أولى

صنعاء مقابل تل أبيب وحيفا مقابل الحديدة

كانت إغراءات استبدال حرب مستحيلة على لبنان بغياب الانخراط الأميركي المباشر، والمستحيلة على أميركا لخطورة الانخراط المباشر، بحرب بدت ممكنة على اليمن في ظل انخراط أميركي مباشر قائم أصلاً، هي الدافع لقيام بنيامين نتنياهو بإعطاء الأوامر لشن عدوان على ميناء الحديدة وإشعال خزانات النفط وضرب محطة كهرباء.
أسباب كثيرة شجّعت نتنياهو على خيار شراء الحرب على اليمن كبديل للحرب على لبنان، منها مضمون التفسير الأميركي لأسباب السعي لتفادي الحرب مع لبنان، مقارنة بالمشاركة الأميركية في التصدّي للرد الإيراني، وجوهرها الجغرافيا، جغرافيا الانتشار الأميركي في منطقة وسط بين إيران وفلسطين من جهة بعكس حالة لبنان وفلسطين، وطول المسافة بين إيران وفلسطين مقارنة بلبنان وفلسطين اللصيقتين. وفجأة اكتشف نتنياهو أن ما ينطبق على إيران ينطبق على اليمن، وأن القدرة الأميركية الإسرائيلية المشتركة تتيح إسقاط 90% من الرؤوس المتفجرة الآتية من اليمن نحو جغرافيا فلسطين المحتلة، والاستثمار الإعلامي على مكانة اليمن في محور المقاومة لالتقاط صورة النصر الذي يبحث عنه.
دقق العسكريون الإسرائيليون والأميركيون بالفرضية فظهر لهم، أن اليمن أولاً كشعب وقيادة عاش حرب تدمير ممتدة لتسع سنوات، ولن يضيف نتنياهو على هذا التدمير الكثير، وان اليمن ثانياً موحّد كشعب وقيادة على اعتبار الحرب من أجل فلسطين، هي أكثر الحروب قدسية، وأن تحمل اليمن للتضحيات للفوز بجائزة تدمير مدن واقتصاد الكيان يستحق هذه التضحيات، وثالثاً أن اليمن يرضى بوصول 10% من إطلاقاته من الطائرات المسيرة والصواريخ وهو مستعد لرفع عدد الإطلاقات حتى تصبح الـ 10% كافية على الأقل لتدمير تل أبيب مقابل استهداف صنعاء، وتدمير حيفا ميناء وخزانات نفط ومحطات كهرباء مقابل استهداف الحديدة، ورابعاً أن ما فعلته إيران لمرة يمكن لليمن أن يفعله مئة مرة، وأن دخول العراق الى جانب اليمن في هذه الإطلاقات سوف يجعل قدرة الكيان على التعامل مع النيران أضعف، وقدرته على تحمل نتائج حرب التدمير أقلّ بكثير.
فجأة كان على العسكريين تذكير نتنياهو بأن العبرة الأهم من تجربة الرد الإيراني والتعامل الأميركي معه، ليست في التصدّي للوجبة الأولى بل في رفض الذهاب الى ردّ على الردّ، لأن رداً آخر سوف يأتي وتكون النتيجة وبالاً وكارثة مؤكدة واستدراجاً لحرب تدمير ليس الكيان فيها في وضع القادر على التحمّل، وكما التزم نتنياهو بأوامر واشنطن بعدم الردّ على الردّ، عليه الآن البحث عن الاتفاق مع غزة لوقف مسلسل استنزاف خطير تبشّر به حرب المدن مع اليمن، طالما أن اليمن يقول إنه سيتوقف عن إطلاق النار إذا تمّ التوصل إلى اتفاق في غزة.
طائرة يافا شريك في خطاب نتنياهو في الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق في غزة، وهذا ما أراده اليمنيّون، لكن الرد على غارات الحديدة آتٍ لا ريب فيه.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى