ما وراء المشهد الفلسطيني… أميركا في كرسي الاعتراف
نمر أبي ديب
دخلت حرب غزة شهرها العاشر، وسط تطوّرات إقليمية متسارعة عكست من حيث الموقف التركي تجاه «سورية» حقائق إقليمية عديدة من بينها المناخ الإقليمي الجديد، الذي شكّل مع المواقف المتقدمة لـ رجب طيب أردوغان حالة من الملاقاة السياسية، لمسارات المنطقة الجديدة، التي رسمتها بـ اعتراف الولايات المتحدة الأميركية جملة النتائج غير المعلنة لعملية «طوفان الأقصى» التي شكلت من وجهة نظر بايدن، منعطفاً استراتيجياً وجودياً لمسارات المنطقة السياسية كما الاقتصادية، انطلاقاً من حقائق زمنية مفادها أنّ ما بعد عملية «طوفان الأقصى» ليس كما قبلها، وما رتبه الطوفان من مستحقات عربية ـ عربية وأخرى إقليمية، ساهمت في إلغاء أو تأجيل مشاريع كبرى، قد يتغيّر على أساسها شكل المنطقة، تُضاف إليها جملة المخططات الخارجية التي يُراد من خلالها أميركياً تنفيذ بعض أقسام «صفقة القرن»، تحديداً الجزء المتعلق بملف التطبيع العربي مع «إسرائيل»…
هنا تجدر الإشارة إلى حجم ونوعية الإصابات المباشرة، التي حققتها عملية 7 أكتوبر، في بنية الدول العربية «المطبّعة» مع كيان الاحتلال، أو دول المسار التفاوضي، ذات الرعاية الأميركية، التي ولأسباب ميدانية تتعلق بعملية «طوفان الأقصى»، تأخر زمن إدراجها السياسي على لائحة المطبّعين العرب، لذا يجدر التساؤل عن الدور العربي الجديد، الذي يُفترض أن تنتجه مفاعيل «طوفان الأقصى» ونتائج حرب غزة، يجدر التساؤل عن أحلام القادة العرب، عن كيفية تنفيذ «مشاريع المستقبل» المعلنة وحتى غير المعلنة، لـ دول عربية متقدمة اقتصادياً، بمعزل عن الدور الخارجي المواكب و»شرط التطبيع»، الذي يعتبره الأميركي «معبراً استراتيجياً» لأحلام ومشاريع المنطقة، وفق «الرؤية القديمة»، والمقصود ما كان ساري المفعول قبل «طوفان الأقصى».
في سياق متصل، برزت على خط «الإحاطة الأميركية» بنتائج وأهداف عملية «طوفان الأقصى»، مع ما تلاها من نشاط عسكري إسرائيلي متمثل بحرب غزة، اعترافات صادمة، أعلن من خلالها بايدن بشكل واضح نجاح حركة «حماس»، في إفشال مخططات الولايات المتحدة الأميركية على مسارين: الأول يتمحور حول استراتيجية «التطبيع السياسي كما التجاري مع الدول العربية»، ثانياً: إفشال طريق «الهند أوروبا»، وتلك حقيقة صادمة تخللها إعلان هزيمة أميركية، في مراحل أكثر من استثنائية قد لا يحتمل فيها المحور الأميركي برمته، فكرة التراجع، أو حتى الخضوع لأحكام وأيضاً لمتطلبات التفوّق الصيني، الذي وضع المنطقة بجميع تحوّلاتها السياسية، ونتائجها العسكرية انطلاقاً من «طوفان الأقصى» وحرب غزة، كما «الردّ الإيراني»، وجبهة الإسناد اللبنانية، على طرفي كفة الربح والخسارة في ميزان المنطقة الاستراتيجي الأمني والعسكري، كما السياسي وحتى الاقتصادي أيّ التجاري.
ما تقدّم، يجيز من حيث الاعتراف الذي تقدّم به الرئيس بايدن تقييم الفشل الأميركي وتأثيره المباشر على معادلتين: التجارة الأميركية، انطلاقاً من مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، التي تقوم على إحياء طريق الحرير القديم، ثانياً دور الكيان الاستثنائي في ممر بايدن، النقطة الفصل، التي حاول من خلالها نتنياهو إظهار «استراتيجية الدور المستقبلي»، لـكيان الاحتلال «الإسرائيلي»، انطلاقاً من حجم المتغيّرات السياسية كما التجارية التي يمكن أن يتركها هذا المشروع على «ملامح المنطقة»، والتعبير لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» نفسه.
السؤال اليوم، هل ذهب نتنياهو بعيداً في تشخيصه السياسي، حين اعتبر أنّ تغيير ملامح المنطقة من أولى مفاعيل الترجمة الجغرافية لـ ممر الرئيس بايدن الاقتصادي؟ وهل يجوز من منطق التساؤل نفسه، اعتبار الفشل الذي عبَّر عنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، في مستوى وحجم «القيمة الوجودية»، التي تفاعل معها وأيضاً على أساسها نتنياهو؟
انطلاقاً مما تقدّم، نجحت «حماس» من خلال عملية طوفان الأقصى، في تحقيق إصابات مباشرة وأخرى أساسية في بنية المشاريع الخارجية الأميركية الصنع والهوى، يُضاف إلى ما تقدّم تجميد عملي لمجمل مفاعيل «التطبيع»، المترتبة أميركياً وبشكل إلزامي على مجمل بنود وعناوين «صفقة القرن» التي دخلت مع اعترافات بايدن، نهاية فعلية لأبرز المراحل التنفيذية التي خسرت معها «إسرائيل» رغم الغطرسة العسكرية وما تمارسه اليوم في غزة، حاضنة كيانية، ودور محوري، في أزمنة مصيرية، دخلت من خلالها الولايات المتحدة الأميركية مراحل «اختلال التوازن»، على أكثر من مستوى استراتيجي ومنحى.
بمبدأ النعامة، تحسّست أميركا ومن ورائها «إسرائيل»، كما العالم في بعديه «الصديق والحليف»، مفاعيل الاعترافات الأميركية، «الرئاسية تحديداً»، بجملة حقائق استراتيجية عابرة من زوايا ميدانية للجغرافيا الفلسطينية، وأيضاً بانتصارات أقلّ ما يُقال عنها «وجودية»، أضاءت من زوايا مختلفة، أمنية وسياسية، جوانب عديدة من «ما وراء المشهد الفلسطيني»، رغم العبث الإعلامي المستمر، والتعتيم الممنهج على أيّ إنجاز أو نقطة يمكن أن تسجّل لـ محور الممانعة، داخل فلسطين المحتلة، وأيضاً خارجها على مستوى «دول الإسناد العسكري»، وهذا يتضمّن في الشكل السياسي، كما في المضمون الاستراتيجي فاتحة أميركية، بنكهة رئاسية خاصة، لزمن الاعتراف غير المحبّب على المستوى الأميركي بقدرات المقاومة وانتصارات محور الممانعة.
أميركا بسياساتها الخارجية، ومقدراتها الداخلية، في كرسي اعتراف بايدن، والنتيجة مزيد من التدهور السياسي كما الرئاسي، بغضّ النظر عن شخصية الرئيس المقبل، الفائز في ولايات أصبح فيها ثمن الوحدة الاستراتيجية في الموقف كما الاتحاد، مكلفاً للغاية.