«الشعبية» تحيي الذكرى الـ 52 لاستشهاد غسان كنفاني
عبد العال: قرّروا تغييبه عندما صار «ندّاً» لكنه ظلّ أقوى من الغياب
لمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لاستشهاد غسان كنفانی، نظمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان وقفة وفاء تمّ خلالها وضع إكليل من الزهر على ضريحه، بحضور ناموس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الإجتماعي المحامي سماح مهدي إلى جانب قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، وحشد من الرفقاء والرفيقات والكادر، وأنصار الجبهة في لبنان ومخيمات بيروت، وفصائل المقاومة، واللجان الشعبية الفلسطينية، والأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية، وشخصيات سياسية ووطنية وإعلامية، ومؤسسات ثقافية وتربوية ونسوية.
بعد الترحيب بالحضور، والحديث عن المناسبة التي قدّمها نائب مسؤول المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان فتحي أبو علي، ثم تحدث عن المناسبة، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال، قائلاً: »علمنا غسان أن فلسطين حقيقة تاريخية ستنتصر».
وتابع، يا رفقاء وأحبة غسان كنفان، هو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، القائد المثقف الملتزم المقاوم الذي كتب، «في صفاء رؤية الجماهير تكون الثورة جزءاً لا ينفصم عن الخبز والماء، وأكف الكدح ونبض القلب». هكذا لخّص كينونة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وصوّب معركة الوعي الذي كان فيها قائداً يحمل القلم وبندقية، ليحكي عن «الحرية التي لا مقابل لها… الحرية التي هي نفسها المقابل».
قبل 52 عاماً اتخذت رئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير قرار اغتياله، صباح 8 تموز عام 1972 مكلفةً بذلك الجنرال في الموساد زامير آمر بالمهمة، بعد أن صار غسان «ندّاً» قرّروا تغييبه. ولكن غسان ظلّ أقوى من الغياب وعصياً على النسيان بحضوره المستمر، لم يتأخر عن معركة أو يغب عن حدث، أمام كلّ أزمة نكرّر كلماته وأقواله وأسئلته. نجده معنا يشرق مع الرجال الحقيقيين في طوفان الأقصى، ويقرع جدران الخزان مع الأسرى في سجون الاحتلال، ويرفض الموت الطبيعي في غزة، ويموت نداً في مخيم جنين، وبين زخات الرصاص في نابلس، والصواريخ في الشجاعية وجباليا والمغازي، ومع كل أمّ فلسطينية في أقوال أم سعد في المخيمات التي «تلد الأولاد فيصيروا فدائيين، هي تخلف وفلسطين تأخذ»!
أضاف: غسان كنفاني ليس مثقف المؤسسات غير الحكومية، وباحثاً أكاديمياً مرسلاً من مؤتمرات فنادق النجوم الخمس، لأنه المثقف الجديد الممتدّ بالنضال ومنزرع فيه، بل هو المقاوم الذي لم يقتله اليأس من النكبة ولا النكسة والمنفى والغربة. حمل لواء أدب المقاومة، وأسهم بانبعاث الهوية الوطنية الفلسطينية وحمايتها، وأفشل الاستراتيجية الصهيونية في طمس الهوية والذاكرة والحقيقة الفلسطينية.
اليوم نرى اغتياله في المشهد الملحمي، والحرب المصيرية على أرض فلسطين التاريخية، تحية لصمودها الأسطوري الاستثنائي، للتضحية التي لا مثيل لها، ولمقاتليها الأشدّ والأصلب والأشجع في العالم، وغزة التي كتب لها ورقة من غزة في أرض البرتقال الحزين، لأنها فلسطين فكرة لن تموت وستنتصر.
1 ـ أرادوا اغتياله لإيقاف مقاومة الشعب الفلسطيني، لكن المقاومة لم ولن تتوقف بالقتل، ولا بالإبادة الجماعية، بل ستؤدي إلى مزيد من المقاومة، وكما تنبّأ غسان كنفاني سيتحوّل الصراع إلى اشتباك تاريخي شامل مع العدو، فها هم قادة الحرب يتحدثون عن أن دخول رفح يحقق لهم النصر، وأنّ مهتهم القضاء على حماس، وجدوا رفح تقاتلهم بكلّ فصائلها، وغزة من شمالها إلى جنوبها، إنهم أرادوا إنهاء حماس فوجدوا أنفسهم أمام مقاومة الشعب الفلسطيني كله في الضفة وغزة والقدس وجبهة المقاومة التي تمتدّ من البحر الأحمر إلى نهر الفرات، ومن جنوب لبنان بل جبهة الشعوب التي تنتصر لها، هذه عقيدة غسان المقاومة أن تصبح فلسطين بحجم العالم وحقيقة تاريخية.
ـ أرادوا النيل من قوة المثل القيادي من المثقف الدينمو الذي يفكر، ويعمل، ويملك رؤية واضحة للأمور، وتستخدم سلاح الوعي في المعركة، وكان غسان، وماجد أبو شرار، وناجي العلي، وعلي فودة، وعبد الرحيم محمود، واليوم استهدف في غزة الشاعر رفعت العرعير، وهبة أبو الندى، وعشرات من النخب الفلسطينية الذين أعطوا للمقاومة وزناً وللسياسة اسماً. هؤلاء رجال في الشمس، وبهدف إزاحتهم واختراع نماذج أخرى أمثال ابو الخيزران. يريدون اغتيال العقل، لتصميم قيادات هزيلة ومطواعة وعميلة. لكن التجربة أن الشعب ينتج قياداته في الميدان، وأبطاله يملؤون الدنيا شجاعة وقدرة ووعي وانتماء.
3 ـ أرادوا إسكات الرواية الفلسطينية منذ وقت مبكر، عبر قتل هذا الطراز من الرجال الذين صاغوا بأقلامهم الحكاية الفلسطينية، وكتبوا «بالدم لفلسطين» فهم حراس السردية الفلسطينية وأبطال الرواية، رواد المقاومة الثقافية الوجه الآخر لملحمة الصمود والبطولة، والذين هزموا الرواية الصهيونية الكاذبة.
لذلك غسان الإنسان والفكرة والقضية. لقد كتب المحلل في يسخروف في موقع «واللا» العبري شهادة قال فيها: »كُتبت على عدد كبير من نُصب المقابر في مخيم جنين، وعلى جدران مخيمات اللاجئين، عبارة (احذروا الموت الطبيعي. لا تموتوا إلاّ تحت زخات الرصاص)». كما شاهدنا مقاومين في أزقة مخيمات الضفة يكتبون على بنادقهم وصية غسان «لا تموت الا ان تكون نداً».
طوبى للإبداع الذي ينجب جيل المقاومة، وأدب المقاومة وثقافة المقاومة وشعب المقاومة، وغسان الذي علمنا أنّ فلسطين حقيقة تاريخية وستنتصر.