صناع الحروب الأهلية عندنا يخشونها عندهم!
ناصر قنديل
– ليس من السهل تصديق ما نراه وما نسمعه هذه الأيام، حيث يتحدث المرشح الرئاسي الأوفر حظاً في أميركا، حسب استطلاعات الرأي، الرئيس السابق دونالد ترامب، عن خطر حرب أهلية يُحدق بأميركا، مشيراً إلى أن هناك خطة لدى إدارة الرئيس جو بايدن وأجهزتها لإبعاده عن الرئاسة عبر تزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها، ويبني على ذلك قوله إن الناخبين المؤيدين له لن يسمحوا بذلك ولن يقفوا مكتوفي الأيدي، وإنهم سوف يدافعون عن أصواتهم بكل ما أوتيت تجمّعاتهم من قوة، مستنتجاً أن الحرب الأهلية شبح يخيم فوق أميركا. وهذه أميركا التي لا يغيب عن بال أحد في منطقتنا أنها صاحبة وصفات الحروب الأهلية لمجتمعاتنا، تحريضاً وتشجيعاً وتمويلاً وتسليحاً، كلما ثبت لها الفشل في السيطرة على بلد يتمتع بموارد هامة أو مكانة استراتيجية حساسة او موقع مؤثر في خيارات المنطقة وصراعاتها. وهذا ما فعلته واشنطن في لبنان وفي سورية والعراق واليمن وليبيا، واستنفرت لإشعال الفتن فيها، جماعات الإرهاب والتطرف وأجهزة الاستخبارات والجيوش الإقليمية. ويجب ألا ننسى هنا خريطة المؤرخ الأميركي المعتمد من الإدارات الديمقراطية والجمهورية على السواء كمرجع فكري لرسم السياسات، وهو يتحدث بوضوح عن إعادة رسم حدود كيانات المنطقة بخلاف ما تم في سايكس بيكو، داعياً للانتقال من خطوط الجغرافيا بين الكيانات الى كيانات أصغر ولا مانع أن تكون متحاربة، على أساس حدود الديمغرافيا، وهي حدود الطوائف والمذاهب والأعراق، وغالباً ما تكون حدوداً دموية.
– كذلك ليس من السهل أن نسمع رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو يتناول المشهد الانقسامي في الكيان، والتظاهرات الحاشدة التي تطالب باستقالة حكومته، ليقول إنه يرى خطر الحرب الأهلية داهماً، ومصطلح خطر الحرب الأهلية في الكيان كان قد استخدم من رئيس الكيان وزعماء المعارضة خلال الانقسام حول التعديلات القضائية والقانونية التي تبنّتها حكومة نتنياهو، وغاب عن التداول بعد طوفان الأقصى ليعود للمرة الأولى للظهور مع كلام نتنياهو، وإذا كان خطر الحرب الأهلية مرهوناً في الكيان بلجوء مناصري وحلفاء نتنياهو إليه، فإن ذلك يصبح حقيقة إذا شعر نتنياهو وحلفاؤه بخطر سقوط حكومتهم عبر خسارة عدد من مؤيّديها من أعضاء الكنيست بما يفقدها الغالبيّة اللازمة للبقاء في السلطة، وتصبح معادلة نتنياهو نسخة عن معاداة ترامب، اعطوني السلطة أو اخذكم الى الحرب الأهلية. وكما نتذكر الدور الأميركي في إشعال الحروب الأهلية في بلادنا، يجب ألا ننسى أن كيان الاحتلال كان دائماً على خط الشراكة في حرب لبنان، تسليحاً ودعماً لوجستياً، وصولاً إلى دوره في إشعال حرب الجبل عام 1983. وفي الحرب على سورية كانت الجماعات الإرهابية تستند الى دعم جيش الاحتلال ومخابراته، بل ومستشفياته وإمداده. وفي العراق لا تتواجد مقار الموساد لمعاينة التغير المناخي، بل لرعاية أعمال الفتن والتخريب وإشعال الصدامات الطائفية والمذهبية والعرقية، وتشجيع خيار التقسيم، والكيان في فلسفته السياسية الإقليمية لا يخفي سعيه إلى تقسيم الكيانات الكبرى والصغرى على السواء ليسهل التعامل مع دويلات صغيرة ضعيفة متناحرة، تتسابق على التحالف معه، يعتبرها الضمان الرئيس لأمنه الاستراتيجي.
– أمس، انضم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى جوقة المتخوّفين من امتداد عدوى الحرب الأهلية الى بلاده، ومصادر خوف ماكرون لا تختلف عن مصادر قلق ترامب ونتنياهو، فهو بطريقة غير مباشرة يقول إذا لم نحقق الفوز في الانتخابات البرلمانية بما يضمن تشكيل من لون الرئيس ذاته، فإن فرنسا سوف تذهب إلى الحرب الأهلية. وهو يقولها بطريقة أخرى، بحيث يرى أن الاستقطاب بين يسار ويمين بصورة حادة كما هو الحال الراهن، يعني أن الحرب الأهلية تدقّ باب فرنسا، وأن بقاء حزبه حاكماً بدعم أغلبية نيابية وحده يمكن أن يحمي فرنسا من هذا الخطر. وبالتأكيد نحن لا ننسى دور فرنسا في تغذية الانشقاقات والانقسامات والفتن في بلادنا، ويكفي أن نتذكر أن الاستعمار الفرنسي بدأ بتقسيم سورية الى دويلات طائفية، وسعى الى تحريض بعضها على بعضها الآخر، أملاً بإشعال حرب أهلية بينها تكون بديلاً عن حرب الاستقلال التي توافق عليها السوريون، حتى نجحوا في طرد الاحتلال الفرنسي من بلادهم.
– واشنطن وباريس وتل أبيب مصادر الفتن والحروب الأهلية في بلادنا تستعدّ لتذوق الكأس المرة التي أذاقتها لشعوبنا، لعلها لعنة بلادنا تلاحقهم، لهول ما فعلوا، وفظاعة ما ارتكبوا!