نقاط على الحروف

هل ينجح جيش الاحتلال بإخضاع نتنياهو؟

ناصر قنديل
– يرتبط الحديث المتداول عن فرص جديدة لإنقاذ مسار التفاوض حول اتفاق ينهي الحرب على غزة، بصيغة جديدة لربط مفاوضات إنهاء الحرب ببدء تطبيق المرحلة الثانية، التي تتضمن تبادل الأسرى الذكور الأحياء من الجيش، ومقابلهم النسبة الأهم من الأسرى الفلسطينيين وضمنها أصحاب المحكوميات العالية والمؤبدات والرموز القيادية. وكان في التداول صيغة قبلتها المقاومة في 6 أيار قدمها الوسيطان المصري والقطري بموافقة، وربما بصياغة، من مدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز، وتقول كما كل الصيغ السابقة واللاحقة ببدء مفاوضات لإنهاء الحرب في المرحلة الأولى، ثم تضيف أن البدء بتنفيذ المرحلة الثانية يتم مع إعلان البدء بإجراءات التهدئة المستدامة، أي إنهاء الحرب، وأنه في ختام هذه المرحلة يتحقق الانسحاب الشامل من قطاع غزة ويتم فك الحصار بصورة نهائيّة عن القطاع، ثم جاءت صيغة جديدة بعد خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، في 31 أيار تقول بأن المفاوضات تبدأ في المرحلة الأولى، كسابقتها، لكن إذا لم يتمّ التوصل الى اتفاق قبل بدء المرحلة الثانية، يستمرّ وقف إطلاق النار ويبدأ تنفيذ المرحلة الثانية، أي يتم تبادل الأسرى والمفاوضات لم تصل الى نتيجة، وهو ما يعني ترجيح عدم التوصل نهائياً إلى نتيجة، حيث يكون كيان الاحتلال قد حصل على الأسرى وفقد أحد أهم حوافز البحث بإنهاء الحرب.
– كما قبلت المقاومة العرض الأول في 6 أيار، وضعت ملاحظاتها على الصيغة الثانية، بصورة مدروسة دون أن تقول إنها ترفضها، وجوهر الملاحظات هو غياب التوازن بين المصالح في النص المقترح، بين طرف يريد إنهاء ملف الأسرى وطرف يريد إنهاء الحرب. والصيغة تضمن إنهاء ملف الأسرى دون أن تضمن إنهاء الحرب، وتحدد موعداً لإنهاء ملف الأسرى ولا تحدد موعداً لإنهاء الحرب، وبعدما أبلغت المقاومة شفهياً ملاحظاتها الأقرب الى الرفض، بدأت ترد الرسائل من الوسطاء حول وجود رغبة أميركية يؤيدها قادة جيش كيان الاحتلال ورؤساء المؤسسات الأمنية فيه، بإيجاد حل وسط يناقش مع المقاومة، ثم يعرض على حكومة الكيان، مع الإشارة الى ان الموقفين الجديدين للجيش والمؤسسات الأمنية من جهة والأميركي ممثلاً بجيشه ومخابراته من جهة مقابلة، يقوم على اعتبار تشخيص الأمن القومي من مهام الجيوش والمؤسسات الأمنية وليس المستوى السياسي، وأنه في ظرف مشابه يمكن للجيش والمؤسسات الأمنية التوصل الى مسودة اتفاق يعرضها على المستوى السياسي ليصادق عليها أو يتحمل مسؤولية إفشالها كفرصة لإنهاء ملف الأسرى وحرب الاستنزاف، وأن الجيش والمؤسسات الأمنية نجحا بخوض تجربة تشخيص الأمن القومي واتخذ قرار الانسحاب من أغلب المناطق في غزة لتخفيض التصعيد، وهو ما صادقت عليه حكومة نتنياهو تحت مسمّى المرحلة الثالثة.
– الصيغة الجديدة التي يجري التداول بها، والتي وصفها ممثلو الجيش والمؤسسات الأمنية في الكيان بأنها رد حماس على مشروع بايدن، وأن هذا الرد يتيح فرصة استئناف التفاوض للتوصل إلى اتفاق، تقوم على إبقاء صيغة العرض كما هي لجهة البدء بالتفاوض لإنهاء الحرب، واستمرار وقف النار في حال عدم التوصل إلى اتفاق، ثم تضيف ربط بدء تنفيذ المرحلة الثانية، التي علق عليها مكتب نتنياهو بالإعلان فقط عن تسلّم الرد دون أي إضافة، والتجاذب حول التعامل مع هذه الصيغة يخضع لما يقوله الميدان حول العجز العسكري وفشل المواجهة مع المقاومة، التي أظهرت قدرتها على تجديد مصادر قوتها والإمساك بزمام المبادرة والاحتفاظ باليد العليا في العمليات القتالية، ويبقى السؤال هو، هل بلغت التوازنات الداخلية في كيان الاحتلال في ظل تصاعد نسبة رافضي استمرار الحرب إلى قرابة الـ 80%، وهو ما عكسته تصريحات رئيس الكيان اسحق هرتزوغ عن أولوية تبادل الأسرى، مرحلة يصعب على نتنياهو وحلفائه رفض القبول بشروط كان ممكناً رفضها من قبل؟ وهل ما نقل عن قادة المؤسسة العسكرية والأمنية، عبر الصحف الأميركية حول عدم الممانعة بتبادل الأسرى مقابل وقف الحرب حتى لو كان الثمن عودة حماس إلى السيطرة على غزة، قد أصبح سقفاً يصعب على بنيامين نتنياهو الصعود الى أعلى منه، على قاعدة رسم هدف للحرب هو منع حماس من تكرار ما فعلته في 7 اكتوبر واعتبار أن هذا الهدف قد تحقق، وهو ما يتقاطع مع ما سبق للأميركيين أن نصحوا باعتماده هدفاً بديلاً لهدف القضاء على حركة حماس، واستخدموا نظرية أن حماس فكرة والفكرة لا يمكن القضاء عليها بالحرب.
– الجواب على هذه الأسئلة يرتبط بالمدى الذي بلغه إنهاك الجيش وقناعة قادته بأن الطاقة اللازمة لتحمل استمرار الحرب ولو دون خوض عمليات هجومية، بات فوق طاقة الجيش، وأن وقف الحرب لم يعد مطلب المقاومة فقط، بل أصبح حاجة وجودية وبنيوية للجيش نفسه، وهذا بات كلاماً ينقل عن ألسنة جنرالات حاليين وسابقين، يقولون إن الجيش مهدّد بالتهالك، وإن لا بنية بشرية قادرة على تحمل المزيد، وإن العمل من الجو سواء في غزة أو في جنوب لبنان، له كلفة عالية على الأرض في مواقع الجيش وبنيته البشرية لا يمكن تحمل استمرارها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى