أولى

النتن/ياهو في الكونغرس.. واقتراب تفكيك أميركا!!

 د. جمال زهران*

لقد تأكد خطأ كلّ من يقول إننا لا نواجه أميركا.. بل نواجه «إسرائيل»، حيث إنّ دعوة الكونغرس الأميركي، لمجرم حرب وقاتل الأطفال والنساء، والذي راح ضحيته (130) ألف شهيد ومصاب (40/ ألف شهيد + 90 ألف مصاب)، ودمّر وخرّب غزة على هذا النحو، وانتهك اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، واحتلّ رفح الفلسطينية بمحاذاة الحدود المصرية مباشرة، وهدم معبر رفح الفلسطيني، واحتلال معبر فيلادلفيا وصلاح الدين، ومنع الشاحنات من دخول غزة لتكريس الحصار الذي مضى عليه (17) سنة حتى الآن، وبصورة أبشع منذ (9) أشهر متصلة، وهو النتن/ياهو، يؤكد أنّ الإدارة الأميركية بقيادة بايدن، ونواب الكونغرس من الحزبين، شركاء في جريمة الإبادة الجماعية (Genocide)، ضد الشعب الفلسطيني في غزة خصوصاً، بل هم الأصل في ارتكاب الجريمة، والكيان الصهيوني هو الفرع والأداة الاستعمارية.
لا أحد في العالم كله، وفي عالمنا العربي، يستطيع أن ينبس ببنت شفه همساً، وليس بصوت مسموع، أن أميركا مجرد داعم لـ «إسرائيل»، بل هي الراعي الرسمي للمشروع الاستعماري (الصهيوني الأميركي)، وريثة المشروع الاستعماري الأوروبي بقيادة بريطانيا وفرنسا بعد تراجع مكانتها كقوة عظمى، وخروجهم من النظام الدولي، ومسلّماً الراية الاستعمارية إلى أميركا، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتأكد ذلك على الأرض وفي الواقع، بعد هزيمتهما في معركة العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م، وخرجا منكسرين، ومهزومين، بعد الكارت الأحمر من أميركا والاتحاد السوفياتي، الذي قال لهم، وداعاً لكما!
هذه هي أميركا الصهيونية، حيث يتفاخر رئيسها الحالي (بايدن)، وأركان حكمه (بلينكن/ وزير الخارجية)، ووزير دفاعه، ومستشاره للأمن القومي، وكل الوزراء، وغالبية النواب في الكونغرس، بأنهم، صهاينة! فكيف يمكن تبليعنا، أنّ أميركا شريك محايد ونزيه، ونعوّل عليه، في إجراء المفاوضات في الصراع العربي الصهيوني؟ لقد سلّم قادة المنطقة العربية، وفي المقدمة الرئيس المصري (السادات) رقبة الصراع إلى أميركا الصهيونية، واعتبروا أنها تملك كلّ أوراق اللعبة، (99,9%)، وباع الإرادة العربية كاملة، وباع انتصار الأمة العربية في حرب أكتوبر، للصهاينة في أميركا، وهي العدو الأول للعرب، وراعية المشروع الصهيوني كخنجر في ظهر العرب، للحيلولة دون تحقيق للوحدة العربية والتقدم والنهوض، وتكريس التبعية واستمرار نهب موارد العرب، واستمرار السيطرة والنفوذ. ولذلك من لا يصدّق ذلك، وهو مزيّف الوعي، بطبيعة الحال، عليه أن يدلنا عن تجربة نهضة أو تقدم قد استمرت حتى الآن منذ الحرب العالمية الثانية، ومنذ تأسيس دولة الكيان في 1948م؟ فالتجربة المصرية في عهد جمال عبد الناصر، تم إجهاضها، ولا يزال مشروع القضاء على كلّ مكونات وآثار هذه التجربة، مستمراً حتى الآن، حتى إلغاء اسم عبد الناصر من أيّ مشروع قائم (تمّ تغيير الأسماء للأسف!). وذلك لتظلّ تجربة الكيان الصهيوني، هي المستمرة، وهي رمز القوة، والتنوع، والديموقراطية، والتقدم! وهي في الأصل «ولاية» تابعة لأميركا.
ولذلك تتأكد مقولة أن الكيان الصهيوني (إسرائيل) هي الولاية الـ (51) من الولايات المتحدة الأميركية، بلا منازع!
ويتأكد أيضاً معنى آخر وهو حالة التوحّد الذي تخلقه الأغلبية المتصهينة، بين الكيان الصهيوني (الطفل المدلل) وبين الإدارة الأميركيّة والكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ)، أياً كانت الإدارة الحاكمة (ديموقراطية، أو جمهورية) وكذا الكونغرس أياً كان أعضاؤه، حيث إن الجميع باستثناءات قليلة، يصبون في دعم هذا الكيان، لأنه الضامن الوحيد والأداة الوحيدة، للسيطرة على المنطقة العربية واستمرار نهب مواردها، وطمس هويتها، وبسط نفوذها في «قلب العالم» – وهي المنطقة العربية والشرق أوسطية. وفي هذا السياق، لا يجب الرهان على مَن سيجلس في البيت الأبيض، أو من سيجلس على كراسي البرلمان، ولمن الغالبية (ديموقراطية، جمهورية). فالجميع متوحّد على استمرار الكيان الصهيوني، وانتصاره، وبقائه، تحقيقاً لمصالح أميركا العظمى، وليس كمجرد دولة، تحتاج للدعم الأميركي بطبيعة الحال!
وتأكيداً لذلك: أقوال النتن/ياهو، في خطابه أمام الكونغرس يوم الأربعاء الموافق 24 يوليو 2024م، حين يقول في البداية، إنه حامٍ للمصالح الأميركية، ويدعمه قادة عرب، ولديه الاستعداد لقول أسمائهم علناً!!، وإنه يواجه مشروعاً مضاداً من أهل الشر، (إيران، وسورية وحزب الله واليمن والعراق)، ومن ورائهم في روسيا والصين!! وإنه يواجه الإرهابيين في حماس، وإنه لن يوقف الحرب حتى القضاء عليهم، والسيطرة على غزة، حماية للكيان الصهيوني (إسرائيل)، وهذا هو التطابق بين الكيان وأميركا، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله!! ولا يجوز التحليل، أمام حقيقة ساطعة، أن لقاء النتن/ياهو، وخطابه في الكونغرس، يمثل قمة التوحّد، والاستهتار بالعالم، وهدم التنظيم الدولي بمؤسساته، (مجلس الأمن والجمعية العامة)، ومؤسسات العدالة الدولية (محكمة العدل الدولية – محكمة الجنايات الدولية)، إعمالاً لشريعة الغاب، والعودة إلى العصور القديمة، حيث القويّ يسحق الضعيف، بلا ضمير!
نحن إذن أمام مشروع استعماري، يتجسّد في دولة الكيان الصهيوني العنصري، يقف ضدّ العالم كله، بتنظيماته ومؤسساته، ومن ثم يستحق السحق، والإزالة من الوجود، لأنه يفتقر لأي سبب لشرعية الوجود. ومن هنا تبرز قيمة «المقاومة»، واستمرارها حتى إنهاء وجود هذا الكيان نهائياً، لتستعيد المنطقة حاضرها وتصنع مستقبلها، وتتحكم في مواردها، وتكرّس استقلالها ووحدتها، وتقدمها الحضاري.
ورغم وجود النتن/ياهو في الكونغرس، وسط رفض شعبي أميركي، ووسط حراسات شرطية وعسكرية اتحادية ضخمة، لتمكينه من دخول الكونغرس، وإلقاء خطبته وسط التصفيق المزيّف والمدعوم صهيونياً ماسونياً عالمياً، إلا أنّ مقولة السيدة/ نانسي بيلوسي (رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة)، وأحد كبار الحزب الديموقراطي، «أن خطاب النتن/ياهو، هو أسوأ ما قاله زعيم أجنبي أمام الكونغرس، وتدعوه إلى تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، ستؤرق النتن/ياهو، وستقلق مضاجعه!».
كما أنّ تصريح المرشحة الرئاسية الديموقراطية (كامالا هاريس)، أنها تطالب النتن/ياهو، بوقف إطلاق النار فوراً تنفيذاً لمشروع بايدن، وقرار مجلس الأمن، قد أقلق النتن/ياهو، وأعلن رفضه لها، وهي إشارة إلى تحريك الصهاينة ضدها، وضد الحزب الديموقراطي!
كذلك تصريح السيناتور (بيرني ساندرز)، الديموقراطي، والذي رفض حضور جلسة النتن/ياهو، مع نحو (130) عضواً آخر من الحزب الديموقراطي، قال: (إنه قاتل الأطفال والنساء ومجرم حرب، ولا يجوز حضوره أو إدلائه بخطاب أمام الكونغرس)، وأدلى بتصريحات عديدة في وسائل الإعلام ضد النتن/ياهو، هو تصريح مقلق أيضاً للنتن/ياهو!
كما أنّ الصحافية الأميركية الشهيرة (آبي مارتن)، والداعمة لفلسطين دوماً، قالت: (إنّ استقبال نتنياهو في الكونغرس الأميركي، هو بمثابة دعوة لـ «هتلر»، بعد محرقة الهولوكست في غزة)، وهو تصريح مقلق أيضاً.
كما أنّ أتحاد النقابات العمالية الأميركية والبالغ عددها نحو (6) ملايين مواطن أميركي، تظاهرت ضد النتن/ياهو، ورفضت زيارته وإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي، وهو موقف مقلق للغاية أيضاً!!
ورغم التغيّرات التي يشهدها الواقع الأميركي، وهي في تصاعد، وعلى مدار (10) عشرة أشهر، حيث أطاحت الحرب الصهيونية على غزة، والإبادة الجماعية ضد أطفال ونساء غزة، بالرئيس بايدن، وأجبرته على الإعلان عن عدم خوض سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة وهي على مقربة (4) شهور! ومن الوقائع النادرة في تاريخ الانتخابات الأميركية على مدار أكثر من قرنين من الزمان!! لأن غزة تحكم العالم كما سبق أن قلت، أطاحت برئيس وزراء بريطانيا وحزبه المحافظين، وأطاحت برئيس فرنسا وحزبه، وكلاهما لصالح حزب العمال هنا أو هناك، الداعم للقضية الفلسطينية.
إلا أنه تأكيداً لحالة التوحّد الاستعماري بين الكيان والإدارة الحاكمة في أميركا (الرئاسة والبرلمان)، فإن الجميع في الطبقة الحاكمة والمسيطرة حريصة على مقابلة النتن/ياهو. حيث التقى بالرئيس/ بايدن، والمرشح/ ترامب الرئيس الأميركي السابق، ورئيس البرلمان الجمهوري، وغيرهم.
وفي ضوء ما تمخض، عما يحدث في غزة، ولعنتها على الجميع الذين يقفون ضد شعبها، ويدعمون الكيان الصهيوني، فإن أميركا تدخل مربع الأزمة، وهي في سبيلها إلى التفكك والانهيار والاختفاء من المشهد العالمي، ابتداءً من الآن وحال الانتخابات وبعدها، وغداً سنرى. ولعل نموذج تفكك وانهيار الإمبراطورية السوفياتية، خير مثال ونموذج.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى