أَ طويلةٌ حربنا… أم تطولُ؟! / هل هناك أفق زمني لانتهاء العدوان على غزة؟
فريد محمد المقداد
في الوقت الذي يذهب فيه أغلب المحللين السياسيين إلى وجود جميع الأسباب الكافية للاستنتاج بأنّ رئيس وزراء الكيان الصهيوني يطيل أمد الحرب على غزة لإنقاذ نفسه سياسياً وهو الذي يؤكد في كلّ لقاء أنّ الحرب ستستمر لفترة طويلة حتى يتحقق هدفاها – انهيار حماس وعودة أسرى الكيان المحتجزين في غزة – بل يذهبون أبعد من ذلك معتبرين أنّ نهاية الحرب تعني انهيار حكومة الكيان، والزجّ ببنيامين نتنياهو خلف القضبان بعد مثوله أمام القضاء بسبب تهم الفساد الموجهة إليه.. أو يقولون إنّ نتنياهو يسعى للهروب من غضب الشارع المحتقن بسبب التعديلات القضائية والحدّ من صلاحيات المحكمة العليا وما رافق ذلك من مظاهرات واحتجاجات… مثل هذه التحليلات على ما فيها من هشاشة وسطحية أبعد ما تكون عن الصواب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ وسائل إعلام الكيان التي تنقل إلينا هذه الصورة لا تتحرك ببراءة وعفوية بل تخضع لتوجيهات أمنية صارمة مدروسة بدقة وعناية بالغتين ومن ثم يتمّ العمل على بثها لتنتشر في الفضاءين الفلسطيني والعربي فيردّدها المحللون والقادة الفلسطينيون والعرب. ولعلّ الخطر الأكبر الذي يواجهنا إزاء مثل هذه التحليلات هو اختزال الصراع العربي الصهيوني بشخص نتنياهو، ومن ثم يحق لنا التساؤل ماذا لو غاب نتنياهو عن المشهد السياسي هل تتوقف الحرب؟ وفيما إذا توقفت ضغوط المتطرفين بن غفير وسموتريتش على نتنياهوهل تتوقف الحرب؟ وماذا لو انهارت حكومة الكيان هل تتوقف الحرب؟
ـ لا أستطيع أن أنكر أنّ الكيان الصهيوني محكوم من قبل دولة عميقة – حراس البوابة – يسيطرون على الجيش والأمن والإعلام والقضاء والنقابات والمؤسسات بعيداً عمن يفوز في الانتخابات وجلّ حراس البوابة هم من الجنرالات الذين لا تظهر وجوههم للإعلام إلا مضللة كما نشاهدها في الاجتماعات العسكرية والأمنية التي تتخذ فيها القرارات بالاغتيال والقصف والاجتياح مثلاً ويكثر الحديث داخل الكيان عن الدولة العميقة في المحطات الكبرى مثل اغتيال رابين أو سجن أولمرت، بل إنّ المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) ليس أكثر من مجرد واجهة لما يريد ويخطط له ضباط الجيش والمخابرات في الكيان، ويكفي للتدليل على ذلك القول إنّ وزيراً مثل بن غفير يجب أن يأخذ إذناً من الشاباك لاقتحام المسجد الأقصى.
وفي الكيان يقولون لك إذا أردت أن تعرف بماذا يفكر نتنياهو فعليك أن تستمع لما يقوله مائير بن شبات رئيس معهد الاستراتيجية الصهيونية والأمن القومي ومستشار الأمن القومي والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي في الكيان، وليس وزير المالية في حكومة الكيان بتسلئيل سموتريتش أكثر من صبي صغير أمام من يرسمون التوجهات العليا في معهد مسجاف ومنتدى كوهيليت والحاخامية الدينية التي تقف خلفه.
ـ لذلك نقول إنّ القراءة الموضوعية للمشهد الداخلي في الكيان والمشهدين الإقليمي والدولي تبيّن لنا بجلاء ووضوح عدم وجود أيّ جهد حقيقي من الأطراف الفاعلة والمؤثرة لوقف العدوان، بإستثناء ما تقوم به جبهات الإسناد في محور المقاومة التي تبذل وسعها ووجدها انتصاراً لمظلومية شعب فلسطين.. وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ نتنياهو والكيان أضعف من القدرة على مواجهة أيّ ضغط حقيقي لإيقاف الحرب فلو توافرت الإرادة الدولية للجم العدوان لتمّ ذلك، لكن جميع الأطراف الفاعلة والمؤثرة تدفع باتجاه استمرار العدوان:
ـ فعلى الصعيد الداخلي يمسك نتنياهو بمفاصل تحالف حكومي قوي متماسك يرتكز إلى أغلبية تتكوّن من (64) مقعداً من أصل (120) مقعداً لا يمكن أن يتغيّر موقفها المؤيد لاستمرارية العدوان، ومعها الجيش والمؤسسات الأمنية الذين لا يأبهون للضرر البالغ الذي ألحقته بهم المقاومة، ولذلك فإنهم لم يمارسوا أي ضغط حقيقي على نتنياهو لإيقاف العدوان، يُضاف إلى ذلك معارضة هشة مفككة غير قادرة على الفعل والتأثير أو حتى استنهاض الشارع لجهة إبرام صفقة الأسرى أو إيقاف العدوان على غزة، والخلافات بين قادة الكيان ليست أكثر من سعي محموم لمن يظهر أكثر تطرفاً ليستميل الرأي العام في الكيان، كما أنّ استحالة تحقيق أهداف العدوان في ظلّ وجود أكثر من (2,3) مليون فلسطيني داخل قطاع غزة تدفع بإتجاه إطالة أمد العدوان.
ـ بعد زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية بدا الموقف الأميركي أكثر وضوحاً… دعم كامل غير محدود وشراكة كاملة، فالهدف الاستراتيجي للطرفين هو القضاء على المقاومة وتغيير الواقع السياسي في قطاع غزة، فضلاً عن أنّ الجمهوريين والديمقراطيين وجهان لعملة واحدة، فمن غير المنطقي التعويل على الانتخابات الأميركية بشيء. ناهيك عن أنّ الدعم العسكري الأميركي للكيان يسهم بتأمين ما يكفي من العتاد والذخائر للاستمرار في حرب طويلة الأمد.
ـ الغرب الأوروبي لا يزال تابعاً ذليلاً للأميركي، ووجهة نظري الشخصية أنّ الغرب الذي دعم المشروع الصهيوني في المنطقة لا يمكن أن يتخلى عنه، ورغم موجة الاحتجاجات والضغط الشعبي الكبير الذي شهدته البلدان الأوروبية المؤثرة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا فليس من المتوقع في المدى المنظور أن توقف دعمها للكيان الصهيوني المجرم في عدوانه على غزة.
ـ حتى هذه اللحظة لا يوجد إسناد عربي إسلامي للمقاومة يعوّل عليه، باستثناء القمة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي والقمة العربية التي شكلت لجنة مشتركة من سبع وزراء خارجية والتي كانت شكلاً فارغاً من أيّ مضمون وجاءت نتائجها مخيّبة للآمال فلم ينتج عنها أيّ ضغط دبلوماسي أو جهد حقيقي لإيقاف العدوان.
ـ وعلى الصعيد الفلسطيني فقد عكس أداء سلطة التنسيق الأمني وفتح تماهياً مع الاحتلال وروايته وليس أدلّ على ذلك من البيانات والتصريحات التي صدرت، وملاحقة واعتقال المقاومين في الضفة الغربية وتصفيتهم.. في الوقت الذي نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى توحيد الجماهير الفلسطينية ورصّ الصفوف في الداخل والشتات لتشكيل ضغط حقيقي على الكيان وداعميه.
في حين نجد وعلى الضفة الأخرى جملةً من العوامل والأسباب الموضوعية التي تدفع في سياق اتجاه إنهاء العدوان ولعلّ أبرزها:
ـ ما تقوم به جبهات الإسناد في محور المقاومة من دعم ومؤازرة للمقاومة في غزة خلق حالة من التوتر والإرباك السياسي والاقتصادي والداخلي على جبهة محور العدوان، وهذا ما يُعتبر أهمّ العوامل المؤثرة في تغيير الموقف الأميركي الداعم للعدوان خصوصاً مع خشية الأميركي من تعاظم ما يمكن أن يلحق من أذىً بمصالحه في المنطقة، بل إنه يضع مصير وجوده في المنطقة على الطاولة، مستذكرين في هذا الصدد ما صرّح به سماحة السيد حسن نصرالله في حديثه عن الحرب المفتوحة بلا ضوابط وبلا أسقف في حال اقتضت المصلحة الوطنية ذلك، والتصاعد النوعي في عمليات المحور يحمل رسائل إلى الأميركي تؤكد جدية المطلب بوقف العدوان على غزّة ورفع الحصار وتشير إلى الفشل الأميركي في احتواء الموقف، إضافةً إلى ضعف الموقف الأميركي إزاء رأي عالمي يرفض ويستنكر المجازر والجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
ـ الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني والتفافه حول المقاومة الباسلة التي أبدت بطولةً منقطعة النظير في مواجهة العدوان، إضافة إلى فشل «كي الوعي» وهو استراتيجية صهيونيه تعتمد على إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالأرواح والممتلكات الفلسطينية لتعزيز الردع والهيمنة الصهيونية وتحميل المقاومة مسؤولية المجازر التي يرتكبها الاحتلال، وهنا برز الوعي الفلسطيني في أبهى صوره وأعظم معانيه هذا الوعي الذي أذهل العالم مبيّناً زيف ودجل السردية الصهيونية حول ما يجري من أحداث، وإدراك الفلسطينيين أنّ مهر فلسطين غالٍ وهم مستعدون لبذل الدماء والأرواح رخيصةً كرمى عيون الوطن وتحريره من الاحتلال المسؤول الأول والأخير عن كلّ ما يحدث من جرائم، فالجزائر قدّمت (1،5) مليون شهيد ثمناً للاستقلال أي (637) شهيد يومياً، والاتحاد السوفياتي قدم (20) مليون شهيد في مواجهة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، في حين أنّ موضوع الخسائر البشرية شديد الحساسية بالنسبة للكيان فالمستوطنون ليسوا مستعدين لتحمّل أكلاف العدوان على غزة، ومع ارتفاع فاتورة الخسائر البشرية عندهم سيضغطون أكثر بإتجاه وقف العدوان.
ـ الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي مُني بها اقتصاد الكيان نتيجة استمرار العدوان، ففي تقرير أصدرته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية، الخميس (9 أيار/ مايو الماضي)، أكدت أن خسائر اقتصاد الكيان من جراء الحرب الدائرة منذ (7) أشهر بلغت قرابة (16 مليار دولار)، حيث كلفت الحرب منذ 7 أكتوبر الماضي حتى نهاية مارس 2024 أكثر من 73 مليار دولار، إضافة إلى تكلفة إجلاء نحو 250 ألف مستوطن من منازلهم 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم – كلف إيواؤهم (1.8 مليار دولار)، إضافة إلى (405) ملايين دولار حجم أضرار مباني ومنشآت مستوطنات «غلاف غزة». (3.35) مليارات دولار قيمة الأضرار غير المباشرة والتعويضات للمتضررين في مستوطنات الغلاف والنقب الغربي. تضرّر أكثر من 500 منشأة في شمالي الأراضي المحتلة، من جراء صواريخ حزب الله تقدّر بـ (450) مليون دولار. (6) مليارات دولار خصصت كتعويضات للمدنيين المصابين.. وهذا غيض من فيض لا يتسع المجال لذكره واستمرار الحرب لفترة أطول سيضع الكيان في مواجهة أزمة اقتصادية كارثية وحادة يصعب الخروج منها أو تحمّل تداعياتها.
ـ رغبة المهجرين في شمال الكيان وجنوبه والذين تمّ إخلاؤهم من مناطق الكيان المحاذية لقطاع غزة وجنوب لبنان بالعودة إلى منازلهم والاستقرار وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، الجدير بالذكر أنّ عملية طوفان الأقصى أسهمت في ارتفاع عدد المهاجرين اليهود بشكل عكسي من الكيان، فقد غادر حوالي (300) ألف منذ تشرين الأول الماضي حتى أيار الماضي.
مما سبق نستطيع أن نقول مطمئنين إنّ الأسباب التي تدفع كيان الاحتلال باتجاه الاستمرار في العدوان أرجح في الفترة الراهنة حيث أنّ وقف العدوان هزيمة كبرى لا يستطيع الكيان تحمّل نتائجها بعد أن مرغ الطوفان أنفه في الوحل، فالتاريخ علمنا أنّ قدر جميع حركات التحرر هو الانتصار ونهاية المشروع الصهيوني الذي بدأ في التآكل مسألة وقت ليس أكثر…