استراتيجية المقاومة والإجرام الصهيوني
أحمد عويدات
إنّ أيّ متابع لمجريات الحرب المتواصلة في شهرها العاشر في غزة، يجد أنّ هناك تزايداً في عمليات المقاومة كمّاً ونوعاً، وتأخذ أشكالاً وتكتيكاتٍ مختلفة. وأنّ المقارنة بين ما كانت عليه في بداية الحرب تختلف عنها في هذه الآونة. وفي المقابل تزداد جرائم ومجازر جيش الإحتلال طرداً مع هذه العمليات، وهذا ما شهدته مراكز إيواء النازحين في الآونة الأخيرة. إنّ أبرز ما يميّز هذه الاستراتيجية هو:
1 ـ وجود مواجهات دفاعية ضدّ القوات المتوغلة في المناطق التي عادت إليها وخاصةً في الشجاعية وحي تل الهوى والصبرا، وسرعان ما تنتقل إلى استدراج قوات العدو إلى منطقة استهدافها.
2 ـ استخدام تكتيك حرب العصابات الذي يعتمد على مجموعات صغيرة تقوم بشنّ هجماتٍ مباغتة على العدو، أو توقعه في كمينٍ محكمٍ يستهدف أفراده وآلياته؛ ذلك لأنّ المقاومة تخوض معركةً غير متكافئة من حيث العدة والعتاد، وقوة النيران، وحجم القوات المهاجمة، واستخدام الأحزمة النارية الكثيفة براً وجواً. إنّ هذا التكتيك الذي كان الأبرز والأوسع استخداماً في حروب الحركات الثورية سواءً في فيتنام وكوبا أو في الحرب الشعبية في الصين والجزائر؛ من شأنه أن يربك القوات الغازية ويضاعف من خسائرها، وفي المقابل يقلل من خسائر المقاومة، ويبقيها في دائرة المبادرة والامساك بزمام الميدان، كما يجنّبها تبعات اختلال موازين القوى بينها وبين العدو.
3 ـ قدرة المقاومة على استثمار نقاط القوة التي لديها أمام القدرات الهائلة التي يمتلكها جيش الاحتلال وهي:
ـ امتلاكها لشبكة أنفاقٍ متشعّبة غير متوازية تمتدّ إلى كافة المناطق مما يُمكِّن المقاتلين من الاتصال والتواصل وتوظيفها بالشكل الأمثل في عمليات الدفاع والهجوم.
ـ وجود عملية رصد ومراقبة واستطلاع لقوات العدو وتحركاتها، يتبعها تخطيط دقيق يعتمد على الإمكانات المتوفرة لوجستياً.
ـ توفر غرفة قيادة وسيطرة متطورة تستخدم وسائل وأجهزة التكنولوجيا الحديثة.
ـ الاستفادة من طبيعة الأرض المتاحة، خاصةً تلك المباني المدمرة جزئياً، ويدخل في هذا الإطار معرفة المقاومين الجيدة لطبيعة المكان وتفاصيله من مداخل ومخارج وشوارع وأزقة ومرافق مختلفة.
ـ المعرفة المسبقة بأساليب قتال العدو،وكيفية تحركه وطبيعة تشكيلاته وتنظيمه.
4 ـ قدرة المقاومة اعتماداً على ما سبق في استدراج قوات العدو في ظروفٍ بالغة التعقيد إلى منطقة الكمين أو نقطة الاستهداف، ثم الانقاض عليها.
5 ـ اعتماد رجال المقاومة على عمليات التمويه والإخفاء المختلفة، وبالتالي قدرتهم على المناورة والتقدم والانسحاب ومفاجأة العدو.
6 ـ إرباك قوات الاحتلال بفتح جبهات ومحاور جديدة لتشتيتها وإضعاف روحها المعنوية من خلال تفنيد مزاعم قادتها بتفكيك كتائب المقاومة وتدمير قدراتها.
7 ـ العودة إلى المناطق التي انسحب منها الجيش الغازي؛ لتأكيد قوة حضور المقاومة وفضح كذب قادته بتحقيق إنجازات تكتيكية بتدمير وسحق البنى التحتية لفصائل المقاومة.
من جانب آخر، إنّ نجاح هذه الاستراتيجية يعود إلى عدة عوامل منها:
ـ امتلاك الروح القتالية والجرأة والتضحية والفداء، والإيمان بالله وعدالة القضية، والوفاء لدماء الشهداء.
ـ وجود تنسيق وتخطيط عالٍ بين جميع فصائل المقاومة، وتجسيد الوحدة الوطنية على الأرض، من خلال غرفة عمليات مشتركة، وتوزيع المهام والأدوار.
ـ الاعتماد على التسلسل الخيطي أو العنقودي في التواصل والتشكيل التنظيمي، والابتعاد عن هرمية التشكيل، وتبني اللامركزية في العمل العسكري المقاوم.
ـ توظيف تكتيكات الحرب النفسية من خلال بث الفيديوات والصور التي توثق عمليات المقاومة ضدّ آلياته وأفراده، وكذلك الحرب الإعلامية في ما يتعلق بالبيانات العسكرية، وأوضاع أسرى العدو وسلوك رجال المقاومة حيالهم، وفضح وتعرية جرائمه أمام الرأي العام العالمي.
ـ الخطاب المتًزن الموجّه لدول وحكومات وشعوب العالم والمنظمات والهيئات الدولية لتكذيب السردية الإسرائيلية، وزيادة عزلة دولة الكيان، وكسب المزيد من الدعم والتأييد للرواية الفلسطينية.
في نهاية المطاف، إنّ دخول المقاومة الشهر العاشر من الحرب النازية ضدّ الشعب الفلسطيني، وهي بهذه القوة والصلابة والصمود؛ إنما يؤكد إصرارها على كسر هيبة جيش الاحتلال المتغطرس وقادته النرجسيين وهزيمتهم ومنعهم من تحقيق أهدافهم. كما يؤكد أنّ جرائم الإبادة الجماعية الممنهجة لن تنال من عزيمة أهل غزة وصمودهم، بل ستزيد من عزلة الكيان وافتضاح دور شركائه وداعميه وصمت العالم المريب.
[email protected]