أولى

استنزاف الكيان الصهيوني في ضوء كلمات السيد حسن و«طوفان الأقصى الثالث» في قلب «تل أبيب»

 د. جمال زهران*

في ظلّ “طوفان أقصى” جديد، وهو الطوفان الثالث، ضُربت (يافا/ تل أبيب)، بطائرة مُسيّرة من الجنوب، أطلق عليها اسم “يافا”، جاءت لعاصمة الكيان الصهيوني من اليمن! فتمخّض عنها أولاً: حالة الفزع بين سكان “العاصمة”، والتي قيل عنها إنها العاصمة الأكثر حصانة في الأمن، على مستوى العالم! وثانياً: اختراق جميع الحواجز الأمنية وأجهزة الدفاع الجوي الصهيونية والمدعومة بشكل مباشر من أميركا، الأمر الذي يؤكد الفشل الذريع. وثالثاً: الضربة قد وصلت إلى المبنى المجاور للسفارة الأميركية وقنصليتها في العاصمة الصهيونية، وفي بعض التقارير، تأكدت إصابة القنصلية مباشرة، نتيجة الانفجار. ورابعاً: الخسائر المباشرة في الأرواح، بمصرع شخص مستوطن واحد، وإصابة (10) أشخاص، أغلبهم في حالة خطرة. ومع ذلك تبقى القيمة الاستراتيجية الكبرى لهذه الضربة الأولى، قدرات الطائرات المُسيّرة على الوصول إلى قلب الكيان الصهيوني وفي العاصمة، وعلى بعد ما يزيد عن ألفين كم. فما بالكم بالصواريخ الباليستية طويلة المدى التي تمتلكها اليمن والعراق وحزب الله في الجنوب اللبناني؟! إنها – بلا شك – هي الرسالة الحاسمة للكيان الصهيوني، وهي أن ضرب الكيان وتدميره، أصبح وشيكاً، وأنه إذا لم يرتدع ويوقف الحرب الإبادية على غزة، فإنّ مصيراً أسود في انتظاره. وليذهب النتن/ياهو، إلى واشنطن، خالياً من أيّ إنجاز ولو وهمي، ليلقي خطابه الباهت أمام الكونغرس، وبعد (9) أشهر أثبت فيها فشله السياسي في إدارة المعركة مع المقاومة الفلسطينية، ومحورها واسع المدى من جنوب لبنان إلى العراق، إلى اليمن، وفي الخلفية جمهورية إيران إسلامية، وأيضاً فشله العسكري من خلال جيش الاحتلال المرتزق، والذي ثبت فشله، وسقطت معه أسطورة الجيش الذي لا يُقهر!
إنّ (يافا/ تل أبيب)، أصبحت منطقة غير آمنة، وستكون هدفاً أساسياً في مرمى الأسلحة اليمنية، حسبما أعلن المتحدث العسكري للجيش اليمني، كما أصبحت من قبل (أم الرشراش/ إيلات)، وحيفا، أيضاً. وقد سبقت الإشارة إلى أنّ ميناء “إيلات”، قد خرج من الخدمة وأعلن عن إفلاسه بعد ثبوت عدم تمكّن السفن الصهيونية وغيرها من الدخول، وأصبح الميناء خارج الخدمة، بسبب إغلاق باب المندب، ومنع السفن الذاهبة إلى الميناء، لمحاصرة الكيان، كما يحاصرون غزة، وبسبب الضربات العسكرية بالطائرات المسيّرة والصواريخ من اليمن، والعراق…
وعلى الجانب الآخر، فإنه مقابل إعلان الجيش الصهيونيّ، بأنه يعاني من نقص في الدبابات (الميركافا)، والمركبات، وأنه يحتاج إلى المزيد من ذلك، لاستكمال مهمته في القضاء على المقاومة، فإن السيد حسن نصر الله، في آخر خطابين له، في التاسع والعاشر من محرم، بمناسبة عاشوراء، الموافق الثلاثاء، والأربعاء، (16، 17 يوليو/ تموز)، أكد على أنه إذا كان الجيش الصهيوني يعاني من النقص الآن، فأنا أطمئنه بأنه لن يجد لا دبابات ولا مركبات أصلاً، لأنها ستكون قد اختفت ودمّرت قبل أن يفكر في الهجوم والعدوان على لبنان واقتحام الجنوب، كما تزعم قيادات الجيش الفاشلة أصلاً.
كما أنّ السيد حسن نصر الله، أشار إلى أنه يلاحظ تزايد اعتداء جيش الكيان الصهيوني، على المدنيين في جنوب لبنان، واستمرار مسلسل الاغتيالات العمدية، وذكر أسماء هؤلاء المدنيين الذين تمّ اغتيالهم، وقال: إنّ الكيان سيجد ردّ الفعل تباعاً، بحجم الحدث، وبشكل مؤلم، قد وصلت إلى حدّ إطلاق (80) صاروخاً على عدة أماكن عسكرية ومدنية، وتمّ وصولها بنجاح. إلا أنه هدّد بالتالي: أنه في حال استمرار الكيان في اغتيال المدنيين والاعتداء عليهم، فإنّ النتيجة هي توسيع ردّ الفعل إلى مسافة أكبر داخل أراضي فلسطين المحتلة من ناحية، ومن ناحية أخرى، القيام بتوجيه صواريخنا إلى مستوطنات جديدة داخل الكيان، ولم يسبق أن تمّ ضربها! وهو ما حدث بالفعل في اليومين التاليين لكلماته، الأمر الذي يؤكد مصداقية التهديد من السيد حسن نصر الله، مباشرة، حيث يفعل ما يقوله، وينفذ ما يهدّد به، في الواقع الفعلي.
إلا أنه مع ذلك فإنّ جيش الاحتلال الصهيوني، وقادته السياسيين، لا يرتدعون، باعتبارهم يمارسون عملاً وظيفياً بالوكالة عن المستعمر الكبير وهي أميركا وأعوانها في أوروبا، حيث الدعم العسكري والمالي، بلا سقف أو حدود، للأسف الشديد. فنحن إذن، في مواجهة مباشرة مع الاستعمار في أميركا وفي أوروبا، وليس مع الكيان الصهيوني الذي لا يخرج عن كونه أداة في أيدي المستعمرين القدامى والجدد، الذي لا يريدون خيراً لمنطقتنا العربية، ولا لعالمنا الإسلامي. والسؤال سيظلّ، كيف يتمّ ردع هذا المعتدي؟! وكيف يتمّ إجبار الكيان الصهيوني، ومن ورائه الاستعمار الأميركي/ الأوروبي الذي يوظفه لتحقيق مصالحه، على وقف الحرب بلا شروط؟
لا زلت أرى، أنّ تكثيف الضربات من جميع الساحات المقاومة، وفي آن واحد، ضدّ الكيان، وفي جميع المستوطنات وداخل العمق الصهيوني، كما حدث فجر اليوم من الساحات اليمنية بضرب المُسيّرة، والتي وصلت إلى قلب تل أبيب (يافا). ففي هذا التكثيف والتصعيد، أسلوباً بالاستمرار استنزاف العدو الصهيوني، بالمزيد من الخسائر البشريّة (قتلاً وإصابة)، والمادّية في المعدّات العسكرية.
ففي الخسائر البشرية، وحسبما أعلن السيد حسن نصر الله، في آخر خطاباته، ونقلاً عن مصدر صهيوني مسؤول، أنّ عدد المصابين قد بلغ (9654) شخصاً! بخلاف القتلى، وهؤلاء قد خرجوا من الخدمة نهائياً، بخلاف من أصيب من أشخاص آخرين. بالإضافة إلى ما يقرب من (500) ألف مشرّد من المستوطنين في الشمال الفلسطيني المحتلّ، لمسافة تتجاوز (15) كم، وبطول غلاف غزة كاملاً، داخل العمق الصهيوني. بخلاف من هاجر بغير رجعة من الكيان، ويصل عددهم نحو مليون شخص، فضلاً عن حالة التمزق والانقسامات في الداخل الصهيوني، وسبق أن شرحناها.
إنّ الكيان الصهيوني، هو في أسوأ حالاته، وبصورة غير مسبوقة منذ عام 1948م، وحتى الآن، ولذلك فإنّ الضغط المكثف من جميع الجبهات، من شأنه انهيار الكيان، في وقت انشغال أميركا ذاته بالانتخابات، التي قد تؤدّي إلى انهيارها أيضاً.
وختاماً أقول: الآن وليس غداً هو الوقت الأكثر مناسبة، لتدمير الكيان الصهيوني ومحوه من خريطة الإقليم، والعالم.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى