غرور القوة الأميركيّة… في زيارة «بلينكن» العاشرة الفاشلة… ماذا بعد؟!
} د. جمال زهران*
نحن أصبحنا في مواجهة مباشرة وفعلية مع أميركا وبريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، صانعي ورعاة وداعمي الكيان الصهيوني، وهو الأمر المعروف أصلاً منذ بداية إنشاء هذا الكيان عندما كان فكرة أو مشروعاً ثم تمّت ترجمته على الأرض في عام 1948م، لكنه أصبح مؤكداً بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م. ومن لا يدرك ذلك فهو واهم أو مغيّب أو مأجور، أو عميل للاستعمار الأميركي الصهيوني، على وجه الخصوص. تلك هي الحقيقة التي يجب أن ندركها ونتعامل معها، لنعرف ما الذي يجب عمله في تلك الظروف، حاضراً ومستقبلاً؟!
فأميركا تتعامل مع أزمة ما بعد «طوفان الأقصى»، وعلى مدار تسعة أشهر، باعتبارها المسيطرة والمحتكرة لهذه الأزمة، وعلاقتها الواسعة مع النظم العربية الحاكمة والتي أتى أغلبها عبر الدعم الأميركي المباشر وغير المباشر. ولا تسعى لإشراك أحد، ولو بالتشاور، وليس العمل الفعلي، حتى من حلفائها الأوروبيين. ولذلك فهي تنتقل من فشل إلى فشل. وهناك ثلاثة أشخاص يأتون للإقليم بانتظام بهدف السيطرة على الأوضاع ورعاية عملية الاتفاق على الهدنة، وإلى حد التسول من المقاومة، لإنقاذ بايدن في أميركا من احتمالات قوية من السقوط في الانتخابات، ولإنقاذ النتن/ياهو (حبيب قلب بعض النظم العربية العميلة رسمياً وفعلياً لأميركا ومشروعها الصهيوني)، من سقوط أصبح وشيكاً بل وحتمياً، بين لحظة وأخرى. والجديد هنا أنه بسقوط النتن/ياهو، وبايدن، هو البداية الحقيقية لانهيار أميركا ذاتها وانتهاء نفوذها بالإقليم، ومعها انهيار الكيان الصهيوني، وهو الحادث الآن وإلى إشعار آخر.
فمنذ «طوفان الأقصى»، أتى «بايدن» فوراً لزيارة الكيان، وطمأنة النتن/ياهو، على الدعم الأميركي المباشر والواسع وبدون سقف، وأن عليه أن ينتقم من الفلسطينيين والمقاومة وتأديبهم! ثم تولى إدارة الملف ثلاثة أشخاص (وزير الخارجية – وزير الدفاع – مستشار الأمن القومي). ولعل وزير الخارجية (بلينكن)، هو الأكثر حضوراً في الإقليم، حيث زار المنطقة نحو (10) مرات، آخرها منذ عدة أيام، ويلتقي برؤساء مصر والأردن وقطر والكيان الصهيوني، وأحياناً السعودية، وأحياناً الإمارات إلخ… ويشارك في مؤتمرات جماعية، بل يترأس مجلس الحرب الصهيوني، ويظهر نفسه باعتباره الناصح الأمين لقادة الكيان، وهو الذي اعترف أنه يهودي، بل وصهيوني وإسرائيلي، ربما أكثر ممن يقودون الكيان. ولذلك ليس من اللغو أن نقول إن الذي يقود المفاوضات والمباحثات، للتوصل إلى هدنة بين الكيان وبين المقاومة، هو أميركا بوزير خارجيتها بشكل مباشر!
إلا أنني لاحظت أن «بلينكن»، في آخر طلتين له في الإقليم، ظهرت له صور مقطب الجبين، أو متضايق! والأكثر خطورة هو ما صرّح به من كلمات حيث ظهر بلغة آمرة، مغرورة، متعالية، وبغطرسة شديدة، على خلفية أن أميركا إذا أمرت، لا بدّ أنّ المستمعين أو المستقبلين، أن يستمعوا وأن ينفذوا التعليمات بشكل حرفي، وبدون نقاش! بل وصلت تصريحاته إلى حد التهديد بالعقوبات على كل من يعيق التوصل إلى هدنة وبشكل عاجل! وعلى خلفية ضرورة بل وحتمية أن ما طرحه بايدن في خطابه من المبادرة بوقف إطلاق النار في غزة، وتوقيع اتفاقية هدنة يتم بمقتضاها تبادل الأسرى إلخ… وفي أعقابها، طرحت أميركا مشروعاً لقرار في مجلس الأمن، يقضي بوقف إطلاق النار في غزة، والتوصل إلى اتفاقية هدنة، لاقى قبولاً، بعد إجراء التعديلات في الدهاليز، حيث وافق عليه (14) عضواً، مع امتناع وتحفظ روسيا على المشروع، نظراً لفقدانه ضمانات واضحة وكافية للطرف الفلسطيني المقاوم.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه المقاومة، بمطالبها التي لم تجدها في مشروع بايدن أو قرار مجلس الأمن، وهي: الانسحاب الكامل مع توقف كامل ونهائي للحرب الصهيونية الإبادية في غزة، والاتفاق على إعادة الإعمار، ثم تبادل الأسرى إلخ… نجد وزير خارجية أميركا (بلينكن) يعلن على الملأ، أن حماس هي التي تعوق التوصل إلى اتفاق الهدنة، بل ويطالب علانية كلاً من قطر ومصر، بممارسة الضغوط على حماس (تحديداً) لقبول الاتفاق أو تهديدها باتخاذ إجراءات رادعة. إلا أن المقاومة لم تلتفت إلى تلك التهديدات ولم تقبلها، ولم تقبل المعروض، لأن الكيان الصهيوني أصلاً لم يوافق لا على مبادرة بايدن، ولا قرار مجلس الأمن!
لذلك فإن خلاصة نتائج زيارات وزير خارجية أميركا (بلينكن)، تنتقل من فشل إلى فشل، دون إنجاز حقيقي على الأرض، في الوقت ذاته الذي يصرح بلينكن داخل الكيان الصهيوني، أن الأسلحة التي توقفت، الآن هي في طريقها للكيان الصهيوني، وأن أميركا أمدّت الكيان، بكل أنواع الأسلحة، إلا أنّ ذلك لم يكن كافياً! إنها تصريحات إرهابية وإجرامية تعبّر عن الاشتراك الحقيقي لأميركا في الحرب، وإننا نواجه أميركا فعلاً! ولعلّ المتتبع لتصريحات مثلث أركان حرب الرئيس بايدن وهم وزيرا الخارجية والدفاع، ومستشار الأمن القومي الأميركي، يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا في مواجهة حاسمة مع أميركا، التي باتت تدافع عن مشروعها الاستعماري الصهيوني، وتعتقد أنها تدافع عن وجوده الذي لن يتزلزل، إلا أنّها قد غابت عنها قاعدة أن لكل شيء نهاية، وقد حانت نهاية الكيان الصهيوني بعد عملية «طوفان الأقصى»، وكل ما يحدث هو إرهاصات النهاية الحتمية لهذا المشروع الذي فشل فعلياً، وعليهم إخراج مشهد النهاية! مثلما أخرجوا مشهد الانسحاب الأميركي من أفغانستان قبل عامين، ومشهد الطائرة الأميركية وعملاء أميركا يتهافتون على «الشعبطة» فيها، حتى لا يُتَركون لمصيرهم المحتوم وهو القتل! لأن دورهم قد انتهى! وانسحبت أميركا مجبرة بعد احتلال مباشر دام عشرين سنة، وخسائر مادية وصلت إلى 2 ترليون دولار، وخسائر بشرية أميركية لم يعلن عنها! مثلما لم يعلن عن الخسائر الفادحة للجيش الصهيوني وشريكه الأميركي!
والسؤال: ماذا بعد هذا الفشل الأميركي في التوصل إلى اتفاقية الهدنة، أو إنقاذ الكيان الصهيوني الذي فشل في إعلان نصر ولو زائف؟! لقد عاد «بلينكن» إلى واشنطن يجرّ أذيال الهزيمة والفشل، وليس لقاء البحرين العسكري باجتماع رئيس أركان الكيان الصهيوني، مع رؤساء أركان (5) دول عربية هي (مصر/ البحرين/ الأردن/ السعودية/ الإمارات)، خلال الأسبوع الماضي، إلا نصراً زائفاً…
ختاماً… فإنّ المقاومة وتصعيدها وتصاعد استخدام القوة، في غزة والضفة، وفي جنوب لبنان، والجولان، والعراق، واليمن، هي السبيل لإجبار أميركا و«إسرائيل» إما على توقيع هدنة عادلة أو الاستمرار في طريق انهيار الكيان…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.