مقالات وآراء

مكتب الارتباط لحلف شمال الأطلسي في الأردن: تعاون أم انزراع في المنطقة؟

يوسف صادق

افتتح حلف شمال الأطلسي منذ أيام مكتب ارتباط له في العاصمة الأردنية عمّان وهو الأول في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا. قد تكون هذه الخطوة تتويجاً لعلاقات ثنائية طويلة بين الحلف والمملكة الهاشمية بدأت منذ ثلاثة عقود خصوصاً عبر مبادرة الحوار المتوسطي التي أنشاها الحلف في العام 1994، وذلك بغية تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. يقوم الحوار المتوسطي على ركيزتين وهما الحوار السياسي من جهة والتنسيق العملي من جهة ثانية. يضمّ هذا الحوار سبع دول غير أعضاء في الحلف، وهي: الجزائر، مصر، الأردن، موريتانيا المغرب وأخيراً تونس، كما يعتمد هذا الحوار على ستة مبادئ أساسية وهي: عدم التمييز، التمايز الذاتي، الالتزام المتبادل، عدم فرض الآراء، حق الاختلاف، التنوع والتكامل.
يهدف هذا الاتفاق إلى تمتين الحوار السياسي والتنسيق العملي في ما يخدم المصالح المشتركة بين الطرفين بما في ذلك التحليل الإستراتيجي، التخطيط المدني للطوارئ، الدبلوماسية العامة الأمن السيبراني والتحوّل المناخي. يستفيد الأردن من هذا التعاون في تلقي الجيش الأردني التدريب العسكري المتطوّر الذي يتمتع به الحلف أساساً وخصوصا في الأمور المتعلقة بمكافحة الإرهاب، كما سيستفيد الجيش الأردني من الخبرات والدعم اللوجستي والآليات المخصصة للتدريب والتي يبقى قسم كبير منها في البقع المخصصة للتدريب بحيث تبقى في عهدته كمنح.
فمنذ أن انضمّ إلى الحوار المتوسطي، كان الأردن حليفاً مقرّباً من حلف شمال الأطلسي. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ المحادثات التي جرت في بروكسيل في العام 2021، قد ركزت على الشراكة بين الأردن والحلف؛ فقد أكد وقتها أمين عام الحلف جنس ستولتنبرغ أنّ الأردن هو شريك مهمّ وقريب جداً، وأنّ الحلف يقدّم الدعم للأردن والمساعدة على تحسين أمن الحدود ومواجهة الخطر الذي تشكله العبوات الناسفة غير النظامية. وشدّد ستولتنبرغ أيضاً على أهمية العمل المشترك بين حلفاء حلف شمال الأطلسي والأردن على الجهد العالمي في مجال مكافحة الإرهاب الدولي. وشملت أيضاً المحادثات بين الملك عبد الله الثاني، العاهل الاردني، والسيد ستولتنبرغ السبل الآيلة إلى تعزيز العلاقات بين الأردن والحلف والتطورات الإقليمية الأمني بما في ذلك العراق وأفغانستان.
نعم، سيستفيد الأردن حتماً من كلّ ذلك إنما تطرح أسئلة جوهرية: لماذا الأردن الآن؟ من المستفيد الأبرز؟ هل من خلفيات مستورة لافتتاح مكتب الارتباط هذا؟
قبل محاولة الإجابة على هذه الاسئلة – التساؤلات، تجدر الإشارة إلى أنّ المراقبين والمحللين يرون أنّ خطوة افتتاح مكتب الارتباط في العاصمة الأردنية لا يحدث تحوّلاً دراماتيكياً في الأمور، اذ أنّ الحلف يعتمد على الحلفاء والأعضاء في ما خصّ إنشاء قواعده، وأنّ هناك قواعد عسكرية فرنسية، ألمانية وأخرى أميركية تحقق الإفادة من التعاون مع المملكة الهاشمية.
وعليه، تأخذ هذه الأسئلة مداها، وتتعدّد الإجابات. لكن يبقى الاستنباط والاستقراء سيدَي الموقف قبل جلاء الحقائق مع مرور الزمن.
لماذا الأردن الآن؟ إذا ألقينا نظرة سريعة على الخريطة لوجدنا أنّ جيران الأردن موزعون على الشكل التالي: تحده من الشمال الجمهورية العربية السورية بحدود يبلغ طولها 375 كم، ومن الشرق والجنوب يتشارك الأردن مع المملكة العربية السعودية حدوداً بطول 744 كم، وتقع الجمهورية العراقية إلى شرقه على حدود ممتدة على طول 181 كم، بينما تحدّه من الغرب الضفة الغربية وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية بحدود 97 كم، وباقي فلسطين المحتلة بحدود 238 كم، أيّ ما يعادل 335 كلم مع فلسطين المحتلة ككلّ. يتواجد الأردن جغرافياً على صفيح ساخن جداً منذ السابع من تشرين الأول الماضي وبدء معركة طوفان الأقصى ويضمّ فلسطين المحتلة وسورية. تكمن أهمية الموضوع في أنّ الضفة الغربية بدأت تتحرك وانّ الجليل، الذي يشهد يومياً عمليات قصف على مواقع العدو، هو على تخوم الأردن وترتبط مرتفعاته مع منطقة جبل عامل اللبنانية وفيه مثلاً قاعدة ميرون الخاصة بعمليات المراقبة الجوية الشمالية الرئيسية في القوات الجوية الإسرائيلية، وفي حرمها أيضاً مركز لعمليات التشويش وتغطي هذه القاعدة سورية ولبنان وتركيا وشمال الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وقد أعلنت المقاومة اللبنانية منذ أيام تدمير أجزاء منها. أما الجولان السوري فهو بات مقراً للمقاومة السورية التي ولو لم يقس عودها حتى الآن، فإنها نوعاً ما نشطة.
يُستنتج عندئذ انّ حلف شمال الأطلسي يريد ان يكون ويراقب عن كثب ما يجري في المنطق وبما أنّ علاقته مع الأردن أكثر من ممتازة، فهو سيستفيد حتماً منها.
اما للإجابة عن السؤال المتعلق بالجهة المستفيدة فإنّ الإجابة تفرض نفسها بالطبع: يشكل حلف شمال الأطلسي قوة دولية ضخمة جداً بشقين عسكري وسياسي. وإذا أرسى الحلف موطئ قدم فقد تستفيد الولايات المتحدة وفرنسا بشكل كبير من ذلك لأنّ نفوذهما بدأ يتآكل في هذه المنطق بالذات بعد السقطات التي مُنيا بها. يعدّ موطئ القدم ذلك نقطة استراتيجية إذ سيعمل مكتب الارتباط هذا على جمع المعلومات بشكل أسهل من ان تنشر الدول أساطيلها وقواتها وقد يعمل المكتب على تأطير الجهود في سبيل اتخاذ الحلف ككلّ تدابير معينة على مستوى دوله المهتمة بالشأن الإقليمي. أما المستفيد الثاني الذي سيكون ربما المستفيد الأبرز هو العدو بحكم ارتباطه الوثيق بالدول الأساسية في الحلف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا وألمانيا؛ فمكتب الاتصال او الارتباط هذا قد لا يكون تقنياً صرفاً إنما قد يتعدّى هذا الشقّ ليضمّ الجانب السياسي والأمني الذي سيصبّ حتماً في مصلحة الدولة العبرية، علماً أنها والأردن أقاما “سلاماً” بينهما بموجب ما عُرف بمعاهدة وادي عربة بتاريخ 26 تشرين الأول 1994، بحيث جرى التطبيع الكامل بين الدولتين من فتح سفارات وتبادل سفراء إلخ…
وعلى صعيد آخر يذهب بعض المراقبين إلى الهمس أنّ الاردن يتوجّس شراً من شارعه وهو يشعر بالقلق إنْ حصل وتفلتت الأمور من عقالها وأصبح النظام على المحكّ. لذا، يرى بعين الرضا مكتب الارتباط هذا الذي يشعره بالأمان، وذلك دائماً على حدّ زعم هؤلاء المراقبين والمحللين. ليس من السهل تبنّي هذه النظرية ولكنها تقع ضمن التحليلات التي أطلقت والتي لا مفرّ من ذكرها في هذا الصدد.
أخيراً هل من خلفيات نجهلها لافتتاح مكتب الارتباط؟ ليس من اليسير الإحاطة بالجوانب العديدة لهذه المسألة. حتى الآن، وبالرغم من كثرة التحليلات والاستنتاجات، لم يبن الصالح من الطالح والعبرة عند بدء هذا المكتب بالعمل، والإنطباع الذي سيعرب عنه الأفرقاء كافة وعلى رأسها كيان العدو وسورية والأردن وطبعاً الولايات المتحدة الأميركية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى