مقالات وآراء

المقاومة.. والمشروع الإيراني في لبنان!

‬ يوسف هزيمة*

منذ اليوم الأول لانخراط المقاومة في لبنان بجبهة الإسناد نصرةً لغزة، انبرت أقلام ونطقت ألسن، تتهم المقاومة بأنها تنفذ «أجندة» إيرانية في لبنان والمنطقة. ولعلّ هذا الاتهام رافق المقاومة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وإعلانها دعم حركات المقاومة. ولم يقتصر الاتهام على المقاومة في لبنان، بل طال المقاومة الفلسطينية، التي لم تُخفِ يوماً إيران قطّ، دعمها لها.
والأقلام والألسن تلك، التي تتحرك من بعض الشخصيات والرموز اللبنانية، تشاركها أقلام وألسنة كيان العدو الإسرائيلي، ولا سيما الرسمية منها، التي لم تفتأ تصوِّب على المقاومة بأنها تنفِّذ مشروعاً إيرانياً.
وإذا كان كيان الاحتلال الإسرائيلي يتّهم على الدوام المقاومة بالولاء لإيران، فلأنّه مِن أكثر الجهات فهماً لحقيقة السياسة الإيرانية المتّبعة منذ انتصار الثورة الإسلامية، ولأنه في آن أدرك منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، انّ الأخيرة ستكون أكبر داعم للمقاومة الفلسطينية، حيث وصف وزير ما يسمى الدفاع، في تلك الحقبة، موشيه دايان، انتصار الثورة في إيران بزلزال عظيم له أثر سيّئ على الكيان، وأنها ستزيد من التهديد العسكري له من جبهتيه الشمالية والشرقية. والتصريح ذاك تناقلته وكالات الأنباء العالمية.
إذا كان كيان الاحتلال ينطلق في اتهامه من ذلك، فقد يكون الاتهام مفهوماً، ولكن ما هو غير المفهوم، ان تنطلق رموز متعددة ومتفرّقة، سياسية، اجتماعية ودينية، لاتهام المقاومة بأنها تنفذ مشروع إيران في لبنان والمنطقة، وهذه الرموز ذاتها تعرف حق المعرفة، انّ المقاومة في لبنان، لم تقدِّم لإيران أيّ شيء على الإطلاق لا مادياً ولا غير مادي، اللهم سوى تحقيق هدف سام من أهداف ثورتها الإسلامية، وهو تقويض الكيان الصهيوني. فأين المشروع الإيراني الذي تنفذه المقاومة في لبنان؟
إنّ عودة سريعة لعقدين وأكثر، وما أنجزته المقاومة، وخاصة في العام 2000 ومن ثم العام 2006، يبرز بما لا يشوب ايّ شائبة، أنّ إنجاز المقاومة كان لبنانياً مئة بالمئة، وأنّ المستفيد منه أولاً هم أهل الجنوب والبقاع الغربي، بكلّ عائلاتهم الروحية، الذين كانوا تحت نير الاحتلال. وثانياً لبنان كلّ لبنان. فأين المشروع الإيراني؟!
وإنّ عودة سريعة أخرى لعقدين ونيّف، وتحديداً المدّة الزمنية التي تلت التحرير، وكيفية تعامل المقاومة مع عملاء الاحتلال، وتساهلها وتسامحها في هذا المضمار، وهي التي لم تسجِّل عملية اقتصاص واحدة قامت بها، وأوْكلت الأمر كله إلى القضاء اللبناني، وانطلقت هي لمتابعة حراسة حدود الوطن. ولم تنس إيلاء الشأن الاجتماعي في المناطق المحررة، فاشتغلت في هذا المجال على توطيد العلاقات بين أهل المناطق المحررة، على تنوّع طوائفهم ومذاهبهم، هادفة بذلك إلى منع ايّ فرقة أو فتنة، قد يلجأ إليها بعض الموتورين. وهنا لا بدّ أن يسجَّل للمقاومة التي لم تكن، ولن تكون سلطة أمر واقع على الإطلاق، يسجَّل لها من باب عملها الاجتماعي والإنساني والديني المنفتح، انها ساهمت في تعزيز الحضور الثقافي السكاني للمختلِف معها، قبل المتَّفِق، في الرؤى الفلسفية والثقافية والدينية. ولهذا ساهمت ودعمت ترميم توسيع وإعمار الكنائس. والجنوب وأهله يشهدون للمقاومة اللبنانية، التي لا تعمل إلا لمصلحة لبنان عامة، وجنوبه خاصة المهدَّد منذ عملية السيوف الحديدية الصهيونية، بل ومنذ نشأة الكيان.. يشهدون دعم جمهور المقاومة لأعلى تمثال للسيدة العذراء الذي شُيّد في قرية عين إبل قرب مدينة بنت جبيل، ولرفع الصلبان على تلال وجبال عامل، واعذرونا اننا نكتب بلغة الطوائف، وما طائفة المقاومة إلا وطنية، ولو أسمتْ نفسها إسلامية، لأنّ إسلامها هو إسلام الاعتدال، إسلام من يرى في الطوائف نعمة والطائفية نقمة، على حدّ تعبير الإمام موسى الصدر، وإسلام إيران الجمهورية الإسلامية، التي يتّهمها أنصار الاحتلال الإسرائيلي بأنها تنفذ مشروعها الإيراني من خلال المقاومة وليس لإيران مشروع إلا دعم المقاومة ضدّ «إسرائيل».
بقيت كلمات أخيرة: إنّ الذين يردّدون بشكل شبه يومي في لبنان، عبارات من قبيل الاحتلال الإيراني للبنان، والمقاومة تابعة لإيران، والأخيرة تعمل على نشر الثقافة واللغة الفارسيتين، إنّ الذين يرددون ذلك، من رموز لها صفتها السياسة والاجتماعية والثقافية والدينية، وكلّ جماعة الحياد وأدعياء العروبة كذباً ونفاقاً.. لهؤلاء نقول: أنتم أول وأكثر من عارض العروبة ورفضتم ان يكون لبنان بلداً عربياً، واستكثرتم على وجهه ان يكون عربياً، فيما أردتم ان يرتمي بيديه ورجليه في أحضان من يدور في الفلك المعادي للعروبة الحقّة. وتاريخكم المبغض لجمال عبد الناصر، ودفاعكم المستميت عن شاه إيران، وتسويقكم للغته وثقافته الفارسيتين، (بالمناسبة قسم اللغة الفارسية في الجامعة اللبنانية أسّسه الرئيس الراحل كميل شمعون يوم كانت إيران الشاه في الحضن الإسرائيلي).
كلّ ذلك خير دليل. أما المشروع الإيراني للجمهورية الإسلامية الإيرانية فهو العربي الحقيقي المناصر لقضية العرب الأولى قضية القدس لأنها قضيته وقضية المقاومة التي لم تكونوا معها قطّ، ولن تكونوا معها ابداً…
*كاتب وباحث سياسي لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى