ثقافة وفنون

ندوة عن سليم حيدر في المكتبة الوطنية برعاية المرتضى

رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ممثلاً بالكاتب والإعلامي روني الفا الندوة الفكرية بعنوان «سليم حيدر الدولة والنظام» في المكتبة الوطنية – الصنائع بدعوة من وزارة الثقافة، وبحضور النواب حسن مراد، غازي زعيتر، ميشال موسى، نائب سفير الجمهورية الإسلامية الايرانية توفيق صمدي وحشد من الفاعليات السياسية والقضائية والديبلوماسية والروحية والأدبية والاجتماعية.
وكانت كلمات لكل من الوزير المرتضى، مفتي بعلبك – الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، الدكتور أنطوان مسرة، الدكتور حسن حمادة، النائب السابق ناصر قنديل وحيان سليم حيدر.
أدار الندوة الكاتب والإعلامي روني الفا الذي ألقى كلمة الوزير المرتضى ومما جاء فيها: “سليم حيدر والنظام اللبناني. مقاربةُ قضية النظام اللبناني في فكر سليم حيدر، أو أيِّ فكرٍ سياسيٍّ آخر، يقتضيها طرحُ أسئلةٍ كثيرة تتوالدُ علاماتُ استفهامِها بلا انقطاع. لكن أول الأسئلة وأهمَّها ينبعُ من وجوب تحديد معنى المصطلح: ماذا نقصدُ بكلمةِ “نظام”، كي لا نقع في محذور الضبابية والتنابذ بالمعاني الفضفاضة المتضاربة في أكثر الأحيان، كما يحصل معنا نحن اللبنانيين في مفرداتِنا الوطنية العليا، كالسيادة والاستقلال والعيش الواحد والمقاومة والحرية، وسوى ذلك من كلماتٍ يعسرُ أن نجدَ معيارًا واحدًا نلجأ إليه لتحديد معانيها السامية. ذلك أن بعضًا منا يفهم النظام على أنه الشكل الدستوري للدولة الذي على أساسه يتم توزيع سلطاتِها المركزية والمحلية. وبعضًا يفهم اللفظةَ على أنها السلطة بذاتِها يمارسُها القيمون على المواطنين، وآخَرينَ، ونحن منهم، ينظرون إلى النظام باعتباره الأساس الفكريَّ الذي عليه تقوم طبيعة العيش بين الجماعة اللبنانية، أو الجماعات إذا شئتم، تحقيقًا لمصالحِها الوطنية المشتركة، التي تنعكسُ في المحصلة، وبالضرورة، مصلحةً لكل فرد”.
أضاف: «هذا المعنى الأخير للنظام، هو الذي أحبُّ أن أتناولَه تناولًا سريعًا في هذه المداخلة، ليقيني أنه يتلاقى مع نظرة سليم حيدر إلى طبيعة النظام اللبناني، كيف ينبغي لها أن تكون. فهذا الوطن الذي شُيِّدَ كيانُه الحاليُّ بجغرافيتِه المعروفة، يرقى بتاريخه إلى قرون سحيقة، لكنَّ مشكلةَ حاضرِه أن أغلبيةَ أبنائه ما زالوا مقيمين في المتخيَّلِ التاريخيّ بإيجابياتِه وسلبياته على الأفراد والمجموعات، وهو تاريخٌ يحتملُ بطبيعتِه اختلافًا في القراءات، بحسبِ الحبر الذي كُتِبَ به. وإذا كانت مقتضيات الانتماء تفرضُ التعلق بالماضي كأساس للهوية، فإنما لا يجوز أن يصبح ما مضى سيد الحاضر والمستقبل، خصوصًا إذا استُثيرت في الذاكرة الفردية والجَمعية، أزماتُه ومشاكلُه الغابرة، ولو دمويةً، وأُسقِطت على معطياتِ هذا الزمان. المشكلةُ الفكرية التي تخترمُ نظامَنا الوطني تكمن إذن في هذا السؤال: كيف نحافظ على الماضي كأساس للهويات الخاصة، ونجعلُه جسرًا إلى مستقبل الهُوية الوطنية الجامعة؟ ولعلَّ الجوابَ البدَهيَّ على هذا السؤال هو حِفظُ التنوع. وأن يكون العيشُ المشترك في لبنان شاهدًا على الوحدةِ من ضمن التعدد، وأن يكون نطاقًا للحريات العامة وعلى رأسِها حريتا المعتقَدِ والتعبير».

الرفاعي
بدوره قال مفتي بعلبك – الهرمل الشيخ بكر الرفاعي: «لا تستطيع عجالة ان تستبعد طروحات سليم حيدر القانونية، كنت أظنّ أني أعرفه، أديباً دبلوماسياً سياسياً مشرعاً، لكن تبين أنه اكثر من ذلك كله، مما يقوله: معطيات الواقع، أننا لا نزال قبائل وطوائف ومناطق، الهدف البعيد أن نصبح شعباً ووطناً ودولة، لا خلاف على الواقع ولا على الهدف، الخلاف على الوسائل، خمسة مبادئ لا بدَّ من اعتناقها لأنها ركائز البناء، أولاً إلغاء الطائفية السياسية، ثانياً فصل الوزارة عن النيابة ثالثاً إنشاء محكمة عليا تنظر في دستورية القوانين، رابعاً اعتماد الاستفتاء الشعبي في القضايا الكبرى، خامساً إنزال سن الرشد الانتخابي الى الثامنة عشرة».
أضاف: «كان داعية تطوير ولم ينتم الى حزب وكان يؤمن بفصل السلطات، قدم التشريع الذي أعطى المرأة اللبنانية الحق في الترشيح والانتخاب مساواة بالرجل، كما أعدّ واقترح قانون الإثراء غير المشروع وكان من اوائل الذين قاموا بالتصريح عن امواله المنقولة وغير المنقولة، وقّع مرسوم قيام الجامعة اللبنانية، ثمّ على إثر الاعتداءات المتكررة للعدو تقدم في عام ١٩٧٠ بمشروع خاص في الجنوب بتأمين مقومات الصمود حيث إن العدو الدائم والخطر المحدق بلبنان هو العدو الإسرائيلي وحده دون سواه، كانت له رؤية مغايرة لما هو سائد رسمياً في الحقل الدبلوماسي الآن هناك خلاف ان نتجه شرقاً أن نتجه غرباً».

مسرّة
وتطرّق الدكتور أنطوان مسرة الى سليم حيدر «الفكر الموسوعة والرؤيا الثقافية والتربوية التطبيقية والمستقبلية للبنان». وقال: «لا أتكلم عن مزايا وعلم ورُقي مواقع سليم حيدر. الأمجاد البشرية زائلة. ما يهم وما يبقى ليس التباهي والثقافة وتعظيم أنانيّة الذات، بل العطاء للوطن والمجتمع وللمستقبل، مستعرضاً مسيرته ورؤيته الصائبة في الحياة لا سيما التربوية منها».

حمادة
ورأى الدكتور حسن حمادة أن «قراءة نصوص سليم حيدر، كما السياسية، كما الفلسفية، كما القانونية، كما الأدبية والنشرية والمسرحية، نكتشف أنها تفضح خبث النظام، خبثاً مستقراً في عمق الأفخاخ المنصوبة خلف ستائر الإصلاح المزعوم، ومهمتها تعميق الطائفية والمذهبية، يا للمفارقة. بمعنى أننا أمام حرص دائم على حماية الطائفية السياسية، لضمان استمراريتها، أياً تكن تداعياتها الكارثية على المصير اللبناني. المثال الأبرز عن ذلك هو هذا التلاعب المتواصل، المستدام، بالقانون الانتخابيّ بقصد المزيد من الغرق في وحول الأزمات الطائفية والمذهبية الولادة دوماً لقلاقل حروب، ما يطرح غابة من علامات الاستفهام حول النوايا الحقيقية للنظام تجاه الدولة».
وقال: «يقول سليم حيدر إن الطائفية السياسية أكدنا عليها وأبقيناها. والطامة الكبرى أن يأتي قانون الانتخاب الجديد بدوائر طائفية محضة، أي بقنابل موقوتة لانفجار جديد». كأنّ سليم حيدر يتحدث عن القانون الحالي المعمول به. لقد مضى على قول سليم حيدر عشرات السنين، يوم لم يكن أحد قد سمع بعد بشيء اسمه «القانون الأرثوذكسي»، والأرثوذكسية، طبعاً، براء من قانون كهذا يمزق ما تبقى من النسيج الأهلي، الإنساني، اللبناني. لا أقول «النسيج الاجتماعي»، أبداً، لأن الطائفية – المذهبية سبق أن أسقطتنا، منذ الولادة السرية للميثاق اللعين، إلى ما دون التشكل الاجتماعي، فسقطنا من دائرة القوة إلى دائرة الضعف والجهل، لأن المجتمع معرفة والمعرفة قوة. ويتمّ ذلك دوماً تحت عنوان الإصلاح، وأي إصلاح ذاك الذي يحدث دائماً تحت سقف الفساد، مع الحرص الدائم والكامل على عدم المسّ بقدسية الفساد».

حيدر
وكانت كلمة حيّان سليم حيدر قال فيها: «كثيرٌ هو ما قد يقال عن سليم حيدر الدولة والنظام، لكنّي سأكتفي بما ورد في وصف الأستاذ إدمون رزق في تقديمه لديوان «لبنان» حين قال: «لعلّ سليم حيدر، المتعدّد الصفة واللقب، هو الشاعر اللبناني الأكثر تعبيرًا عن المعاناة الوطنية. هكذا، كان سليم حيدر مبدئيًّا وعمليًّا في آن، رجل الثورة كما تقرأه في بعض قصائده».
وختم: «أصدق الشكر للحضور الكريم المميّز، والشكر للإعلاميين المتابعين بمسؤولية، وشكر خاص جدًّا لأركان وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية على تسهيل هذه المناسبة وإنجاحها، أمّا المداخلات فقد حلّقت بسعة الإطلاع وشمول الثقافة، ومستوى التحليل وأناقة التعبير في اللغة، والأدب والعروض والفقه وعلم الكلام والفلسفة».

 

 

مداخلة رئيس تحرير البناء ناصر قنديلخلال الندوة عن سليم حيدر

 

«سليم حيدر هذه الشخصيّة الخلوقة العصاميّة الموسوعيّة شعراً وفلسفة وعلماً وتشريعاً وقضاء وسياسة وإدارة ودبلوماسيّة، وله في كل منها باع طويل يكفي ليجعله رمزاً من رموز النهضة اللبنانية المعاصرة، ويكفي لنقول إنه من قلة نادرة من هذه العقول الملهمة التي تركت بصمات نافرة في تاريخنا ولم تنل حقها من المعرفة والعرفان. وبمثل ما أنا فرح بهذا التكليف والتشريف معاً، التكليف بالتعرّف عن كثب والتشريف بمقاربة كاتب بماء الذهب، أعترف أمامكم بأني حزين لأنني اكتشفت داء خطيراً لم أستطع بعد امتلاك الجواب على طرق علاجه، فقد تبين لي من مقاربة سيرة وكتابات الفيلسوف سليم حيدر التي تقع تحت عنوان موضوع اللقاء اليوم، وهو سليم حيدر الدولة والنظام، أننا منذ ما تركه لنا سليم حيدر لم نتقدّم خطوة واحدة في تشخيص العلة والتعرّف على أعراض المعلول وتحديد الدواء الناجع، وقد وضع سليم حيدر يده عليها جميعاً بأفضل مما فعل كل الذين جاؤوا من بعده، حتى صار السؤال أشدّ تعقيداً من اكتشاف المرض العضال والعلاج، يدور حول سر المراوحة التاريخيّة في المنطقة المأزومة ذاتها منذ سبعين عاماً».
أضاف: «أتوجّه بالتحية للدكتور همذان سليمان صاحب كتاب سليم حيدر حياته وشعره على تقديمه المادة الغنية التي أتاحت لنا التعرّف الموثق على ما تركه لنا سليم حيدر، وهو يستعيد في مقدّمة كتابه كلام الشيخ عبد الله العلايلي في سليم حيدر وقوله، إنه شاعر الأفق الفلسفي الذي حاول المعري أن يكونه فوقف دونه، وتعقيب الدكتور كمال يوسف الحاج على كلام العلايلي بقوله، نحن مع العلايلي فالمعرّي شاعر كبير وفيلسوف كبير، لكنه لم يستطع كما استطاع حيدر أن يكون الشاعر الفيلسوف، ولما نقرأ هذا نزداد شوقاً لنبحر مع سليم حيدر في محيطات ومضائق الشعر والفلسفة، لكن العنوان يضبطنا، ونعود أدراجنا إلى البحث في الدولة والنظام».
وتابع: «نعود إلى بعض السيرة في تاريخ هذا الرجل يوم عُيّن وزيراً في حكومة رباعية في أول عهد الرئيس كميل شمعون ترأسها الأستاذ خالد شهاب، وهي حكومة نالت صلاحيات تشريعية استثنائية وأصدرت العديد من القوانين بمراسيم، منها مرسوم تأسيس الجامعة اللبنانية الذي وقعه وزير التربية فيها سليم حيدر عام 1953 بعدما كانت مجرد دار معلمين.
يخاطب الرئيس شمعون سليم حيدر قائلاً، الحق أن تعيينك وزيراً في الدولة وعلى الأخص وزيراً للتربية الوطنية كان أمراً واقعاً ولكنه لم يصدر عني وحدي، بل فرضه عليّ الشعب اللبناني والنواب أنفسهم والمنظمات السياسية والهيئات التعليمية الخ…”. يناقش سليم حيدر أزمة النظام والدولة فيكتشف أنها الأزمة والحل، متقدماً باقتراح قانون انتخاب على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة معدداً مزايا ذلك بالحدّ من تدخل السلطات المشكو منه، وإخراج الأحزاب السياسية من طوائفها وفتح الندوة النيابية أمام الشباب الذي لا يملك وحده سبل النجاح ويجعل النائب فعلاً لا قولاً ممثل الأمة جمعاء، وقد فسّر دعوته للخروج من الطائفية باعتبارها علة النظام والدولة، في بيان ترشحه لرئاسة المجلس النيابي مضيفاً إليها برنامجاً إصلاحياً كاملاً يتضمّن، فصل النيابة عن الوزارة وإنشاء محكمة عليا لدستورية القوانين واعتماد الاستفتاء الشعبيّ في القضايا الكبرى وتخفيض سن الاقتراع الى الثمانية عشر عاماً”.
وقال: “لكن سليم حيدر كان يدرك أن هذه العلة الوطنيّة تلاقيها علة إقليمية تتبادلان إدخال الوطن والدولة والنظام في أدوار من الحُمّى. بعد العدوان الإسرائيلي على مطار بيروت عام 1968 يتحدّث النائب سليم حيدر خلال مناقشة البيان الوزاري للحكومة، فيقول، إذا كان حادث المطار قد خلقنا خلقاً جديداً فنحن اذن لا نزال نواب الشعب، وإذا كان تفجير طائراتنا في عقر دارنا لم يفجّر فينا إلا الأحقاد حلفاً ونهجاً ومستقلين ومنفردين، فنحن لم نعد نواب الشعب، سواء أصدر مرسوم حلّ المجلس أم لم يصدر، حادث المطار اذن هو المنطلق، لقد كشف أننا لسنا دولة ونحن متنزه دولي ومتجر عالمي وبورصة مفتوحة، ونحن إغراقاً في البلاهة نعتقد أن اعتداء لن يحدث علينا من أحد، لأن الدول الكبيرة متفقة على بقائنا، كأننا لسنا دولة عربية وكأن “إسرائيل” ليست على حدودنا، كأننا لسنا في حالة حرب معها منذ عشرين عاماً، كأن رقعة أرضنا ليست بكاملها في مطامع قراصنة “إسرائيل” المقبلة. أزمة النظام والدولة تتحول في عقل سليم حيد الى أزمة وطن، لكنه لا يتشاءم، فهو يكشف عن عمقها ويتعرف على جذورها، وربما يقدّم جواباً على السؤال الذي طرحه جورج نقاش عن النفيين اللذين لا يصنعان وطناً، بحديثه عن سلبيتين وإيجابية، فيقول نحن في لبنان فئات ثلاث: سلبيتان وإيجابية”.
أضاف: “لبنان بلد واسع، على صغر مساحته، أوسع ممّا يجب أن يكون. ينبغي أن تبتر منه أجزاء لنتخلّص من سكانها، فيعود وطنًا صغيرًا لقوم معيّنين، يعيشون فيه منكمشين على أنفسهم، ينظرون إلى الأفق، على تماوج البحر. تلك السلبية الأولى. إنها إنعزالية انكماشية، إذا سمحتم بالتعبير! لبنان بلد صغير. صادراته لا توازن وارداته. لا زراعة ولا صناعة ولا إنتاج. إنّه جزء من كلّ. إنّه لا يستطيع أن يعيش بكيانه الحالي. يجب أن يذوب الجزء في الكلّ، على وهج الصحراء. تلك السلبية الثانية. إنّها اندماجية مفرطة. لبنان، بحدوده الحاضرة، كيان حقيقيّ، يمكن أن يعيش ويجب أن يعيش. تلك هي الإيجابية! الإيجابيات تستند إلى التاريخ والدين واللغة والتربية… إلى جميع عناصر القومية، تقرّرها كما تشاء، وتفسّرها كما تشاء… والدين يلعب دوره المهم في تقسيم هذه الفئات. على أن من الإنصاف القول إن الفئة السلبية الاندماجية فيها من الطائفتين، كما أن الفئة الإيجابية مزيج متوازن منهما. وإذن فالدين ليس وحده هو السبب”.
وتابع: “الفئتان السلبيتان، الانكماشية والإندماجية، تعتنقان حرية التعليم المطلقة وتناضلان من أجلها. والفئة الإيجابية ترى التوجيه في سياسة المدرسة. وكلّ ذلك طبيعي. نعم. لا تجفلوا! كلّ ذلك طبيعي! أن يكون في لبنان فئة تريد بتر قسم منه لتستقل بالآخر. ذلك طبيعي. وأن يكون في لبنان فئة تنكر وجوده. ذلك طبيعي. وطبيعي أن تتشبّث كلّ منهما بحرية التعليم المطلقة، لتزرع مبادئها في نفوس التلاميذ الطريئة. بقي عليّ أن أقرّر حقيقة: وهي أنّ الفئة الإيجابية هي الأكثر عددًا والأقوى عددًا. وذلك أيضًا طبيعي. فماذا يجب أن نعمل لنحافظ على الجميع؟ ولنعيد إلى الحظيرة من اعتقدوا – واعين أو مأخوذين – بوجوب تركها؟… فنحن لا نريد أن نفقد من لبنان لبنانيًا واحدًا، نحن الإيجابيين!”. و”لبنان رقعة من الأرض على شاطئ المتوسط، في قلب الشرق الأدنى. تعاقبت عليه المدنيّات: الفينيقيّة والرومانية واليونانية والبيزنطية والحثّية والمصرية القديمة والعربية. وتركت جميعها ما كوّن تراثه القائم، تراثًا زاخرًا ممتازًا، والصفتان معنيّتان، بكلّ ما فيهما من قوة. لغته العربية، وهو من أركان نهضتها. مركزه في قلب البلدان العربية، وتشدّه إلى هذه البلدان صلة الأخوة وصلة الجوار وصلة التاريخ ووحدة المصالح والوحدة الجغرافية قبل كلّ شيء. على أنه منذ القدم كان محافظًا على ذاته، وعلى ميزاته الخاصة، وعلى استقلاله الروحيّ. أمور يجب ألّا ننساها، لأنّها كيان لبنان: إنّه همزة الوصل بين الشرق والغرب! لبنان بلد عربي، لا شك في ذلك، جغرافيًّا واقتصاديًّا ولغةً وشعورًا بذاته. أما العِرق، فليس في الكون أمّة خالصة. على أنّ أخلص ما في نسب لبنان، في نسب القسم الأكبر من أهله – مسيحيين ومسلمين – هي العروبة”.
وقال: “تربطه بالبلاد العربية صفة العروبة، كما تربطه بتركيا، مثلًا، صفة الشرقيّة. ولو لم يغالِ الاندماجيون بالقول إن هذا الجزء من الكلّ يجب أن يذوب في الكلّ، لما غالى الانكماشيون بالقول إنّهم من غير نسب. فالتَفَيْنُق ردّ فعل في لبنان، ليس إلّا. أمّا الإيجابيون، وهم الكثرة الساحقة، فيعرفون أنّ لبنان بلد عربي، ولا يفرّطون بشبرٍ واحد من كيانه الحاضر. ليست العروبة هي الوحدة! ولبنان ليس عربيًّا وحسب. إنّه تاج العروبة. إنّه التاج. أليس التاج صغيرًا، ثمينًا، منمنمًا، متألّقًا، ينبوع إشعاع؟… ولكن لبنان أكثر من بلد عربي. إنّه بلد إنساني. إنّه بلد الفكر والروح، بلد التساهل، بلد الإخاء. ومنذ القرن الثاني والعشرين قبل ميلاد السيد المسيح، ولبنان يدرّس اللغات الأجنبية، ويتلقّف ثقافات العالم، لتشعّ منه مبلورة صافية. إنّه نافذة على البحر”.
وختم: “لبنان وطن نهائي، عربي منفتح على الإنسانية، في فكر سليم حيدر هو الجواب على الإفراط في عروبته والتفريط بها بفينيقيّته، لبنان فلسفة الحوار والتسويات، بتراكم منجزات الحوار والتسويات يتقدّم، وعداء أحادي لكيان الاحتلال الغاصب لفلسطين والطامع بلبنان، طريق الحوار والتسويات رغم بطئها وبرود سيرها تبقى طريق بناء، لأن الطريق الحامية هي طريق الحرب الأهلية واستدراج التدخلات الخارجية، طريق خراب مؤكد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى