أولى

نتيناهو وخطاب بداية النهاية والوداع…

د. علي عباس حمية

لماذا هذا الخطاب كان في الكونغرس الأميركي وليس في الكنيست الصهيوني؟
وهل كان سيخرج سليماً من الكنيست؟
أين الاستراتيجية في خطاب نتنياهو؟
هل نزلت “إسرائيل” عن سلم يعقوب؟
لقد كان في خطاب نتنياهو سقطات كثيرة، مع وجود الكثير من الحضور غير الرسمي مع الصهيونية، وأعظم سقطاته كانت في تنصيب نفسه حاكماً على أميركا والرأي الأميركي ومسار الاستراتيجية الأميركية التي لربما تخسر امبراطوريتها من أجل “إسرائيل”، وقد صرح بالكونغرس ما لا يستطيع قوله في الكنيست. وقد وصل به الغباء بأن يوبخ الجامعات الأميركية والمظاهرات ضد الحرب على غزة بالعميلة والمنقادة من قبل إيران، وانهم جميعا مع معاداة السامية والتي شرحها في خطابه بأنها نشأت في أوروبا من قبل المسحيين، كما هاجم المحكمة الدولية.
الخطاب تارة يمجد بايدن وحزبه وتارة ترامب وقدراته مرجحا دفة الجمهوريين على الديموقراطيين، وهذا لربما يكون في الايام القليلة المقبلة مسار بحث وردود من قبل المحللين والساسة الأميركيين بعد ان أخذت بعضهم العاطفة والتعاطف مع خطاب مزيف مضلل يرمي الى بث الشقاق بين الحزبين للمساومة على أصوات اليهود ولقبض أكبر ضريبة مالية ممكنة للدولة الصهيونية.

لقد استحضر نتنياهو كلّ هزائم مملكة “إسرائيل” المزعومة تاريخياً وماذا حلّ باليهود، حيث كانت حاضرة في كلّ ثنايا خطاب رئيس وزراء العدو وهو يستعطف ويتسوّل ويتوسّل الأميركي ألا يتركه وحيداً، وقد شرع شبه متباكٍ بإظهار جنوده الذين نعتهم بـ “الأبطال” وأنهم من كلّ الملل والأعراق، ولكنهم إما مقطّعي الأيدي والأرجل او مفقئي العينين أو قتلى على مشرحة التاريخ الحديث للمقاومة التي ألمح إليها نتنياهو على أنها عدو جبار بمقاومة ليس كسابق الأيام الجميلة له. وقد استرسل بتحريض الصهاينة على القتال مثل أسلافهم المتمرّدين على حكم الإمبراطوريات القديمة، كما شدّد على انه اذا انهزم بشكل فعلي في هذه الحرب فإنّ الغيتويات الأوروبية كما قبل الحروب العالمية بانتظار الصهاينة، والمصيبة الأكبر انه ذكَر الصهاينة تلميحاً بانقسام مملكة فلسطين التوراتية بين مملكتي إسرائيل ويهودا، (وهذا خوف من سبي جديد)، وربطها بمحور المقاومة وإزالة الكيان مجددا.
هذا خطاب الخائف من اليوم التالي للحرب حيث لا يمكنه إعلان ايّ نصر وهو لا يعلم ماذا سيكون هناك، ايّ انه في ضياع استراتيجي مطبق لا مخرج منه، وإلا لماذا عشرة أشهر من الحرب وهي مستمرة؟ وكان في السابق ينتصر الصهيوني خلال ساعات او أيام ومع المساندين له من أميركا والغرب ودول التطبيع التي سماها نتنياهو بالأصدقاء ومستقبل الازدهار في “الشرق الاوسط”، ولكن عبر ذكره للعام 1776 تحديداً من تاريخ أميركا، طبعاً تلميحاً لا إفصاحاً لمن يفهم من حركات الشيطان في العالم الذي هو جزء منها، فهي انطلاقة الحركة اللوسفارية للتحكم الشيطاني من خلال الديانات الابراهيمية والتي بدأت بالماسونية وإسقاط التاريخ المزيف لها وابتكار الصهيونية منها، ومن ثم مذهب إسلامي بدولة خليجية انبثقت من تعاليمها حركات الإرهاب مثل القاعدة وداعش، لكي يكتمل عقد الاتفاقيات الابراهيمية بين الديانات السماوية الثلاث تحت حكم الشيطان. هل تعلم الطوائف السماوية التي لم يمسّها حكم الشيطان الأكبر بعد بأنها مستهدفة.
بالنسبة للعامة فإنّ هذا الخطاب هو وجداني تعبيري وإنشائي شاعري لتحريض الصهاينة وأتباعهم على المناصرة والقتال ضدّ الأعداء، وهو يحاول مجدداً إدارة المتناقضات بين الحركات الشيطانية والحركات الدينية العقائدية في العالم، فتارة يذكر بالحرية ومنها الشذوذ الشيطاني، وبجملة أخرى يذكر محور الخير مقابل محور الشر ملمحاً للحرب الكبرى وفق المعتقدات الدينية، إذا أين هو موقفه الآن؟ وقد انفضح أمره ولم يعد بمقدوره لا هو ولا معلمه الأميركي قيادة العالم تحت قدرات إدارة وتوازن المتناقضات في ما بينهم ورمي صراع المتناقضات علينا وعلى كل الشعوب الأخرى، حيث بدأ هذا الصراع ينقلب عليه وعلى أميركا التي تعاني من نشوء زعامات ترامبية وحربها مع الدولة العميقة والخدمة السرية.
دعونا نرى خطابات العدو الصهيوني قبل طوفان الأقصى وتبجحه بالتفوق الأمني والعسكري، وما هو خطابه بعد الانكسار العسكري في غزة وما هو خطابه بعد هدهد لبنان 1 و2 و3 في قلب الشمال ومُسيّرة يافا اليمنية في قلب يافا (تل أبيب) الذي كان يذكرها وهو متألم. انه خطاب المستعدّ لإعلان الهزيمة ولكنه ينتظر نتيجة صراع عض الاصابع التي ستكون أولى نتائجه قطع إصبع الجليل والجولان المحتل.
هذا الخطاب الاستعطافي حتى نصفه كان من الواجب القاءه في الكنيست وليس في أميركا التي أصبحت تعاني من ثقل الحمل بحماية “إسرائيل” التي لم تعد أولوية ملحة مع وجود دول مطبعة تمشي بالمسار الابراهيمي وتدفع لأميركا بدل ان تأخذ منها، بالمناسبة الى الآن حرب العدو الإسرائيلي على غزة 360 كلم مربع و2.3 مليون نسمة، فاقت تكاليفها حرب أوكرانيا والناتو ضدّ روسيا 17 مليون كلم مربع وما يفوق 140 مليون نسمة، وجعل محور المقاومة من خلال طوفان الاقصى أميركا عاجزة عن فعل ما كانت دائماً تفعله وهو نقل الصراعات والنزاعات ساعة تشاء من الغرب الى الشرق ومن الشمال الى الجنوب، ولكن تزامن حرب روسيا أوكرانيا والناتو وأوكوس وحرب محور المقاومة ضدّ أميركا و”إسرائيل” والناتو وأوكوس ودول التطبيع والمسار الابراهيمي جعلت الأميركي يتخبّط داخلياً وخارجياً بفقده الكثير من مرونه قدراته وذلك جراء حربه على اليمن وتناقص الكثير من مصداقية جبروته العسكري عالميا. وكأنه يقول إنّ أميركا و”إسرائيل” إنْ لم تبقيا متحدتين فإنهما قريباً ستنزلان عن سلم يعقوب.
لا استراتيجيات ميدانية او عسكرية أو حربية في خطاب نتنياهو سوى تذكير عقائدي مع خليط من الماسونية والصهيونية وخوفه من مذبحة ومحرقة جديدة مذكراً بتاريخ طويل من استضعاف وقتل اليهود على يد الأوروبيين وان أميركا كانت المنقذ لهم بتلك الحقبة ويتوجب على أميركا نصرتهم اليوم لانّ نصرهم نصر أميركا وهزيمتهم هزيمة لها، ويحذر من انّ امتلاك إيران للطاقة النووية اليوم ولربما السلاح النووي هو اليوم ضدّ “إسرائيل” وغداً ضدّ أميركا. محاولاً تغيير منحى الحرب لتكون مباشرة بين الرؤوس وليس الأذرع لترتاح “إسرائيل” على حساب الشعب الأميركي وشعوب المنطقة، فهل تستدرج أميركا علناً لذلك، مع العلم أنّ نتنياهو قد أخطأ في خطابه وقال انّ أميركا تحارب داخل “إسرائيل” ليستدرك ويصحّح سقطته بأنها تحارب مع “إسرائيل”، إذن أين هي حدود أميركا من تلك الحرب؟
بعد الدقيقة 35 من خطابه رمى نتياهو حمولة حقده وتحريضه ضدّ إيران ومحور المقاومة مستعطفاً الصهيونية الأعرابية محاولاً توجيه الأنظار مجدداً الى انّ إيران هي العدو ضد “إسرائيل” ودول المنطقة بتحريضهم مذهبياً، عنصرياً وتاريخياً، وانّ كلّ محور المقاومة هو ذراع إيران للسيطرة عليهم، نعم إيران لديها مشروع التعاون في المنطقة بين الأشقاء والجيران ضدّ وجود جيش أميركي او غدة سرطانية مثل “إسرائيل”، وهي تحاول جاهدة لفعل ذلك، بينما جهود نتنياهو والأعراب المطبعين معه بقيادة المايسترو الأميركي هو لتأجيج الفتن والصراعات والنزاعات في المنطقة لمشروعية بقاء أميركا هنا فلا بقاء لها دون صراعات وتخويف الجيران من بعضهم البعض.
بعد الدقيقة 40 وبعد ان سبق وردّد مقولة ثقافة الحياة مقابل ثقافة الموت، اين سمعنا ذلك؟! شرع نتنياهو باعترافه عن وجود أكثر من 80 ألف نازح صهيوني من الشمال وانّ تلك المنطقة معزولة حيث سقط عليها آلاف الصواريخ والمُسيّرات، اذن، الصواريخ والمُسيّرات وصلت الى أهدافها باعتراف نتنياهو وانه يحاول إعادة المستوطنين بالطرق الدبلوماسية اولاً ثم مهدّداً “وإلا بأساليب أخرى”.
ليعلن أخيراً بأنه والولايات المتحدة الأميركية في طور إنتاج سلاح سيكون الأخطر في العالم وعلى الارض، بنفس الوقت الذي ردّد فيه مقولة وينستون تشرشل للأميركي بالحرب العالمية الثانية أعطونا الأدوات ونحن نقوم بالعمل. ألا يعلم بأنّ الوقت ليس لصالحه ولربما لن يكون قادراً على استعمال ذلك السلاح الاقوى بالعالم او استخدام المعونات العسكرية الأميركية الجديدة له وأن الأفضل له انهاء الاعتداءات على غزة وتحديد خسائره اليوم لانه في الغد لن يكون لديه متسع من الوقت الكافي كي يفعل ذلك.
هذه السقطة العسكرية بطلب المزيد لتحقيق نصر هو غير قادر عليه ولم يستطع فعله في عشرة أشهر وهو كان قبلها بكامل قوّته فكيف به اليوم وهو يستجدي الدعم من أميركا ودول التطبيع العربي؟ مهدّداً بنزع سلاح حماس وفكر الراديكالي المتعصب منها والقيام بحكم فلسطيني متعاون مع “إسرائيل” ومن ثم ينسحب. فاسد وقاتل ومحتل ويحاضر بالفضيلة وكيفية بناء أوطان.
السقطة التالية هو اعترافه بمبدأ الشرق الأوسط الجديد ليقول بأنه كان من ضمن من كانوا وراء ذلك وانّ الهدف الأول والأخير هو اعلان “تحالف ابراهيم”.
في نهاية خطابه يقول إنّ “إسرائيل” لا تنحني ولن تخضع ويذكر أميركا بأنّ “إسرائيل” ستبقى الدولة التي لا غنى لكم عنها في الشرق الاوسط، ونؤكد لكم بأننا دولة موالية تماماً لكم، أعتقد انّ هذا الكلام يشرح الكثير عن شعور “إسرائيل” بضعفها حالياً، وان أميركا لربما تتخلى عنها مؤقتاً لإعادة ترتيب البيت الكبير وتوسيع الفكر اللوسفيري الأميركي ومن ثم العودة لإنقاذها، أيّ انّ إسرائيل لربما على مشارف ان تكون أولوية ثانية للولايات المتحدة الأميركية، ويردّد نتنياهو فليبقَ حلف “إسرائيل” وأميركا الى الأبد، ما حاجة تلك الشعارات من رئيس وزراء في دولة لم يكن يحتاج أصلاً للذهاب اليها لجلب المعونات وفرض الضرائب والغرامات عليها لصالح كيانه.
على الرغم من التصفيق الكبير لنتنياهو في الكونغرس ولكنني أعتقد انه خطاب الوداع لحياته السياسية وانّ نزوله في فندق “واترغيت” لما يمثل من حقبات أميركا المظلمة لم يعد له تأثير بالضغوط الإسرائيلية ولوبياتها في مجرى الانتخابات الأميركية مهما كان عرض أصوات الناخب اليهودي بسوق النخاسة والعبيد الأميركية، لا فعالية كبيرة للصوت اليهودي مع انتفاء قدرة “إسرائيل” ولو مؤقتاً وقد بات المشروع الصهيوني مؤجلاً لربما بشكل مؤقت والإسرائيلي يريد الآن فقط الحفاظ على الدولة دون المشروع…
إذن، هناك متغيّرات كبيرة فعلها طوفان الأقصى ومساندة محور المقاومة له ووقوفه معه دون أسقف، هذا لربما لن يخلق الانتصار الكبير اليوم ولكن اقله قد أسّس له ولمعادلة توازن قوى وإثبات وجود لقوة صاعدة ربما تكون رافعة لتأسيس قطب إقليمي مقاوم يُحسب له كلّ الحسابات في المستقبل القريب وفق قدراته على الاحتفاظ بالمكتسبات…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى