نصفه علم ونصفه مقاومة وكله أخلاق
} ناصر قنديل
جعل العفيف حياته نصفين، نصف للعلم ونصف للمقاومة، وعندما منح لعائلته بعض العمر ربطه بمعادلة النصفين، نصف للعلم ونصف للمقاومة، وفي كليهما وكلّ منهما الأخلاق عفة وعفو وعفاف وعافية.
في الأربعين الأولى وسنة كما في الأربعين الثانية وسنة، تداخل العلم بالمقاومة، ودخلا معاً في العائلة، حتى دخلت فيهما، لكن في الأولى كانت حصة العلم تحصيلاً هي الوافرة، وفي الثانية كانت المقاومة والعلم تأصيلاً تكتب الحكاية الآسرة.
رافقتُه في الثانية منذ البدايات، داعية ومقاوماً وخطيباً ثم كاتباً ينير صفحات “البناء”، وصديقاً دائماً يبادر بالسؤال دون عتاب، ويفتح للشوق والودّ كلّ باب.
خفيف الظلّ، كثيف الحضور والنور.
أديب وشاعر ومحقّق وكاتب في السياسة،
حبيب وقريب ومحاضر حاضر أستاذ في الكياسة.
أحبّ رفقة القلم والكتاب والأدباء، رغم وفرة المعارف بين العلماء.
رفيق قلبه ودربه كان الشيخ الشهيد راغب حرب.
فبقيَ يحمل رايته حتى الرحيل راغباً بحرب.
تقدّم خطوة الى الأمام في مراحل التأسيس للمقاومة، حتى شارك الخطى مع الأستاذ المؤسس السيد عباس الموسوي، شريكاً في حمل السلاح والجراح والكفاح، فقال كلنا أسود، طلباً لنصر من الله.
ثم تراجع خطوتين عندما اشتدّ العود وبان زمن الانتصارات، وصارت المقاومة في أيد أمينة، بين أيدي الأمين، فقال كلنا جنود، هذا زمن نصرالله.
منذ سنوات وهو يبشر بحرب آتية، يسمّيها حرب المقاومة.
وكان عنده في منزلة اليقين، أنها ستبدأ من فلسطين.
فاسمعوا ماذا قال قبل سنين:
أميركا اليوم في موقف المنكفئ والكيان الصهيوني في مرحلة اللايقين والخوف والهشاشة. لعبة تعميم الفوضى في العالم العربي انتهت. هذه الأداة القذرة استُعملت في حدّها الأقصى ولم يعُد أمام المعتدين من خيارات استراتيجية كبرى. هم الآن في مأزق. هم الآن في موقع الحائر والمربك ومَن لا يملك المبادرة على قلب المعادلات من جديد لصالحه. فلنستفد من هذه اللحظة التاريخية. التي حوّلت أميركا من موقع القوي إلى موقع الضعيف، فقد خسرت أميركا في كلّ من سورية والعراق واليمن بفضل صمود محور المستضعفين. نعم نراهن على موجة تحرّرية كبيرة تجتاح فلسطين والعالم العربي. إنّ رهاننا مجدّداً على العاملين، على المقاومين، على الفلسطينيين والعرب الأباة، على كلّ شريف في هذه الأمة.
لعله كان يوجه النداء في الوجدان لقيام الطوفان
يناجي الثوار والأحرار والضيف والسنوار
ثم يختم بالقول:
الأمل كبير، خصوصاً عندما يصدح صوت سيد المقاومة. فما يقوله هو الحق وهو الغد وهو النصر، إن شاء الله .
وبعدها بسنتين عام 20-20 مع إعلان صفقة القرن يجدّد القول:
مع هذا الإعلان، لا واجب يتقدّم على مهمة المقاومة، واستعادة المبادرة بقوة النار، الممر الطبيعي لمواجهة هذه الصفقة هو السلاح؛ والسلاح وحده. مع تسليمنا بضرورة التحركات السياسية وأهمية الاحتجاجات الشعبية، لكن المرحلة هي للسلاح, وأيّ تلكؤ عن هذه المهمة يعني المزيد من النفي لشعبنا الفلسطيني، والمزيد من التمزق في صفوفنا العربية والإسلامية، وسيجد الجميع أنفسهم بعد فترة أمام مضبطة اتهامات أميركية إسرائيلية إذا ما رُفع الصوت معبّراً عن الألم والغضب على الواقع. إذا كان من بقية أمل، فهي موجودة في محور المقاومة الممتدّ من بحر الأرض إلى بحر السماء. في هؤلاء المقاومين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى العراق واليمن وسورية ولبنان وفلسطين. هؤلاء الشرفاء هم مَن سيرفع هذه الغمّة عن هذه الأمّة فقط، وفقط عندما يبدأ أزيز الرصاص وقريباً جداً إن شاء الله. لذلك أدعو جميع الفلسطينيين أن يعودوا إلى لبس “الكوفية” إلى استعادة لقب “الفدائي” الذي ضاع باسم السلام. السلام تصنعه البنادق. وحدها البنادق يا سادة السلطة، يا كلّ الفلسطينيين!
يُقال لكل امرء من اسمه نصيب، أما شيخنا الجليل وعلّامتنا الكبير، فقد كان كلّ زاوية وكلّ حرف وكلّ نفس يختزنه اسمه، من الجذر الى المصدر.
يتحدث علماء الألسنية عن رابطة موسيقية وصرفية تجمع الكلمات غير الترادفية التي يلتقي فيها الجذر، وحيث يتلازم حرفان يحملان عموماً معاني متقاربة المعنى والإيحاء، كالنون والباء، منها نبر ونبش ونبس ونبع، والمعاني المتصلة بالارتفاع والإخراج، أو الكاف والميم، مثل كمرَ وكمن وكمشَ وكمل، وارتباطها بمعنى الاستتار والسكون، حرفا الدال واللام يعطيان، معاً، معنى الدخول والانتقال دون جلبة، مثل دلف، ودلجَ، ودلسَ، ودلع، معنى الشدة والاحتدام، لو تكرّر في فواتح الأبنية، حرفا الضاد والراء، كالضرر، والضرس، والضرم والضرام، والضرح والضريح، حرفا الصاد والدال، في أوائل أبنية الكلام العربي، يؤديان دائماً إلى مشقة وافتراق، مثل: صدّ، صدر، صدم، صدع، صدغ، صدف، صدأ، صدى، وصدحَ.
اجتمع عند شيخنا حرفا العين والفاء واجتماعهما لكلّ ما له صلة بـ الأخلاق والزهد والترك والترفع والتسامح والعمران والبناء، عفة وعافية وعفاف وعفو…
كان عفيف القلب والعقل والكف والجسد واللسان والروح، رحمه الله، وقد ترك بيننا حوضاً عطراً زاخراً بالعطاء واعداً بكلّ خير.