أولى

أنطون سعاده… المفكر صاحب الرؤية الثاقبة

كما كان أنطون سعاده مؤسساً للحزب القومي على مبادئ وثوابت وأهداف واضحة في بناء الإنسان المجتمعي الصحيح وفي بناء الأمة، فلنا كل الثقة بأن أبناء مدرسة الزعيم سيبقون على الطريق ذاتها التي خطها بدمه والتي ستبقى منارة للأجيال القادمة

‭‬ زياد الصغير/ أبو حازم*‬
*الأمين العام لحركة فتح/ الانتفاضة

في الثامن من تموز لعام 1949، أُنهيت حياة رجل غير عادي بل إنه رجل استثنائيّ، وهب حياته وعقله وفكره لأمة أراد لها أن تستيقظ من غفوتها، وتصحو للمشاريع الاستعماريّة التي تريد أن تسيطر على منطقتنا وتنهب خيراتها، فكان يحاول صناعة تاريخ ناصع للأمة كي تكون في مصاف الأمم القوية والمتقدّمة، بدمه الذي أصبح إثره يُسمّى شهيداً، لذلك يمكن القول بأن أنطون سعاده مفكر وقائد وفيلسوف أسس حزباً مقاوماً يحمل قضيته ويدافع عنها في معارك المصير والوجود. ولقد قدم لأبناء جيله والأجيال التي لم تولد بعد فكراً نيراً تقدمياً ومبادئ يصح أن تكون نهج حياة وباعثة على نهضة وثورة اجتماعية.
ونحن نعيش اليوم انتصار غزة ومحور المقاومة نستذكر شهداء أمتنا الذين ارتقوا على طريق المقاومة من جمال عبد الناصر إلى حافظ الأسد إلى جول جمال، وهؤلاء جميعاً تركوا بصمة مهمة في تاريخ منطقتنا من خلال إرساء المقاومة ونهجها باعتبارها الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. وكان أنطون سعاده من الرموز التاريخية التي أسست لحزب قومي وحدوي واستشرف الخطر الصهيوني وحذّر منه، لذلك أطلق على الحزب اسم «حزب فلسطين»، لأنه وضع تحرير فلسطين نصب عينيه، فكان الهدف الأسمى للتخلص من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، إضافة إلى التخلص من الهيمنة الاستعمارية الغربية لبلادنا.
في ذكرى استشهاد أنطون سعاده الخامسة والسبعين، وفي ظل معركة طوفان الأقصى، تلك المعركة التي هزّت الأرض من تحت أقدام الغزاة الصهاينة، وجعلتهم غير مدركين للذي يجري في قطاع غزة، حينما اجتاح بعض المقاتلين الأسوار الالكترونيّة والجدار العازل ووصلوا إلى مستوطنات غلاف غزة غير آبهين بقدرات الجيش الصهيونيّ الذي اعتقد بأنه الجيش الذي لا يُقهر، بل إنه قُهر وتحطّمت أسطورته وأصبح نمراً من ورق بعد أن كانت يده تطال أي بلد يريد أن يشنّ عدوانه عليه، لأن المقاومة الفلسطينية التي قاتلت أكثر من قرن من الزمن وقدّمت خيرة أبنائها شهداء على مذبح فلسطين ما زالت تؤمن بأن ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة، وهذا الذي كان يردّده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذي ما زال شعبنا الفلسطيني يردّده إلى يومنا هذا، وكما قال الراحل الخالد حافظ الأسد «نحن نريد أن نؤسس لأجيالنا التي ستأتي بعدنا قضية يناضلون من أجلها، خير من أن نورثهم سلاماً مذلاً يخجلون منه”.
وبرغم عشرات الآلاف من الشهداء الذي سقطوا على أرض غزة وبرغم الجرحى وتدمير المنازل، إلا أن شعبنا الفلسطيني ما زال صامداً خلف المقاومة، برغم المجازر الدموية اليوميّة التي يرتكبها العدو الصهيوني وسياسة التجويع، إلا أن المقاومة ما زالت مستمرّة تحقق إنجازات يوميّة من قتل لجيش الاحتلال وتدمير لآلياته ودباباته إلى إطلاق الصواريخ على المدن الصهيونيّة، كل ذلك يشي بأن المقاومة تحقق انتصارات هامة أولها إعادة قضية فلسطين إلى سلم الأولويات على الساحة السياسية الإقليمية والدولية، وأعادت المجد لها وأصبح العالم بأسره يتغنّى ببطولات أبنائها وصمود شعبها.
ولا يُخفى على أحد أنّ فلسطين ليست وحدها في هذه المعركة، بل إن دول محور المقاومة تلتفّ حولها وتدعمها وبكل ما أوتيت من قوة، فمن حزب الله الذي في اليوم الثاني لمعركة طوفان الأقصى فتح جبهة إسناد ومواجهة مع العدو الصهيوني والذي يكبّده في كل يوم العديد من الخسائر المادية والبشرية، إلى الأشقاء في اليمن الذين أغلقوا ميناء باب المندب في وجه الكيان الصهيوني، إلى المقاومة العراقية التي تطلق الصواريخ باتجاه إيلات وتشترك مع الأخوة اليمنيين في المعارك، إلى سورية العربية، تلك القلعة الصامدة التي ما زالت تقف خلف المقاومين بقيادة رئيسها المناضل الدكتور بشار الأسد، إلى طهران التي دعمت وساندت معركة طوفان الأقصى بالأسلحة والخبرات اللوجستية إضافة إلى شهدائها الذين سقطوا دفاعاً عن فلسطين والأمة وعلى رأسهم الشهيد قاسم سليماني.
إن ما قاله الزعيم أنطون سعاده عن فلسطين «نحن نريد تحرير فلسطين لأنها جزءٌ منا، ولأن حياتنا تنقص كثيراً إذا فقدنا فلسطين»، فذلك دليل واضح على أنّ فلسطين هي في قلب أمتنا، وهي جزء أساسي من حياتنا، وخاصة حين يقول أيضاً: «إنّ حقيقة قضية فلسطين هي في عقيدة أمة حية وإرادة قومية فاعلة تريد الانتصار»، في تلك المعاني والمواقف يحيي الزعيم أنطون سعاده فلسطين ويجعلها في قمة أولوياته التي يجب تحريرها من الغزاة.
وكما كان أنطون سعاده مؤسساً للحزب القومي على مبادئ وثوابت وأهداف واضحة في بناء الإنسان المجتمعي الصحيح وفي بناء الأمة، فلنا كلّ الثقة بأنّ أبناء الزعيم وأحفاده سيبقون على الطريق ذاتها التي خطها الراحل بدمه والتي ستبقى منارة للأجيال القادمة إلى أن يتمّ تحرير فلسطين وبناء المجتمع التقدمي الموحّد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى