أولى

اطلبوا المصالحة… ولو في الصين

‬ سعادة مصطفى أرشيد*

يخوض الشعب الفلسطيني في غزة ومعه الأمة جمعاء أطول المعارك وأكثرها ضراوة في تاريخ الصراع مع المشروع المعادي، فيما يمارس جيش الاحتلال أقسى وأعنف ما لديه من قدرة على القتل والدمار مدعوماً بالغرب وحلفاء الغرب من عرب وغير عرب. وفي حين تُزهق الأرواح وتتناثر الأشلاء الغزية، لا يجد أهل غزة من أبناء دينهم وجلدتهم الرسميين في الحلف الغربي، إلا مواقف تتراوح بين الصمت حيناً وبيانات الاستنكار النمطية أحياناً، فيما تذهب رسائلهم (للإسرائيلي) تطالبه بإنهاء المعركة والسرعة في سحق المقاومة بسرعة أكثر درءاً لإحراجهم أمام شعوبهم.
تذهب بديهيات العمل السياسي والوطني للقول إن معركة بهذا الحجم وهذا الصمود من جانبنا، وذلك الإجرام من جانب العدو تستدعي قدراً عالياً من وحدة الموقف وضرورة تجاوز الخلافات بين القوى السياسية الفلسطينية، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولكن الذي حصل هو العكس تماماً حتى الآن، فلا زالت الأصوات النشاز والتصريحات المسمومة من الداخل الفلسطيني تطعن في المقاومة وتعتبرها غير مسؤولة، وأن لا حق لها في فتح معركة مع الاحتلال والذي هو حقّ حصريّ للقيادة التي تفاوض الاحتلال وتنسق معه على كل الأصعدة، وتدّعي الأسف على الضحايا وتتهم المقاومة في التسبّب بما حصل لها من قتل وتهجير وتجويع وتبرئ الاحتلال وهي تصريحات يجمعها (الإسرائيلي) السياسي والقانوني على حد سواء لاستخدامها كشهادات في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات لدعم موقف الاحتلال وتبرئته، على قاعدة وشهد شاهد من أهله. وفي لقاء للناطق باسم الجيش (الإسرائيلي) مساء الثلاثاء الماضي على القناة الثالثة عشرة قال إن مسؤولين فلسطينيين يؤيدون روايتنا ويتهمون المقاومة بأنها تستخدم المدنيين في غزة دروعاً بشرية.
منذ عام 2007 تاريخ الانشقاق المشؤوم تشكلت إدارتان في كل من غزة والضفة الغربية، رفعت الأولى شعار المقاومة والصمود ومراكمة القوة وتحالفت مع محور المقاومة – باستثناء مرحلة بدايات الربيع العربي، وقد تسبّب ذلك المشروع المقاوم في إفقار أهل غزة وإرهاقهم وفي خلق أوضاع صعبة لهم، فيما رفعت الثانية شعار التفاوض والمسالمة والتنسيق مع الاحتلال باعتباره الطريق الوحيدة للحصول على شيء من الحقوق. وكانت النتيجة أكثر بؤساً. فالاحتلال في غير واردها ويقوم بإحراجها وإذلالها ويستبيح الضفة الغربية وهو ماضٍ في تهويد القدس والتوسع الاستيطاني ومصادرة أموال المقاصة، وانتهى الأمر بها أن فقدت قدرتها على دفع رواتب الموظفين وعلى إدارة الخدمات الصحية والاجتماعية والمدنية وأصبح عملها ينصبّ على الطلب من الشريك (الإسرائيلي) منح مزيد من تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين للعمل في المشاريع والصناعة (الإسرائيلية).
لم تتوقف مشاريع المصالحة بين الفريقين إلا لتبدأ من جديد من فشل إلى فشل ومن اتفاق لا يصل إلى نهايته الى الشروع في اتفاق تفاوضي جديد سواء في الداخل أم عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة مثل مؤتمرات الفيديو وسكايب أو في عواصم العالم من بيروت الى أنقرة ومن الدوحة للقاهرة ومن موسكو الى بكين وغير ذلك من العواصم.
في شباط الماضي بذلت موسكو جهودها لعقد مصالحة على قاعدة تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة وانتهت هذه المبادرة بالفشل. أما في نيسان فقد أعلنت الخارجية الصينية عن نجاحها في ترتيب لقاء فلسطيني – فلسطيني يسعى لتحقيق مصالحة وطنية تتزايد الحاجة إليها في هذا الظرف الدقيق. وحسب الخارجية الصينية إن لقاء أولياً عقد بين طرفي الانقسام اللذين أبديا رغبة للدفع باتجاه المصالحة وانتهى بمؤشرة إيجابية على أن يستكمل في حزيران وبحضور واسع لفصائل العمل الفلسطيني ولفيف من الشخصيات المستقلة، لكن هذا الاجتماع أرجئ من قبل السلطة الفلسطينية بحجة استكمال المشاورات ومبرّرات واهية أخرى. وتبادل الطرفان الاتهامات وحمّل كل منهما الطرف الآخر المسؤولية.
يتم الترتيب هذه الأيام الى لقاء فلسطيني موسع في بكين في 21- 22 من الشهر الحالي لترتيب البيت الفلسطيني. وهذا اللقاء إن حصل فلن يكون له حظ في النجاح إلا كسابقه، المشكلة هي أن التزامات كثيرة قد أصبحت مفروضة على الطرف الفلسطيني الرسمي الذي وضع كامل أوراقه في خيار التفاوض وفي سلة المحور الأميركي – الإبراهيمي وقد أصبحت أقوى وأهم من الالتزامات بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني أو بما يمكن اعتباره العقد الاجتماعي – السياسي الذي يربط بين منظمة التحرير وقيادتها مع الشعب الفلسطيني، وكل ذلك في مسلسل بدأ قديماً بحمل شعار القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ولكن استقلاله كان فقط عن الارتباط بأمته وبالالتزام القومي. وفي المقابل لن يكون لدى الفريق الفلسطيني الآخر لا الرغبة ولا القدرة على التخلي عن ما حققته المعركة من نقاط قوة أو في التنازل عما قدمته غزة من تضحيات فاقت الخيال.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى