أولى

الحرب الإقليميّة وقعت… هل تتحوّل حرباً شاملة؟

 د. عصام نعمان*

الجماهير في عالم العرب تتلهّف إلى تسديد ضربة ثأرية قاصمة لـِ «إسرائيل» لاغتيالها القائد المجاهد فؤاد شُكر في ضاحية بيروت الجنوبية وبعده بسبع ساعات القائد المجاهد إسماعيل هنية في قلب طهران.
الأمين العام لحزب الله في لبنان السيد حسن نصرالله تعهّد وأكّد أنّ المقاومة «ستردّ حتماً بغضبٍ وعقلٍ وحكمة». المرشد الأعلى السيد علي خامنئي وقائد الحرس الثوري في إيران اللواء حسين سلامة تعهّدا بتسديد ضربة قاصمة تجعل مجرمي «إسرائيل» يندمون على فعلتهم النكراء. الى ذلك، سرّب قادة في قوى المقاومة العراقية أنّ طهران دعت أطراف محور المقاومة الى عقد اجتماع لإقامة غرفة عمليات موحّدة وآليّة متفق عليها للردّ بفعالية على «إسرائيل».
في المقابل، تبدو «إسرائيل» في شلل كامل وقلق شديد وهي تترقب الضربات الثأرية من أطراف محور المقاومة. منذ ثلاثة أيام ينام الإسرائيليون في الملاجئ إتقاءً من النار والدمار. مع ذلك، أظهرت غالبيتهم ابتهاجاً بنجاح عمليتي الاغتيال وإن كانت لا تكفّ عن المطالبة بعقد اتفاقٍ مع حماس لتبادل إطلاق الأسرى.
يحذّر كثيرون في الشرق والغرب من مغبّة تطوير الردود الثأرية المتبادلة بين العرب المقاومين واليهود الصهاينة الى حرب إقليمية، والحال أنّ الحرب الإقليمية وقعت فعلاً مذّ ردّت «إسرائيل» بوحشيّة شديدة على طوفان الأقصى الذي فاجأتها به حماس فجر 7 تشرين الاول/ أكتوبر 2023. ألا تكون الحرب إقليمية عندما تشارك فيها أطراف عدّة في الإقليم: «إسرائيل»، فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة، حزب الله في لبنان، أنصار الله في اليمن، فصائل المقاومة في العراق، وإيران منذ 14 نيسان/ إبريل الماضي ردّاً على قيام «إسرائيل» بتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد اللواء زاهدي ورفاقه، ناهيك عن الدور السياسي والعسكري الفاعل في الإقليم الذي تلعبه الولايات المتحدة دعماً للكيان الصهيوني ضد قوى المقاومة في دول الجوار العربية؟
كلّ هذه الواقعات والتطورات والملابسات تطرح سؤالين:
ـ لماذا قامت «إسرائيل» باغتيال كبير قادة المقاومة الإسلامية على مقربة من عاصمة لبنان، ثمّ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران؟
ـ هل تتحوّل الحرب الإقليمية الراهنة حرباً شاملة في المستقبل القريب؟
بنيامين نتنياهو ليس غبياً. هو يدرك أنّ التجرّؤ على اغتيال قائد كبير في المقاومة الإسلامية في ضاحية بيروت الجنوبية ورئيس حركة حماس في قلب طهران يشكّل كلّ منهما تحدّياً سافراً واستفزازاً شديداً لحزب الله وحماس وإيران ما يستوجب ردّاً حتمياً، فلماذا أقدم على ارتكاب هاتين الجريمتين المدوّيتين؟
في الجواب عن هذا السؤال يقتضي أن نضع في الحسبان حقيقتين: الأولى أنّ نتنياهو يعتقد، إرثاً من أبيه، أنّ «أرض إسرائيل» توجد توراتياً على ضفتي نهر الأردن الأمر الذي يجعله صهيونياً عنصرياً متعصّباً متعطشاً الى سفك دماء المقاومين الفلسطينيين شأن وزيريه إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. الثانية أنه كان قبل أيام معدودة في زيارة لواشنطن وانه تلقّى هناك تأييداً جارفاً في الكونغرس من أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري. كما تردّد أنه أجرى مقابلات عدّة مع قياديين نافذين، بينهم أركان الدولة العميقة، ايّ القادة في كلٍّ من هيئة الأركان المشتركة ووكالة الاستخبارات المركزية «سي أي آي» وأعمدة الرأسمالية الأميركية في وول ستريت.
يبدو أنه استنتج من مقابلاته تلك أنه، في فترة انشغال القادة السياسيين الأميركيين بالانتخابات الرئاسية الى مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يكون القرار في أيدي أركان الدولة العميقة الذين يعتبرون «إسرائيل» امتداداً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالتالي قاعدتها وأداتها في حماية مصالحها في الإقليم ما شجّعه على الإقدام على اغتيال القائدين شُكر وهنية، مطمئناً الى انّ الدولة العميقة في واشنطن ستغطي فعلته النكراء، ولن تتوانَى عن المشاركة في دعم «إسرائيل» وحمايتها اذا اقتضى الأمر.
هذا التحليل يعود بنا الى ما يمكن أن يكون عليه ردّ أطراف محور المقاومة، منفردين او مجتمعين، على فعلة نتنياهو النكراء. ذلك أن رئيس وزراء «إسرائيل» سيقرّر حجم ردّه وفعاليته في ضوء ردّ محور المقاومة المرتقَب. لعله سيكتفي بردٍّ محدود نسبياً اذا وجد أن ردّ اطراف محور المقاومة، منفردين او مجتمعين، ممكن تحمّله بلا تداعيات مؤلمة لاحقة. أما إذا جاء ردّ محور المقاومة عنيفاً ومزلزلاً، فلا أعتقد أنه سيقوم بردٍّ أعنف وأشدّ فعالية، خصوصاً في مواجهة إيران، إلاّ اذا كان قد حصل مسبقاً على ضمانةٍ من الولايات المتحدة بأنها ستهرع إلى نجدته حتى لو اقتضى الأمر تورّطاً منها في حربٍ سافرة مع إيران.
إنّ تورّط أو توريط الولايات المتحدة في حربٍ مع إيران في وقت تقف شعوب عالمي العرب والمسلمين مع الشعب الفلسطيني بشكل صارخ مسألة بالغة الصعوبة والتعقيد. لذا فإنّ نتنياهو يسعى جاهداً الى استئخار تحويل حربه المحتدمة حاليّاً الى أخرى شاملة بكلّ الوسائل الممكنة، أقلّه الى ما بعد انتهاء معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، مؤمّلاً بأن يمنحه فوز ترامب (؟) بعدها هامشاً أوسع من حرية العمل والمناورة. أما إذا كانت لديه ضمانة موثوقة من الدولة العميقة في واشنطن بأنها ستكون إلى جانبه في حال تدحرجت الحرب الإقليمية الراهنة الى حرب مفتوحة أو شاملة، فإنّ نتنياهو لن يتورّع عن الردّ بقوة وقسوة على أطراف محور المقاومة، خصوصاً على إيران، مؤملاً بأن تكون هذه هي فرصته المنشودة للقضاء على ركائز البرنامج النووي الإيراني الذي تشيع «إسرائيل» بأنّ طهران بات لديها بفضله من اليورانيوم المخصب ما يمكّنها من صنع قنبلة نووية خلال أسبوعين.
أطراف محور المقاومة، خصوصاً إيران، غير غافلة بطبيعة الحال عما ينتويه نتنياهو، لا سيما بما يتعلّق ببرنامج إيران النووي. وهي، أيّ إيران، وانْ كانت غير راغبة في انزلاق الإقليم الى حرب شاملة، إلاّ أنّها مستعدة لمواجهتها اذا ما ركب نتنياهو رأسه وقرّر ارتكاب حماقته. ذلك أنّ لديها، كما لدى أطراف محور المقاومة، من الصواريخ والمُسيّرات والمقذوفات المدمّرة ما هو كافٍ للردّ على حماقة نتنياهو وتدمير منطقة غوش دان حيث يحتشد ما لا يقلّ عن 40 في المئة من «إسرائيل» سكاناً وعمراناً وصناعةً وزراعةً وتجارة وموانئ ومطارات وقواعد عسكرية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ لدى أطراف محور المقاومة من الموارد والأسلحة بمختلف أنواعها ناهيك عن الإرادة والنَفَس الطويل ما يمكّنها من شنّ حرب استنزاف مديدة وكفيلة بإرهاق كيان الإحتلال حتى حدود الزوال.
ترى، هل اقترب موعد تحقيق نبوءة أشياخ اليهود بأنّ عمر دولة «إسرائيل» الثالثة لن يبلغ الثمانين؟
* نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى