واشنطن وفن تأليف الأخبار
على الأرض وفي الواقع لا حاجة للدلالة على حجم التراجع في موقع أميركا في كل ساحات الصراع والمواجهة. في أوكرانيا ينزف الحليف حتى الموت ويصرخ ويقول إنه في وضع سيئ، ويُجمع الخبراء عبر العالم على هذا الاستنتاج، لكن البيانات الأميركية تقول إن الوضع بألف خير، ووزير خارجية أميركا ورئيس دبلوماسيتها أنتوني بلينكن يتحدث أمام جمع من الخبراء في معهد بروكينغز فيقول إنه فرح بالنتائج التي تحققت في مواجهة روسيا وحجم الإنجازات الأوكرانية، مضيفاً أن عشرات الدول وقعت اتفاقيات رادعة لروسيا ومؤيدة لأوكرانيا بالإشارة الى مبادرة الرئيس الفرنسي قيادة حملة إرسال قوات الى اوكرانيا قبل الانتخابات التي خسرها حزبه.
في البحر الأحمر يقوم أنصار الله بإصدار بيانات موثقة عن السفن التي قاموا باستهدافها، وتأتي بيانات الشركات البريطانية المتخصّصة بالأنشطة البحرية مؤيدة لما يقولون. وفجأة يصدر بيان أميركي يتحدث عن تأمين عبور سفن ملاحقة من اليمن وعن إسقاط طائرات مسيّرة وصواريخ كانت تعيق حركة الملاحة في البحر الأحمر.
في مفاوضات غزة أمس، كل التقارير تتحدث عن فشل غير معلن بسبب تمسّك بنيامين نتنياهو بتحويل الاتفاق الى مجرد هدنة للجولة الأولى من التبادل، وتمسك فصائل المقاومة بما سبق قوله الرئيس الأميركي وأكده مجلس الأمن الدولي وجدد تأكيده جميع الوسطاء، لجهة أن التفاوض يدور حول إنهاء الحرب وليس حول هدنة مؤقتة، ثم يخرج جون كيربي الناطق بلسان مجلس الأمن القومي الأميركي يقول إن التفاوض يُحرز تقدماً وإن الطرفين وافقا على الإطار وباقي الاتفاق على التفاصيل، لكن واشنطن لا تريد التسرّع بالإعلان عن إنجاز الاتفاق.
يبدو أن كتّاب البيانات الأميركية في الخارجية والدفاع والأمن القومي قد تخرّجوا من مدرسة واحدة، تعلموا خلالها أن يسألوا رئيسهم المباشر ماذا يحب أن يسمع، وبعد أن يقول لهم رغبته يكتبون بياناً على مقاسها، فيما الواقع قد يكون بعكس ما كتبوا. والمهم أنهم ليسوا من الصنف الذي يرفّ له جفن إذا حدث ذلك، فعيونهم من زجاج أو عيون سمك، ومَن يشعر بالحرج يجب ان يكون من الذين يخجلون إذا كذبوا أو على الأقل اكتشفت كذباتهم، لكن هؤلاء يتباهون بإتقان حرفة مواصلة الكذب بعد انكشاف الكذبة الألف.
التعليق السياسي