقة استهداف محتملة.
– عندما يعرض التسجيل المنشور الأهداف المنتقاة، فهو مثلاً يختار في منطقة ميناء حيفا ذات رمزية الصاروخ المجنح الأحمر، ثلاثة وثلاثين هدفاً، منها عدة قباب حديدية وأرصفة ميناء، ومدرجات المطار، ومدمرات حربية من طرازات ساعر المختلفة. وهذه يمكن للاستطلاع من الجو أن يبين طبيعتها، لكنه عندما يقول هنا مقر القوة البحرية الخاصة، وهنا مخزن الغواصات، كما عندما يعرض الأهداف المنتقاة في القسم الخاص بمجمع رافاييل للصناعات الحربية فيقول: مكان لتجارب الصواريخ، ومجمع لأجهزة التحكم والسيطرة، فهذه معلومات لا يمكن ملاحظاتها من خلال الاستطلاع وهي ثمرة معلومات استخبارية، وفّرتها اختراقات في الهيكلية القيادية العسكرية لجيش الاحتلال بمراتب عليا، او اختراق إلكتروني لخزانات معلومات الجيش. وفي الحالتين أن بنك المعلومات المتاحة للمقاومة أكبر من المنشور بكثير، في حيفا وغير حيفا، والرسالة واضحة، نعرف عنكم أكثر مما تعرفون أنفسكم، وكل شيء بات جاهزاً وبانتظار إشارة الانطلاق، فلا تختبروا بأسنا، واخشونا أكثر مما تطلبون أن نخشاكم.