هل كان اغتيال القائد هنية كميناً محكماً لضرب المنشآت النووية الإيرانية؟
د. إبراهيم العرب
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن اقتراب إيران من امتلاك القنبلة النووية، فوزير الخارجية الأميركي اليهودي الصهيوني أنتوني بلينكن، صرّح منذ شهر تقريباً بأنّ إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من تصنيع أول قنبلة نووية لها، ثم في ما بعد قام الإسرائيليون باغتيال رئيس مكتب حماس القائد اسماعيل هنية، في طهران بالذات، وليس في قطر ولا تركيا، ما يدفعنا للتساؤل عمّا إذا كان الاغتيال توريطاً إسرائيلياً للجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب إقليمية، وكميناً محكماً لتطويقها والقضاء على برنامجها النووي؟
فلنعد للتاريخ قليلاً، إنّ القائد اسماعيل هنية مقيم في قطر منذ حوالي عشر سنوات تقريباً، والأذرع الاستخبارية الإسرائيلية أنشط بكثير جداً هناك، فلماذا لم يقم الموساد باغتياله في محل إقامته في الدوحة، أو في الطائرة التي تقلّه إلى تركيا أو حتى إيران؟
نتذكر أنه عندما حاولت باكستان امتلاك أول قنبلة نووية حرّضت “إسرائيل” الهند على ضربها، وحشدت الأخيرة قواها العسكرية عام 1986 على الحدود لشن هجوم عسكري عليها، ولكن أبو القنبلة النووية الباكستانية د. عبد القدير خان أوْحى لهم أن إسلام آباد قد تمكنت من صنع أول قنبلة نووية لها، وأنها قادرة على ضرب نيودلهي في ثوانٍ، فتراجعت الأخيرة عن اجتياحها، وتمكنت باكستان من المضيّ قدماً في امتلاك السلاح النووي في شهر أيلول من العام نفسه.
أما اليوم، فهنالك مجموعة من البكّائين المتزلّفين المسترزقين الصهاينة، قد هالهم الغضب والحنق عند سماعهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن إيران لديها القدرة على امتلاك القنبلة النووية ورفع تخصيب اليورانيوم إلى 90 بالمئة المعدّة للاستخدام العسكري، في غضون أسبوعين.
وحينها وصل صراخهم وعويلهم وعجيجهم إلى أقاصي الأرض وأعاليها، ولكن لأخذ العلم فإن تهديد نتنياهو بضرب المشروع النووي الإيراني قد فضح مخطط الصهاينة، وقد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة في حال ضربت طائراته المنشآت النووية الإيرانية، لا سيما بعدما سمعنا أن أميركا المتآمرة قد زوّدتها بصواريخ قادرة على خرق الحصون والأنفاق التي تتواجد فيها تلك المنشآت.
والمفارقة الوحيدة أن الولايات المتحدة تزعم بأنها تسعى للتهدئة، فيما كانت هي المحرّض المباشر على المشروع النووي الإيراني من خلال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، ومن خلال مشاركتها معلومات استخبارية عن مكان ضيافة هنية، وتفاصيل دقيقة ما كانت لتمتلكها في ظل خوضها معارك غزة، لولا المساعدة الأميركية.
ولكن إيران الفريدة في مقاومتها، تدرك أن هنالك مؤامرة معدّة سلفاً في مواجهتها، وأن كميناً محكماً قد أحيط بها، ولكن شهامتها الإسلامية وإبائها لا ينام على ضيم، لذا توعّدت “إسرائيل” بالرد القوي والحاسم، وبأن تجعلها تدفع الثمن.
هذا غيضٌ قليل جداً من فيض الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تتحسّب لكل الخفافيش المجرمين القتلة الصهاينة وأذنابهم، وتعرف كيف تحمي برنامجها النووي وتطوّره ساعة تشاء، فالحروب مع الأعداء الصهاينة لم يزدها إلا قوة وثباتاً وتصميماً على الانتصار، ونحن مطمئنون بإذن الله أنها ستنتصر، وأن زمن هزائم الكيان الغاصب لدول الجوار قد ولّى إلى غير رجعة، وأن الانتصارات في كل الساحات الموحّدة باتت تشكّل الرد الوحيد على مؤامرات هذا العدو الغاشم، وعلى صراخ وعويل من يقف وراءه ويدعمه.
ويكفينا ما رآه العالم أجمع من محارق صهيونية لا مثيل لها في التاريخ، فاقت محارق هتلر النازي المزعومة، وأين كان اليهود الصهاينة قبل ست وسبعين عاماً، ألم يكونوا في أميركا وأوروبا وبالأخص دول أوروبا الشرقية؟ فكيف يسمح المجتمع الدولي لهم بأن يصولوا ويجولوا ويهددوا الشرق الأوسط برمّته، بالاستناد إلى نصوص توراتية مزيّفة، فمن سمح بأن يحدث هذا الإجرام الممنهج؟ وأن يتم تجاوز نصوص القانون الدولي وتهدّد المنظمات الأممية وتصنّف بالإرهاب؟
ولنلاحظ كيف أن إيران اليوم تسعى لمواجهة دولة الشرّ الإسرائيلية، التي يُلاحق رؤساؤها وقادتها من مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، القاضي كريم خان، المُطالِب بإصدار مذكرات اعتقال لهم. ونحن هنا، يجب أن نفهم أن إيران تنشد العدالة الدولية، التي تخشى المحكمة الجنائية الدولية من تحقيقها، نتيجة التهديدات الأميركية العلنية التي تتعرّض لها، والتي فضحت حجم التآمر على فلسطين وغزة ودول الجوار، باعتراف علني من أكبر رئيس أقوى دولة في العالم، هو جو بايدن، بأنه صهيوني ويفتخر بذلك.
وختاماً، ثمّة جملة حقائق مغيّبة يجب على الصهاينة الانتباه لها، وهي أن إيران قوة إقليمية كبرى، وأهم الكيانات الإقليمية المؤثرة في الشرق الأوسط، وبالتالي فلن تستطيع “إسرائيل” أن تنال من مكانتها وحضورها على الساحة الشرق أوسطية، في حين أنّ “إسرائيل” اليوم منكفئة على ذاتها، ولا يفعل رئيس حكومتها شيئاً سوى التذمّر والشكوى من المعارضة ووزير حربه يوآف غالانت ورئيس أركانه العسكري وعائلات الأسرى، ويضع كامل بيضه في سلة الرئيس الأميركي الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي إنْ خسر في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، ستنهار الدولة الإسرائيلية وحكومتها، لا سيما بعدما بتنا نسمع للمرة الأولى أنّ “إسرائيل” مهدّدة بحرب داخلية نتيجة تراكمات وتداعيات كثيرة.
وفي النهاية، إن إيران اليوم أمام تحدّيات جسام، ولكننا على ثقة بأنها ستجتازها بإذن الله، وستنتصر على الإسرائيلي كما انتصرت دوماً على الحصار الأميركي، وستحقق الإنجازات المبهرة للأمة جمعاء، مؤمنين بقوله تعالى: “ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين”.