ردّ قوى محور المقاومة على العدوان آتٍ ويدها باتت طويلة أيضاً
حسن حردان
سريعاً تحرّكت الدبلوماسية الأميركية لأجل احتواء ردود قوى محور قوى المقاومة المنتظرة على جرائم الاغتيال التي ارتكبتها حكومة العدو الصهيوني برئاسة بنيامين نتنياهو في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي العاصمة الإيرانية طهران، وأدّت إلى استشهاد كل من القائد الجهادي الكبير في المقاومة الإسلامية السيد فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس القائد الكبير إسماعيل هنية، بعد أن تمّ التحضير لهذه الجرائم خلال زيارة نتنياهو إلى واشنطن، وجرى التنسيق في الأدوار بين الطرفين، العدو الصهيوني يقوم بارتكاب جرائمه المذكورة، وواشنطن تتحرك دبلوماسياً من احل احتواء ردود فعل قوى محور المقاومة بحيث تكون محدودة تستطيع «إسرائيل» ابتلاعها وهضمها، وبالتالي تجنّب تصعيد كبير قد يؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة تهدّد الكيان الصهيوني بوجوده وتلحق أضراراً كبيرة بالمصالح الأميركية ونفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
ويبدو أنّ واشنطن وبكلّ صلافة، بعد أن أطلقت يد نتنياهو في شنّ اعتداءاته، تعمل الآن على محاولة تمكين كيان الاحتلال تجنّب دفع ثمن جرائمه..
انطلاقاً من ذلك فإنّ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران إنما يشكل جريمة موصوفة، فهي من جهة اعتداء سافر على سيادة واستقلال إيران، وانتهاك للقوانين الدولية، ومن جهة ثانية اعتداء جبان على قائد من المقاومة الفلسطينية حلّ ضيفاً على القيادة الإيرانية لحضور مراسم قسم اليمين من قبل الرئيس المنتخب الدكتور مسعود بزشكيان.
على انّ جريمة الاغتيال لقادة في المقاومة في بيروت وطهرن والعراق، قد تمّ الإعداد لها في واشنطن خلال زيارة رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ القرار بتنفيذ هذه الاعتداءات إنما هو قرار أميركي إسرائيلي.. حيث تولّت واشنطن اغتيال قائد في المقاومة العراقية، وتوفير الغطاء لـ «إسرائيل» لتنفيذ جريمتي اغتيال الشهيدين هنية وشكر في طهران وبيروت، وإعلانها على الاثر أنها ستدافع عن «إسرائيل».
لكن ماذا يعني العدوان على بيروت وطهران؟ وما هي أهداف تل أبيب وواشنطن من ارتكاب هذه الجرائم وأخذ المنطقة إلى تصعيد خطير؟
وهل ستؤدي هذه الاغتيالات إلى تحقيق ما يصبو اليه كيان الاحتلال، ام ستؤدي إلى نتائج معاكسة تعمق مأزقه؟
وأخيراً ما هي الاحتمالات المتوقعة على ضوء ردود قوى محور المقاومة على هذه الجرائم الصهيونية؟
أولاً، انّ العدوان الصهيوني على ضاحية بيروت الجنوبية وطهران يُعتبر خرقاً للخطوط الحمراء ومحاولة لتغيير قواعد توازن الردع التي فرضتها المقاومة منذ حرب تموز 2006 اثر الهزيمة الإسرائيلية في هذه الحرب، وكذلك محاولة إسرائيلية للخروج من مأزق الفشل في قطاع غزة في تحقيق أيّ من أهداف الحرب الإسرائيلية، حيث عجزت «إسرائيل» عن القضاء على المقاومة أو إضعاف قدراتها على مواصلة القتال وإلحاق الخسائر الفادحة بجيش الاحتلال الإسرائيلي، كما هي محاولة إسرائيلية للجم قوى المقاومة التي تساند غزة والضغط عليها لوقف حرب الاستنزاف التي تشنّها ضدّ كيان الاحتلال والتي أرهقته وزادت من حجم استنزافه وفاقمة من مأزق فشله..
ثانياً، إنّ سياسة الاغتيالات، كما أكدت التجربة، لا تقود الا إلى تعزيز قوة المقاومة وزيادة التأييد الشعبي لها، ولهذا فإنّ هذه الاغتيالات الجديدة لن تتمكن حكومة نتنياهو من تحقيق أهدافها منها، لأنّ قوى محور المقاومة باتت من القوة والقدرة ما يجعلها قادرة على ملء ايّ فراغ يحصل في ايّ موقع قيادي، كما أكدت التجربة مع الاغتيالات سابقة، والردّ بقوة على هذه الاغتيالات وتدفيع كيان الاحتلال ثمناً بمستوى الجريمة التي ارتكبها في بيروت طهران، وقبل ذلك في الحديدة في اليمن، وبالتالي إعادة تكريس توازن الردع وجعل ايّ استهداف إسرائيلي في المستقبل أكثر كلفة من فائدته بالنسبة له، واستطراداً ردعه عن القيام بتجاوز الخطوط الحمراء.. ولهذا من المتوقع أن تكون ردود إيران، وكذلك المقاومة في لبنان، وايضاً أنصار الله في اليمن والمقاومة في العراق ردوداً رادعة، ولهذا ستكون قوية كما أكد قائد المقاومة في لبنان سماحة السيد حسن نصر الله ، ومرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي، وبالتالي لن تكون الردود شكلية كما يتمنى الأميركي والإسرائيلي .. لا سيما أنّ أيدي قوى محور المقاومة أيضاً باتت طويلة وقادرة على تدفيع العدو ثمناً باهظاً.. ويبدو أنّ كيان الاحتلال بدأ يدرك ذلك ولهذا أعلن ما يشبه حالة الطوارئ، وأخلى مواقع هامة، وأخذ المسؤولون الصهاينة احتياطات أمنية خوفاً من التعرّض للاغتيال..
ثالثاً، على صعيد الاحتمالات المتوقعة في ضوء ردود إيران وقوى المقاومة، الآتية حتماً، على جرائم الاغتيال وخرق الخطوط الحمراء، يمكن حصرها بثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول، أن تستوعب حكومة نتنياهو الردود، وتعود وتلتزم بقواعد حرب الاستنزاف القائمة منذ عشرة أشهر، لكن هذا الاحتمال يعني عودة «إسرائيل» إلى ذات المأزق الذي حاولت الخروج منه عبر ارتكاب جرائم الاغتيال..
الاحتمال الثاني، ان تقوم حكومة نتنياهو بتنفيذ اعتداءات جديدة، ويؤدي ذلك إلى ردود مقابلة، وبالتالي يحصل تصعيد في المواجهة لعدة أيام قبل أن تبذل جهود دبلوماسية للعودة إلى التهدئة ومسار المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى في ظلّ استمرار قوى المقاومة بحرب الاستنزاف للضغط على «إسرائيل» لقبول وقف حرب الإبادة التي تشنها في غزة.. باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لوقف النار على بقية جبهات المقاومة المساندة لغزة ومقاومتها.
الاحتمال الثالث، أن تؤدي الردود الصهيونية وردود قوى محور المقاومة عليها الى تصعيد كبير وتحوّلها إلى مواجهة مفتوحة، ربما تنزلق إلى حرب واسعة ستقرّر مصير ومستقبل المنطقة والقضية الفلسطينية..
لكن احتمال المواجهة المفتوحة يتوقف على سلوك حكومة نتنياهو، فإذا كان قرارها هي وواشنطن الذهاب إلى مثل هذه المواجهة المفتوحة، فهذا يعني أننا سنكون أمام الانزلاق نحو حرب واسعة في المنطقة..
خلاصة القول، من المؤكد انّ نتنياهو حصل على الضوء الأخضر الأميركي خلال زيارته واشنطن للقيام باعتداءاته، ولهذا فإنّ العدوان كان قراراً مشتركاً أميركياً «إسرائيلياً»، في محاولة لإخراج «إسرائيل» من مأزقها، والضغط على قوى المقاومة لوقف إسنادها لغزة، بما يمكنها من الاستفراد بغزة وفرض شروطها على المقاومة في المفاوضات، لكن تحقيق ذلك مجرد أوهام يحلم بها نتنياهو، لأنّ قوى محور المقاومة ليست في موقع ضعف حتى ترضخ للشروط الأميركية الإسرائيلية، على أنّ ردّها الآتي سيبرهن لكلّ من تل أبيب وواشنطن انّ أهدافهما لن تتحقق وستُمنى بالفشل.. وإذا كانتا تريدان الذهاب إلى ارتكاب حماقة شن الحرب الواسعة فإنّ قوى محور المقاومة قد أعدّت العدة اللازمة لخوضها وتحويلها إلى فرصة لإلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني وقوات الاحتلال الأميركي…