أمام عظمةِ الرجلِ الذي نُحيي ذكراه بخشوع…
ها هم اليوم أبناءُ أمَّتك على أرضهمِ وفي مياههمِ وتحت قبَّةِ سمائِهم، بدمائهم يُلحِقونَ العارَ والهزائمَ المُذِلّةَ بالإمبريالية، بأعداءِ الانسانيّة، ويرسمُونَ لنا ولأجيالنا وللأمّة معالمَ النهضةِ المنشودة
زاهر الخطيب*
*أمين عام رابطة الشغيلة
نحن لا نشهدُ بأنطون سعاده، فهو الذي يشهدُ لنا، وعلينا، نحن نستشهدُ به فحسب…
أنطون سعاده: هذا الإنسانُ الأمميّ الذي احتشَدَتْ في روحهِ القِيمُ والمبادئُ فتجاوز بها تخوم ذاته الفردِيّة، ليذوب في الذّات الجماعيّة مع احتياجات مجتمعه، وطموحاتِ أمَّته، معانقاً جوهر الأديان السماويّة والعقائد الاجتماعيّة، والأرضيّة متّحداً بالكونِ الشَّامل، وبالذّات الإلهيّة، ليكون بالكلِّ واحداً.
أنطون سعاده: البادئُ المتنبّئ، المتحسِّسُ للحقائقِ المستقبليّة في أمَّته، المنذرُ المبكرُ، بوعيهِ القوميِّ للخطرِ الصُهيوني، المجسِّد روحَ عصرِه، والمقاومةَ الآتيةَ من التُّراث، والتَّاريخ مع المقاوماتِ الظَّافرة التي بدأت تؤذن بنهضةِ الأمّة التي من أجلها استشهد زعيمٌ من كبار زعمائها.
أنطون سعاده الروحُ الثوريّةُ المنتشرةُ في الأمّةِ بأرواح عظمائها يوسف العظمة، وظافر الخطيب، وسناء محيدلي، وخالد علوان، ووجدي الصايغ، وموسى الصدر، وراغب حرب، وعباس الموسوي، وهادي نصرالله، وأحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وفتحي الشقاقي، وعز الدين القسّام، وعبد القادر الجزائري، وعمر المختار…
هذه الروح الثوريّة المتّحدةُ بشهداء الأمّة بلا استثناء، بأبطالها ومناضليها وشرفائها، في الأمس، واليوم، وفي المستقبل.
أنطون سعاده الضميرُ المقاوم فينا لكلِّ تجلِّيات القهر القومي ولكلِّ أشكالِ الاستبداد السِّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، والثَّقافيّ والروحيّ.
هذا الثائرُ أبداً على النفوسِ المريضةِ المتعايشةِ مع الانتهازيّةِ والانحرافِ والخيانةِ.. مع التَّكلُّس والرُّكودِ في مستنقعاتِ الفسادِ والجمودِ والزَّحف إلى الوراء.
أنطون سعاده: الفكرُ العلميُّ الدّياليُّ الدائبُ لاستجلاءِ الحقيقة، بوعي الضَّرورة، واستيعاب سنن التَّطوّر، وقوانين الحركة، والتَّغيير في الطبيعة، وفي الإنسان، وفي المجتمع يفهمُها يَعيها، يُدِركُها ليكون سيداً عليها لا عبداً لها…
أنطون سعاده: هذا الوجدان النَّقديُّ العلميُّ الثوريُّ الذي لا يغرقُ في اللحظة الراهنة وفي موازين القُوى الجامدة، وإنَّما ينقُد الحاضرَ في سياق حركته بمنظورٍ تفاؤليّ مستقبليّ متَحرِّك لِيستخرجَ الممكن من المستحيل.
ويطرحُ المهام النِّضاليةَ والثوريَّةَ مؤمناً إيماناً عميقاً بقُدرةِ الشعوب على تغيير العالم وليس الوقوف، فحسب عند تفسيرِهِ لتبريرِ التخاذلِ، والاستسلامِ له بحجّةِ الأمرِ الواقع والأمرِ المستحيل…
أنطون سعاده: هذا الإبداعُ الواقعيُّ في تفكيك المشكلات والأزمات، وفي إيجاد الحلول العمليّة للمُعضلات تحليلاً عقلانيّاً بقدر ما يطرحها التَّطوّر الحضاريّ القوميّ الاجتماعيّ.
أنطون سعاده: هذا الكلّ المنصهِرُ بآلام أمَّته وآمالها وأحلامها.. هذا النقيُّ الوفيُّ لدماءِ شهدائها وتراثِها حتى الشّهادة ليكون لاستشهاده معانٍ ودلالاتٌ وآفاقٌ وأبعادٌ تحمِلها الأجيالُ النَّاهضةُ في ضميرها كقوة نموذج في الفداء القوميّ وليؤكِّد استشهادُهُ الحقيقةَ التاريخيّةَ التي تتناسلُ منها حقائقُ خالدةٌ لا تموت.. فالاستشهاديُّ، يتحكم بالمعنى الذي يُضفيهِ على موتِه من خلالِ إدراكهِ، وخِيارهِ لمعنى الحياة، وسرِّها، وجوهرِها فـ «الحياةُ كلّها وقفةُ عزٍّ فقط».
هل يموتُ صانعُ العزِّ في تاريخ أمَّتِهِ، أم أنّه في وجدان الأمّة باقٍ…؟
وهو خالدٌ لا يموت..
من فوق مِنبَرِ استشهادِك، قُلْتَ في ذاك اليوم أيُّها الزَّعيم: «أنا أموتُ أمَّا حزبي فباقٍ…»
أنطون سعاده: أنت لم تمُت، إنَّما أنت في وجدان الِعزِّ باقٍ…
حزبُكَ اليومَ، ليس الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، فحسب…
حزبُكَ اليومَ، إنَّما هو حزب الله، وأنصار الله، والمقاومة العراقيّة، والأفغانيّة، وسائرُ مقاوماتِ شعوب الأرض في كلِّ ساحةٍ من ساحاتِ الاشتباك مَعَ أعداءِ الإنسانيّةِ والأمّة، والقتال ضِدَّ القهرِ القوميّ والاستعماريّ وضِدَّ الاضطهاد الاجتماعيّ، والعنصريّ.
حزبُكَ اليومَ ينهضُ في عالمٍ متفجِّرٍ يتغيّر في سياق تحوّلات استراتيجيّة في البيئة الدوليّة، والإقليميّة…
حزبُكَ اليومَ ينهضُ شامخاً بشعوب الأرض، ومقاوماتها، ومناضليها من أميركا اللاتينيّة مروراً بالمثلث الذَّهبيّ، ودمشق بيروت القدس بغداد، الى أقاصي الشرق الأقصى، لِيعيدَ هيكلةَ العالم على صورةِ حُلمِكَ، وأحلامِ شهدائنا، بدمائكِ وبدماءِ شهداءِ الأمّة، وأبطالها، والأمميِّين المكافحين في العالم الّذين يرون في الحياةِ وقفةَ عزٍ فقط.
ها هم اليوم أبناءُ أمَّتك على أرضهمِ، وفي مياههمِ، وتحت قُبَّةِ سمائِهم بدمائهمِ يُلحِقونَ العارَ، والهزائمَ المُذِلّةَ بالإمبريالية، بأعداءِ الانسانيّةِ، ويرسمُونَ لنا ولأجيالنا وللأمّة معالمَ النهضةِ المنشودة، ويعدونَ الإنسانيّةَ جمعاء، وعداً صادقاً لفجرٍ للإنسانيّةِ جديد، حيث لا قهرَ قوميّاً، ولا اجتماعيّاً، ولا استلابَ ولا تشيُّؤاً للإنسان.
أيُّها الزَّعيم في عيدِ استشهادك، وفي عيدِ الانتصار التَّاريخيّ والاستراتيجيّ لأُمَّتِكَ في تموز، نسأل أنفسَنا صادقينَ، مصمّمينَ، واعدينَ، كيف نستطيعُ فعلاً، لا قولاً… أنّ نفي لك عهداً أطلقتَه بالدِّم؟
كيف نستطيعُ فعلاً لا قولاً أنّ نفي شهداء الأمّة وعدنَا، ليكونَ وعداً بقوةِ نموذجِ «الوَعدِ الصادق» وعظمتِه؟
سؤالٌ سنبقى نطرحُهُ على أنفسِنا، نحنُ أبناءُ العقيدة، والشرفاء، نحنُ أبناءُ حزبِكَ، أبناءُ أمّتِكَ، حتى النصرِ أوِ الشّهادة، وإنَّنا لظافِرون…