أخيرة

احتفاليات الانتصار المؤجّلة

لن تعدم الأوليغارشية الغربية وربيبتها الصهيونية العالمية وسيلة لمحاولة تحويل انتصاراتنا في ساحات القتال الى هزائم على مستوى السياسة، فالفلسفة التي ينتهجها هؤلاء تقول لنا بالفم الملآن، إن ليس مهماً أن تحققوا الانتصار في سوح القتال، المهمّ ان تحوّلوا هذا الانتصار الى مكاسب سياسية، وهذا ما لن نمكّنكم من تحقيقه…
في حرب رمضان، كان الموقف بعد وقف إطلاق النار في أسوأ حالاته تعادلاً، وفي أفضل حالاته انتصاراً عسكرياً بائناً، فـ خط بارليف الذي اعتبروه الأفضل في التاريخ، بل هو كما قالوا أفضل حتى من خط ماجينو، قد تمّ تحطيمه في سويعات، وانطلقت القوات المصرية إلى عمق سيناء حتى الممرات. والقوات السورية اندفعت في عمق الجولان بعدما دفعت بالقوات الإسرائيلية تراجعاً الى مواقع جديدة وجعلتها تتكبّد خسائر فادحة، ولكن، وبوجود قيادات مسبقة الاستعداد من الناحية السيكولوجية لتقديم التنازلات، والتي تطورت لاحقاً الى انبطاحة عظمى في اتفاقية كامب ديفيد، تحوّل الانتصار إلى هزيمة من الطراز الرفيع، وقس على ذلك وادي عربة، وأوسلو، والتي أطاحت بكلّ نضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني وعلى مدى عقود وأحالتها هباءً منثوراً وهزيمة نعاني منها حتى الآن…
لكن من الناحية الأخرى، وحينما تواجد في سدة القيادة، قيادات صلبة لا يمكن كسر إرادتها أو حرفها عن طريق التحدي والمقاومة كانت النتائج السياسية بعد حرب تموز 2006 متوازنةً ومتطابقة مع الانتصار العظيم، تماماً كما تحطمت كلّ المؤامرات في ما بعد الصمود الأسطوري السوري في عشرية الربيع العربي، وتناثرت رغم استمرار المحاولات الدؤوبة لتفريغ النصر السوري العظيم من محتواه، وتحويله الى هزيمة سياسية من خلال الضغوط الاقتصادية والنقدية والمعيشية، وغير ذلك من صنوف الحرب الناعمة.
حذار، حذار أيها السادة من مقدرة هذا العدو ومن لفّ لفيفه على تحويل انتصاراتنا الى هزائم حينما ينتقل الصراع الى طاولة المفاوضات، من خلال فائض القوة الذي يتمتعون به في الاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا، فائض القوة هذا والذي راكمه الغرب حينما، وعلى مدى قرون، وقف العالم القديم متفرّجاً وهو يشاهد بأمّ عينه الوحش الأنجلوساكسوني يستولي على القارات البعيدة، واحدة تلو الأخرى، ويبيد سكانها الأصليين، ويفرض سيطرته على الأرض، ليصبح 7% فقط من سكان الأرض، يستحوذون على 40% من اليابسة، ويقومون، عينك عينك، بالإخلال بالتوزيع العادل للثروات الكامنة والمرئية في الأرض!
لقد كان ذلك بمثابة خطيئة استراتيجية كبرى من قبل العالم القديم، وتفريطاً لا يُغتفر بالأمن القومي لقاطني هذا العالم القديم، لا زلنا ندفع ثمنه من دمائنا حتى الآن، ولا يمكن استعادة ذلك التوازن الى هذه الأرض، ورفع كلّ ذلك التغوّل إلّا من خلال القوة الماحقة.
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى