خطاب الردّ المرتقب على اغتيال السيد محسن في معركة تثبيت المعادلات…
رنا العفيف
الأنظار شاخصة تتجة جميعها إلى ما بعد الخطاب الذي تنصت له الأعداء والأصدقاء، كيف يقرأ أو يفسّر خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتداعياته على مستوى الردّ المرتقب الذي ينتظره العالم؟
العناوين البارزة في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خلال مراسم تشييع القائد العسكري الشهيد فؤاد شكر، حيث قال إنّ المواجهة تجاوزت مرحلة الإسناد وتحوّلت إلى معركة كبرى وإنّ الردّ على اغتيال القائد الشهيد فؤاد شكر (السيد محسن) آتٍ لا محالة، وسيكون جدياً وحقيقياً ومدروساً، وأيضاً أكد خلال كلمته في مراسم تشييع القائد الجهادي الكبير الذي اغتالته «إسرائيل» في غارة على ضاحية بيروت الجنوبية، إنّ على العدو ومَن هم خلف العدو انتظار ردّنا الآتي حتماً، ولا نقاش ولا جدل، وبيننا الأيام والليالي والميدان، وإنّ العدو لا يعرف من أين سيأتي ردنا هل من شمال فلسطين أو جنوبها أو من شرقها وهل سيكون متفرّقاً أم متزامناً، مضيفاً نحن نبحث عن ردّ حقيقي وليس شكلياً كما يروّج البعض بل هو ردّ مدروس جداً، وأكد أن المنطقة أمام معركة كبرى ستكون لها تداعيات لا يدركها البعض على مستقبل العدو، وكذا نحن أمام معركة كبرى تجاوزت الأمور فيها مسألة الإسناد بعد اغتيال السيد محسن في بيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» القائد الشهيد اسماعيل هنية في طهران، كما أوضح أنّ اغتيال القائد هنية في طهران يؤكد غباء العدو الذي تصوّر أن إيران سوف تسكت عن ما جرى، مؤكداً أنّ المسؤولين الإيرانيين يرون أنه تمّ المسّ بسيادتهم وهيبتهم وأمنهم القومي وشرفهم، وأشار السيد نصر الله إلى أنّ كلمة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي كانت أقوى من كلمته بعد استهداف قنصلية إيران في دمشق، ومن ضمن العناوين البارزة والمهمة أيضاً حين خاطب العداء قائلاً: ستبكون كثيراً، اضحكوا قليلاً لأنكم ستبكون كثيراً وأنتم لا تعرفون أيّ مرحلة دخلتم ونحن في جبهة المقاومة دخلنا مرحلة جديدة ستتوقف على ردّ فعل العدو الذي عليه أن ينتظر الثأر الآتي على أيدي كلّ شرفاء الأمة.
انطلاقاً من هذه العناوين الهامة والسردية الاستراتيجية في خضمّ المعركة الحامية يبدو أن المنطقة دخلت منعطف له ما بعده بالبعد السياسي والعسكري والأمني رداً على الاغتيالات التي نفذها الكيان بضوء أخضر ودعم أميركي بعقلية الإرهاب وسط صمت دولي، إذ يعتبر حزب الله أنّ هذه الضربة بمثابة هجوم عسكري على الضاحية كسر العدو فيها قواعد خطوط الاشتباك والمواجهة لطالما أتت في قلب الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وكذا أدّت إلى ارتقاء شهداء وسقوط جرحى من المدنيين، وهذا الأمر يُعتبر شديد الحساسية بالنسبة لحزب الله، ولكن السؤال المركزي هنا عن طبيعة حجم الردّ من قبل الحزب خاصة أنّ السيد نصر الله قال سابقاً بأنّ أيّ تجاوز لهذه لقواعد الاشتباك فإنّ المعادلات ستختلف، وجاءت هذه الضربة وهذا الاعتداء على درجة كبيرة من تجاوز للخطوط الحمر، أيّ بمعنى تجاوز لكلّ القواعد من حيث المكان وهو الضاحية الجنوبية لبيروت وهذا يُعتبر نقطة تحوّل كبير في معادلة الردع منذ نهاية حرب تموز عام 2006، وبالتالي فإنّ حزب الله لن يسجل سابقة بأن تضرب «إسرائيل» في الضاحية دون أن يأتي هذا الردّ، وسيكون متوازناً ومتماثلاً بما يليق بالهدف من هذه الضربة الإسرائيلية، وما عجزت عن تحقيقه طيلة الأشهر العشرة المنصرمة بدءاً من وحدة الساحات وصولاً لجبهات الإسناد التي أطلقها حزب الله، وبالتالي هذه الجبهة لن تتوقف مع التعليق في سؤال آخر ووجيه يرتسم على نوعية الردّ بالشكل والمضمون، ما يعني بأنّ الردّ سيكون على مستوى الهدفين المتتاليين في بيروت وطهران.
نعم لقد شكل اغتيال القائدين شكر وهنية منعطفاً تصعيدياً سيكون له أثر كبير وتداعيات في المرحلة المقبلة وذلك من خلال ساعات الصمت والهدوء الحذر الذي يسود المنطقة برمّتها ضمن أطر معطيات العدوان على الضاحية الجنوبية وكسر الكيان الإسرائيلي قواعد الاشتباك عسكرياً وجغرافياً وأمنياً باعتدائها على رمزية الضاحية المتجذرة بذاكرة عدوان حرب تموز، إذ أنها المرة الثانية التي تضرب «إسرائيل» عمق الضاحية بعد طوفان الأقصى عقب اغتيال القيادي في حركة حماس الشيخ الشهيد صالح العاروري في 2 يناير/ كانون الثاني، وكان آنذاك عنصر المفاجأة سمة العملية، بينما اليوم للمرة الأولى يكون هدف الكيان الإسرائيلي بالضاحية وآخر في طهران ما يستوجب الانتباه للتطورات الميدانية المتسارعة وهي تندرج ضمن نطاق واسع على مستوى المنطقة نارياً ولا سيما بإدراك واسع ومتسارع وعليه لم تهدأ التصريحات الأميركية عقب العدوان الإسرائيلي على الضاحية وأعلنت صراحة عن وقوفها إلى جانب «إسرائيل» ودعمها…
لتبقى سيناريوات الرّد وما بعده كالتالي:
مع احتمالية المصادفة بين عمليتي الضاحية وطهران يبدو أنّ «إسرائيل» تتعقب القائدين هنية وشكر ما يعني أنّ المجال المفتوح للردّ على مصراعيه وقد يكون بمختلف الساحات في ظلّ عجز الكيان عن حسم العمليات العسكرية ميدانياً لتقول مجدداً إنها قادرة على اختراق إجراءات حزب الله وتأخرها لساعات عن عملية مجدل شمس الذي ارتبط بنضوج المعلومات والمعطيات الاستخبارية حول وجود هدفها بالمبنى وتبني رواية تضليلية وحملة إعلامية شنتها على حزب الله لأهداف سياسية ومنها أمنية وباعتبار أنّ الكيان الإسرائيلي فتح بوابة جديدة في سلاح الاغتيالات عليه أن يتحمّل نتائج هذة الضربة التي ربما ستشكل نقطة تحوّل كبيرة في المنطقة.
ثانياً: سيكون ردّ حزب الله ثقيلاً بالمكان والهدف والوزن، وعلى الكيان الإسرائيلي أن ينتظر ويتبصّر في قدرات حزب الله بالمدى القريب، ولو فرضنا اتسع نطاق الحرب فسيكون تدريجياً ولا يرجّح ذهاب الطرفين لحرق المراحل وتفجير كامل للجبهة، ذلك أنّ لكلّ طرف بنك أهداف واسع ومحدّد عدا عن التنسيق المتناغم بين أطراف محور المقاومة، وبينما تسعى «إسرائيل» لتعديل قواعد الاشتباك وتوسيع مداها يحاول حزب الله أن يثبت هذه القواعد بالحفاظ على قدرة الردع ولن يسمح للكيان بفرض وقف إطلاق النار وفق شروطه، قد تشارك بالردّ على «إسرائيل» من خارج جبهتي لبنان والجولان وقد تكون أتت هذه العملية على خلفية اكتشاف «إسرائيل» قدرات حزب الله السرية وإمكانيات ما لديه من مفاجآت، وبالتالي قد نكون أمام فارق احتمالات تجاوز مبدأ الضربة مقابل ضربة أكبر ما لم يكن هناك سلسلة من العمليات المضادة نظراً لما تشهده المنطقة الحدودية مع لبنان من اشتباكات عالية الوتيرة قد تستمرّ لأيام، أما التقديرات الإسرائيلية في أن يكون ردّ الفعل مختلفاً عما ورد التي قصدت بها التضليل قد يكون وكذا المدى الزمني وطبيعته على اعتبار أنّ المسألة تجاوزت الحدود اللبنانية فمحور المقاومة الذي يراكم الانتصارات بالنقاط لا يمكن له التفريط بالتضحيات، وهو على أهبة الإستعداد والكيان في حالة تأهّب قصوى إزاء تداعيات الاغتيالات الإسرائيلية التي كسرت قواعد الاشتباك بالمعنى العسكري وهذا ستكون فاتورته مكلفة جدا وعالية…