أولى

لا نجاح لأيّ مشروعٍ خارجي بوجود أوفياء للخط القوميّ المقاوم الذي أطلقه الزعيم أنطون سعاده

في ذكرى استشهاد أنطون سعاده نستعيد لحظات العز التي وقَفها طَوالَ حياتِه وحتى لحظة استشهادِه وهي محفورَةٌ في الوجدان بأحرُفٍ من نور

‭‬ وديع الخازن*‬
*وزير سابق

في ذكرى استشهاد أنطون سعاده، نستعيد لحظات العز التي وقَفها طَوالَ حياتِه وحتى لحظة استشهادِه؛ وهي محفورَةٌ في الوجدان بأحرُفٍ من نور. لأنّ الأنظمةَ العربيةَ في زمنِه لم تتحمّل إشراقة الفكرِ القومي بمعناهُ الشعبيّ التعبويّ لكونها كانت رديفة التبعية للانتداب الذي تركها وديعةً لذَهابه وغيابِه.
ولعلّ أبلغَ رسالة تركها لحظة استشهادِه قولُه: “أنا أموت أما حزبيَ فباقٍ”.
ذهب المؤسّس وبقيَ الحزب لأنّ الأفكارَ والقضايا التي تموت هي التي ما لا يُستماتُ من أجلها.
فمنذ اللحظة الأولى لإطلالتِه القيادية استشرف الزعيم أنطون سعاده الصراع الحضاريّ العقائديّ بشفافيّتِه الرؤيويّة التي حذّرت من مخاطر قيام الدولةِ الصهيونية العنصرية على أرض فلسطين، بخاصة بعد وعدِ بلفور وتقسيم سورية الطبيعية إلى كِياناتٍ طائفيّة في اتفاقيات سايكس بيكو المشؤومة.
وكان أوضَح سعاده في كتابِه الشهير “الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمّديّة” ما التبس من فَهمٍ لهاتين الرسالتين، خصوصاً على المفكّر رشيد الخوري، نافياً عن المُحمّديّة الطابَع المادي باعتبارها طريقَ هِداية للبشر.
ولقد جاءت هذه الصدمةُ الفكريةُ الروحيةُ لتؤكد على وقفات الزعيم اللاطائفيّة، حيثُ نظر إلى الرسالتين من منطلق تراثيّ مشرقي إنساني واحد متجذّرٍ عبرَ العصور، لكأنهُ استحضر بهذا التقويمِ ما كان يُضمرُه الصهاينة، وما زالوا، من مكائدَ ومصائدَ لهاتين الرسالتين من خلال كِيانِهم العنصريّ الطائفيّ المزروعِ في المنطقة.
ورغم وقوف الغربِ المسيحي إلى جانبِ قيام الكيان الصهيوني، لم يجد المشرقي المسيحيّ أنطون سعاده نفسَهُ مُنسجماً مع هذا الانحياز الخاطئ في التاريخ، بل وضع حدّاً فاصلاً بين أمّة عريقة ينتمي إليها باعتزازٍ واعتدادٍ، وبين خارج غربيّ يطمح إلى استعادة هيمنته على المشرق اليوم عبرَ “إسرائيل”.
وقد صحّت تنبّؤات الزعيم الكبير في الخطر الذي شكّلته هذه الدولة الدخيلة على وطننا وأمتنا. وها هي الأيامُ تشهدُ على خطورة الدورِ الذي تلعَبُه “إسرائيل”، وحلفاؤها الغربيون من ورائِها، على إذكاء الانقسامات الطائفية والمذهبية إمعاناً في مخطط التفتيت.
فبعدما أخفقت المؤامرةُ الصهيونية، التي حاك خيوطَها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في تقسيم لبنان وتوطين الفلسطينيين فيه، ذهبت إلى العراق لتضرِب ضربتها الكبرى، مستعيدة أحلام حلفِ بغداد للهيمنة الكاملة على الثرَوات النفطية والمائية في المنطقة، ناهيكَ بتأمينِ سِوار الأمان الذي يوفّره مثلُ هذا المُخطط لحليفتِها وربيبتِها “إسرائيل”.
ولولا اندفاعُ الحزبِ السوري القومي الاجتماعي، خلالَ أحداث الفتنة الطائفية في لبنان عام 1975 لإبعاد شبح التقسيم والتصدّي للكيان الصهيوني بالمقاومة والاستشهاد حيث خطّت، الشهيدة سناء محيدلي بدمها، أول مقاوِمة قوميّة، السطر الطليعي في المقاومة اللبنانية التي حرّرت الأرض بالقوة والاستشهاد، لولا هذا الاندفاع لكان لبنان اليوم أشبه ببابل ووابل طوائف ومذاهب.
بهذا المنطق تعامل قادة الحزب القومي، منذ عهد الزعيم، وما زالوا، مع الشأن الطائفي بعيداً عن الاستهداف إلاّ من الزاويتين الوطنية والقومية اللتين تضعانِ “إسرائيل” هدفاً قومياً في الصراع التاريخي مع العرب.
وما دام الفكر القومي الأصيل متقداً في شباب الحزب فعبثاً تنجح المؤامرة التي تستهدف اليوم فلسطين ولبنان وسورية وبلداناً أخرى معاً. فلبنان، في هذه المرحلة، تُجسّدُهُ تطلعات المرجعيات السياسية الوطنية التي ترفض التخلي عن المقاومة، وتعتبرُ فكرة التوطين فخّاً للتقسيم.
وما دام في لبنان أوفياء للخط القوميّ المقاوم الذي أطلقه الزعيم الراحل أنطون سعاده، فلن يُكتبَ النجاح لأيّ مشروعٍ خارجيّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى