فنون النفاق الغربي وصدق الوعد المقاوم
} سعادة مصطفى ارشيد*
لا زالت الحرب تزداد دموية وإجراماً من قبل الاحتلال وتزداد أيضاً انحيازاً ونفاقاً من قبل حكومات الغرب وتلك الحكومات المرتبطة بالغرب وعلى رأسها حكومات عالمنا العربي التي تمارس انحيازها، إن بالصمت عن ما يرتكبه الاحتلال من جرائم، وإن بالوساطات المسمومة والمنحازة في غير مصلحة الشعب الفلسطيني. يصل النفاق في فرنسا وذَنَب آخر من اذناب واشنطن في أميركا اللاتينية (الاكوادور) يتقدّم بطلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن لإدانة روسيا بسبب ما قيل عن قصفها مستشفى أطفال في كييف وهو ما أنكرته روسيا. ولا يتعاطى السياسي الحاكم في فرنسا مع وكالة فرانس برس الرسمية التي أوردت على صفحتها الرسمية بأن الاحتلال طلب من جميع أهالي مدينة غزة إخلاءها فوراً تحت تهديد قتلهم قصفاً بناره، أو ما أوردته الوكالة نفسها عن قصف مدرسة بالقرب من خان يونس ذهب ضحيتها 29 شهيداً معظمهم من الأطفال الذين كانوا يدحرجون ما يشبه كرة قدم صنعوها من بقايا الملابس المهترئة. حقاً لا يرى هؤلاء ما يحدث في غزة من قتل وتيتيم ودفن الأطفال الأحياء تحت أنقاض منازلهم، وأنه لم يبق في غزة إلا الدم والموت والجوع والعراء الذي يحول حتى دون بناء خيمة، ويمتدّ الأمر للضفة الغربيّة حيث يتمّ تدمير البنى التحتيّة في مدن ومخيمات وقرى شمال الضفة الغربيّة وكان آخرها ما جرى في مخيم نور شمس القريب من مدينة طولكرم الذي جعلت جرافات الاحتلال أعلاه سافله، الأمر الذي لم يحرك فرنسا أو الاكوادور او هولندا التي عرضت أن ترسل بطارية صواريخ وطائرات الى أوكرانيا لا بل حتى الشقيق العربي.
لا يذهب الفرنسي او غيره لمجلس الأمن لوضع حد لإجرام الاحتلال فيما يمارس الوسيط العربي اقصى ما لديه من ضغط بإعادة المقاومة إلى دائرة المبادرات والمفاوضات ذات الباب الدوار، تجاوباً مع رغبة الإدارة الديمقراطية في واشنطن التي تمثل بدورها عقدة المنشار في عملية إنهاء الحرب. فالمبادرات جميعها ذات منشأ أميركي ولا تريد إلا تحقيق المصالح (الإسرائيلية) وإن كانت كما تراها الإدارة الديمقراطية في واشنطن وحلفاؤها في الحياة السياسية (الإسرائيلية) وإن اختلفت مع ما تراه حكومة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو. ففي الوقت الذي يغادر فيه الوفد (الإسرائيلي) للمفاوضات إلى القاهرة ثم الى الدوحة يهاتف نتنياهو الرئيس الأميركي بايدن ليؤكد له أن الحرب ستتواصل إلى أن تحقق (إسرائيل) أهدافها المعلنة قاطعاً الطريق المليئة بالعثرات أصلاً أمام وفده الذاهب للدوحة لدرجة من المنطق ان يدعوه للعودة من منتصف الطريق.
جميع تلك المبادرات تبدأ في مسألة تبادل الأسرى. فالهدف هو أن تستردّ الحكومة (الإسرائيليّة) مَن أسرتهم المقاومة في مطلع الحرب او خلالها ثم تعود لتستمرّ في الحرب دون الخشية على مصير الأسرى وبطريقة أكثر وحشية وتدميرية قد يصل الأمر بها باللجوء إلى استعمال البوارج في البحر والمدفعية الثقيلة والطيران بأقصى قوته التدميريّة، فيما تقدّم المقاومة شروطها الخمسة: وقف شامل لإطلاق النار، انسحاب شامل من قطاع غزة، إدخال أسباب الإغاثة الطبيّة والغذائيّة وما يتعلق بالإيواء، وفتح المعابر، وأخيراً قضية الأسرى وتبييض سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين.
تدرك المقاومة أن أوراق قوّتها هي في صمودها وقدرتها على الاستمرار بالمعركة رغم الخسائر أو إمكانية نفاد ما لديها من ذخائر تستعملها في الوقت الحاضر بترشيد عالٍ وفي وحدة الساحات والمشاغلة التي تمارسها المقاومات في لبنان والعراق واليمن، وتلك مسألة أخذت بعداً إضافياً عصر أمس الأربعاء فيما أعلنه أمين عام حزب الله أن لا رأي لكامل محور المقاومة إلا ما تقبله المقاومة في غزة، وأخيراً وهذا المهم في الحاضنة الشعبية ومن حولها في غزة والتي لا زالت تحتضن المقاومة لأحد سببين: الاول يكمن في إيمان كثيرين منهم بخيار المقاومة وفشل المسارات السياسيّة التي سادت منذ عام 1993، والثاني لدى من لم يكونوا يؤمنون بخيار المقاومة وربما يكونون قد راهنوا على الخيار السياسي أو أرادوا العيش ولو بأي ثمن، إلا أن البطش (الإسرائيلي) الذي لا يفرق بين مدني وعسكري وبين رجل او امرأة، طفل أو مقاتل. فالجميع مستهدف ومطلوب قتله وبهذا لم يترك لهم الاحتلال من خيار إلا احتضان المقاومة والمراهنة عليها والسير في المعركة، وفي ملف الأسرى حيث تتحمل مسؤولية إدارة هذا الملف بعناية وحذر باعتباره ورقة ذهبية.
قرار المقاومة في يد قادتها على الأرض وتحت الأرض، في أنفاق ضيقة بالوصف الفيزيائي، ولكنها رحبة وبالغة الاتساع بالمعنى السياسي، إذ يملك مَن فيها فضاء غير متناهٍ في عملية اتخاذ القرار بعيداً عن ضغط عاصمة أو خجلاً من جميل أخرى أو مجاملة لثالثة قد تشعره بأنه ضيف ثقيل.
فوق أرض المعركة أو في الأنفاق يتخذ القرار الصائب.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.