تحالف دولي يحرّر أربعة أسرى ويبقي نتنياهو أسيراً!
وفاء بهاني
رغم الفشل الذريع الذي يتخبّط به يومياً جيش الاحتلال الصهيوني، والذي لن يكون آخره ما نقلته وسائل الإعلام عن حجم وقوة المقاومة للاحتلال الذي كان يتغنّى إعلامه وبعض مسؤوليه بعملية تحرير أربعة أسرى له، بأسلوب مبالغ فيه كثيراً يظهر مدى عمق الأزمة في الكيان الذي يبحث رئيس حكومته بنيامين نتنياهو الذي بقي أسير أزماته التي تفرضها المقاومة في فلسطين وعلى جبهات الدعم. ليستمر بالبحث عن نصر ولو وهمي. بينما كشفت تلك العملية عن هشاشة قوة الجيش (الذي لا يُقهر!) وعن انهيار قوته الردعية والاستخبارية. وقد بدا واضحاً مدى ضعف جيش الاحتلال بأجهزته الاستخبارية والأمنية من خلال ما يلي:
1 ـ تشكيل تحالف دولي عسكري واستخباري في عملية استعادة أسرى الكيان الصهيوني.
2 ـ على المستوى التقني تسخير كلّ تقنيات التجسّس وأحدثها عالمياً بالتنسيق مع قاعدة “أورانيم” في النقب، لإنجاح عملية إعادة الأسرى الصهاينة.
3 ـ دعم لوجستي غير محدود قدّمته أميركا وبريطانيا من خلال غرفة عمليات مشتركة مدعومة ميدانياً بوحدة عسكرية أميركية وطائرة بريطانية متخصّصة في التجسس، ومساندة دول مثل كندا ونيوزيلندا واليابان.
كل هذا الدعم يكشف عن مدى عجز الكيان بكلّ قوته عن تحقيق اي هدف من أهدافه بعد تسعة أشهر من المواجهات، التي كشفت عن سقوط منظومة الدفاع والردع الصهيونية أمام أصحاب الأرض وأصحاب الحق، وتكشف التآمر ضدّ فصيل يقاتل بأسلحة تقليدية، تقوّيه روح الشهادة والنصر.
هذا الفخر الزائف يظهر الضعف الصهيوني والحالة المزرية التي وصل إليها، ويبيّن أنّ المقاومة تقف وحيدة أمام تحالفات أكبر الدول الغربية. العملية تعرّيهم، خاصة بعد قتل العديد من الأسرى، وتثبت زيف ادّعاءاتهم حول السلام وحقوق الإنسان، إذ يجب أن يكون قتل وتعذيب وتهجير مدنيّي غزة هو الأولوية الإنسانية، وليس عدداً قليلاً من الأسرى الذين اغتصبوا الأرض.
عند قراءة ما بين السطور في الخطوات الأخيرة التي يتخذها نتنياهو، يتضح أنّ هدف هذه العملية لم يكن استعادة الأسرى. تصرفاته وأهدافه الشخصية المتطرفة تكشف عدم اكتراثه بشأن الأسرى، بل كان الهدف تهدئة الانقسامات الداخلية المتزايدة التي تسيطر على القيادة الصهيونية. العملية أدّت إلى تأخير إعلان بيني غانتس وغادي أيزنكوت انسحابهما من مجلس الحرب، إذ كان ذلك سيكون ورقة الضغط الأقوى على نتنياهو لإيقاف الحرب. لذلك، فإنّ الأسرى وحياتهم كانوا آخر ما يشغل نتنياهو.
كان الهدف الثاني لنتنياهو من هذه العملية تهدئة الغليان الداخلي الناتج عن مظاهرات أهالي الأسرى، وإقناعهم بأنّ استعادة هؤلاء الأربعة كافية لمواصلة الحرب والضغط على حماس لإرجاع الأسرى دون الحاجة إلى صفقات تعرقل تقدّمه في مخططاته الشخصية للقضاء على حماس. ومع ذلك، لم تُجدِ هذه العملية نفعاً مع أهالي الأسرى، بل حتى أهالي الأسرى الذين تمّت إعادتهم طالبوا بنفس مطالبهم السابقة، وهي إعادة جميع الأسرى عبر صفقات مع حماس.
على الرغم من أنّ الإعلام العبري ووزير الحرب غالانت يروّجان للمعركة التي يخوضها الجيش الصهيوني في قطاع غزة منذ أشهر على أنها تحقق نجاحات براقة وتبرز شجاعة الجنود، إلا أنّ العديد من المحللين السياسيين داخل الكيان الصهيوني وحول العالم يدركون أنّ عجز الجيش الصهيوني، رغم معداته وعديده والدعم الخارجي الكبير، عن استرجاع الأسرى في هذه المنطقة الجغرافية المراقبة على مدار الساعة باستخدام أحدث تقنيات التجسس، ما هو إلا فشل وإخفاق غير مسبوق.
إنّ نتنياهو وبعض القادة الأميركيين يصفون عملية النصيرات بأنها تتسم بالشجاعة والإتقان والخبرة العسكرية، ليس إلا محاولة لإخفاء المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي. هذه العملية أسفرت عن استشهاد أكثر من مائتي مدني فلسطيني، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، وإصابة نحو 800 آخرين، وبعد كلّ هذا، ينتقد نتنياهو بمزايدة المعايير، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، واصفاُ إياه بأنه عدو للسامية والكيان الصهيوني، بسبب إدراجه للكيان في القائمة السوداء بسبب جرائم قتل الأطفال والمدنيين.
الحادثة تكشف الزيف والازدواجية لدول الغرب التي تدّعي السلام والمحبة، إذ اعتُبر استشهاد أكثر من مائتي شخص وإصابة نحو 800 آخرين في عملية النصيرات أمراً جانبياً وتمّ التعتيم على ذكرهم. هذا أنّ أميركا ليست ناصرة للسلام، وأنّ التطبيع مع الكيان هو خيانة بحق القضية الفلسطينية. يجب على العرب وقادتهم أن يتفهّموا ذلك ويعرفوا من هو عدوهم الحقيقي.
الزخم الإعلامي بعد كشف أبعاد عملية النصيرات يؤكد أنّ أيّ متعجرف صهيوني سيدرك أنّ هذه العملية كانت فشلاً وإخفاقاً ضمن سجل إخفاقات جيشهم الهشّ. ويبيّن أن لا سبيل لنتنياهو وحكومة الصهاينة لاستعادة الأسرى إلا من خلال الصفقات وقبول الشروط، لأنّ حربهم محكومة بالخسارة والفشل…