على الإيمان بعقيدتك باقون وعلى الطريق الذي رسمته سائرون
وائل الحسنية*
*نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
خضعت الأمة السورية طيلة تاريخها للكثير من الغزوات والاحتلالات التي استهدفت تمزيقها، وتفتيتها وسرقة خيراتها وثرواتها، وتجهيل هويتها وتاريخها، وتدمير مجتمعها، وجعلها من الأمم المتخلفة رغم أنها من أرقى أمم العالم. فهي مكتشفة الحرف، والرقم، والذرة، وعلم الحساب. لكن أخطر ما مرّت به هي اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت المقسم، ووعد بلفور المشؤوم الذي أعطى عن غير حق، جزءاً من الأمة في فلسطين إلى شتات اليهود في العالم. فبدأت الهجرة الاستيطانية اليهودية تتوسّع، وأمتنا تزداد انقساماً بين كياناتها، والصراعات المذهبية والطائفية تتسع بين أبنائها. وحرّض الإقطاع المدعوم من الاستعمار على الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد.
وسط كلّ هذه الأزمات الداخلية والهجرة الاستيطانية والاستعمار الجاثم على أرضنا، سأل أنطون سعاده نفسه ما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟ وراح يبحث ويفتش عن كيفية إزالة هذا الويل.
فاكتشف أمراض الأمة، ووضع لها مداميك أساسية لنهضتها وعزّتها، وحدّد هويتها، والسبل اللازمة لإنقاذها من أمراضها. فأسّس الحزب السوري القومي الإجتماعي كوسيلة من وسائل نهضتها.
لكن يهود الداخل بالاشتراك مع يهود الخارج ما لبثوا أن تآمروا عليه وهو في ريعان شبابه. وقبل أن يشتدّ عضد حزبه، اغتالوه بين ليلة وضحاها في أبشع اغتيال عرفه التاريخ فجر الثامن من تموز عام 1949، حيث يحيي القوميون الاجتماعيون يوم استشهاده على أنه يوم الفداء، باحتفالات، وندوات، ومحاضرات، القصد منها ليس التذكير بالقتلة الجلّادين المتآمرين الذين حاولوا القضاء على سعاده، وفي ظنهم أنّ بموته تموت قضيته. لكنه احتفال بفكر شهيد الثامن من تموز وتراثه وعقيدته. ولكي تبقى ذاكرة الأجيال المتعاقبة مدركة وواعية أنّ اغتيال سعاده ما كان إلا محاولة اغتيال أمة بكاملها.
صوّرت السلطة البائدة التي اغتالت سعاده بأنّ الاغتيال كان بسبب تمرّده على القانون، علماً أنّ الزعيم كان من أشدّ المتمسكين به وبالنظام. لكنه كان ثورة على النظام الفاسد والقانون الجائر.
وهنا لا بدّ من طرح السؤال: لماذا اغتالت هذه السلطة سعاده؟ الجواب واضح جداً، فالاغتيال هدفه أن تبقى الأمة في انحطاطها مطموسة الهويّة.
اغتالوه لأنه نادى بالوحدات الطبيعيّة طريقاً للجبهة العربية.
اغتالوه لأنه حذر من خطر الصهيونية واليهودية على فلسطين.
اغتالوه لأنه اعتبر الخطر اليهوديّ على فلسطين خطراً على سورية الطبيعية كلها. وها هو اليوم الكيان الغاصب يمتدّ من فلسطين إلى أرض الشام ولا يخفي مطامعه في أرض لبنان ويهدّد أمن العراق، لا بل استقرار كلّ المنطقة.
اغتالوه لأنه حارب الطائفية والطائفيين، واعتبر أنّ لبنان يفنى بالطائفية ويحيا بالإخاء القومي.
سعاده صاحب رسالة ومؤسس مدرسة النهضة والصراع، “صاحب مدرسة قد يندر لها مثيل في الشرق”، كما قال عنه كمال جنبلاط.
الزعيم قاد وعاند وسهر وعانى ولم يتراجع.
أعطى وضحّى واستشهد في سبيل أمته وقضيته، وكان منارة تنير الطريق أمام الملايين من أبناء شعبنا.
يا زعيمي بعد اثنين وتسعين عاماً على بعث نهضتك أثبتت أنها كما كانت صالحة بالأمس، لا تزال صالحة اليوم، وستبقى كذلك إلى الغد المقبل. ولو جاء كلّ فلاسفة الأمة لما استطاعوا أن يبدّلوا في عقيدتك حرفاً واحداً، فكيف لحفنة أن تتجرّأ وتنادي – شكلاً – بتطوير عقيدتك لتواكب العصر. في حين أنّ العقيدة التي وضعتها يا زعيمي تثبت كلّ يوم راهنيتها، وبأنها الخلاص لأمتنا. ولعل ما وراء “دعاة التطوير” غاية في نفس يعقوب.
على الإيمان بعقيدتك سنبقى وعلى الطريق الذي رسمته سنسير. ومن أجل وحدة أمتنا ومجتمعنا سنقاتل. ولإعادة الألق لحزبك سنناضل، رادّين كيد المزوّرين والطارئين إلى نحورهم، مستشهدين دفاعاً عن عقيدتك وصوناً لأمتنا.