رؤية سياسيّة أم انفصال عن الواقع؟
} سعادة مصطفى أرشيد*
يتخبّط (الإسرائيلي) الحاكم والمعارض والسياسي والأمني – العسكري على حد سواء إنْ في ميدان السياسة وإنْ في ميدان الحرب، فقد اعلن الجيش (الإسرائيلي) مطلع الاسبوع الماضي أنه سينهي معركة رفح خلال أسبوعين، وعاد منذ يومين للقول إنها قد تحتاج الى عدة أسابيع. وافقت حكومتهم مبدئياً على المشروع الذي صدر عن مجلس الأمن للوصول الى تسوية ووقف إطلاق نار، ولكنه عاد وأعلن أنه مستمرّ في الحرب حتى تحقيق أهدافها المعلنة بسحق المقاومة سحقاً نهائياً واسترداد الأسرى بالقوة ودون قيد أو شرط والبقاء في قطاع غزة وإقامة مناطق عازلة وإعادة تشكيله بما يضمن عدم نهوض أي شكل من أشكال المقاومة في المستقبل.
الأخ الكبير لدولة الاحتلال أو المشغل لها، الآمر الأميركي خاصة والغربي عامة، يبدي قلقاً من استطالة أمد الحرب وعدم قدرة (الإسرائيلي) على حسمها أو الاقتراب من تحقيق شيء ولو ضئيل من أهدافها، ويُبدي قلقاً أكبر من اتساع ميادينها خاصة باتجاه الاشتباك مع المقاومة اللبنانية، فيحاول ضبط إيقاعها من أجل الوصول إلى وقف إطلاق نار يُلبّي مصالح (إسرائيل) بالدرجة الأولى بإطلاق سراح الأسرى الذين احتجزتهم المقاومة في السابع من تشرين الأول الماضي، وبانسحاب جيش الاحتلال من المناطق الآهلة بالسكان، مع بقائه في جوارها لتكرار سيناريو الضفة الغربيّة التي يرابط الجيش الإسرائيلي على تخوم مدنها ويجتاحها كلما بدا له الأمر أو تطلّبت الحاجة، ثم العودة إلى معسكراته.
استدعى ذلك القلق البيت الأبيض لأن يرسل مبعوثيه من ذوي الرتب الرفيعة لضبط الأوضاع ومنع اتساعها خاصة مع التطوّرات المتسارعة مع لبنان والإشارات (الإسرائيلية) التي ذهبت باتجاه تطوير الحالة من المشاغلة والاشتباك الى الالتحام في حرب ضروس لا تريدها المقاومة اللبنانية ولا محورها، ولكنها لا تخشاها ومستعدة لها، كما قال الشيخ نعيم قاسم في أكثر من خطاب له في الأيام الماضية.
المبعوث الأميركي – (الإسرائيلي) هوكشتاين لا يكاد يصل بيروت حتى يغادرها الى تل أبيب ولا يكاد يصل تل ابيب حتى يعود الى بيروت ممارساً دور البوسطجي وناقل الرسائل أكثر من دور الوسيط الذي يستطيع تدوير الزوايا الحادة حتى الآن. قالت الرسالة الأولى التي حملها على لسان نتنياهو إنّ على المقاومة اللبنانية الانسحاب الى شمال نهر الليطاني وإلا الحرب، فيما أضافت الرسالة الثانية موعداً نهائياً وهو السادس والعشرون من هذا الشهر لانسحاب المقاومة الى الحدّ الذي تريده الحكومة (الإسرائيلية) وإلا الحرب.
لا يبدو أنّ المقاومة اللبنانية ترتعد خوفاً من مثل هذا التهديد أو التوقيت، وجاء ردّها الأول أنّ المقاومة اللبنانية لا تهاجم إلا أهدافاً عسكرية فيما دولة الاحتلال تهاجم أهدافاً مدنية ومواطنين آمنين، وأن على تل أبيب أن تعرف تماماً أنّ الحرب على لبنان تعني الحرب على إيران التي ستكون شريكة في الحرب الى جانب حلفائها ومحورها، ثم بالقول إنه في اللحظة التي تشعر بها بجدية هذا التهديد فإنها قد تقوم بضربة استباقية مؤلمة، فيما جاء ردّها الثاني بالهدهد الذي استطاع حسب الموروث الدينيّ نقل عرش ملكة اليمن بلقيس الى القدس برمشة عين. واستطاع هذه المرة القيام بمسح دقيق من خلال القيام بجولة واسعة والتقاط الصور للمواقع (الإسرائيلية) المحصنة والتي كانت (إسرائيل) قد طلبت من المواقع الالكترونية الجغرافيّة مثل غوغل ايرث وغيرها حجبها عن الرؤية.
أن يتورّط (الإسرائيلي) في تحديد موعد للحرب هي مسألة فارقة؛ ففي الموعد المحدّد سيجد أنّ المقاومة اللبنانية باقية في مكانها ولم تنسحب الى شمال نهر الليطاني ولا الى أي مكان آخر وإنما قد تكون مرشحة للدخول الى الجليل الفلسطيني، وقصة الانسحاب الى شمال نهر الليطاني لم تستطع آلة الحرب (الإسرائيلية) في عام 2006 أن تفعل بها شيئاً فهل تستطيع الآن؟ الجواب قطعاً لا، وجاء القول الفصل في كلمة الشيخ حسن نصر الله مساء أمس، والتي كانت وافية وشاملة وقال فيها ما يجب أن يُقال، من أن المقاومة اللبنانية هي لإسناد غزة ومشاغلة العدو، ولكنها على أتم جاهزية لكل الاحتمالات هي ومحور المقاومة لا للحرب مع «إسرائيل» فحسب، وإنما مع مَن يمنح (إسرائيل) تسهيلات وخصّ بذلك قبرص، ولكنه كان يقصد غيرها أيضاً ممن قد يمنح تسهيلات للعدوان على لبنان، وممن يقصدهم على سبيل المثال لا الحصر من وراء قناة العربية التي أذاعت فور إنهاء خطاب الشيخ نصر الله تصريحات على لسان رئيس الأركان (الإسرائيلي) هاليفي يقول فيها إن دولته قوية وإنها مستعدة للحرب، ويقصد تلك الدول التي تصدّت دفاعاتها الجوية للمسيّرات والصواريخ الإيرانية ليلة 13-14 من الشهر الماضي.
لكن يبقى السؤال هل يعبّر هذا السلوك (الإسرائيلي) والتهديد وتحديد الموعد عن رؤية سياسية وأمنية عميقة لا ترى بداً من الدخول في معركة صفرية لا مع المقاومة الفلسطينية في غزة فحسب، وإنما مع محور المقاومة بكامله وهو أمر تشير المعطيات باستحالة تحقيقه، أم أن ذلك يعبر عن انفصال العقل السياسي والأمني والعسكري (الإسرائيلي) عن الواقع والدخول في دوامة المغامرات غير المحسوبة.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة