«عقلانية» المقاومة في إدارة المعركة
نمر أبي ديب
طرح التغيير المفاجئ في أساس الموقف الأميركي أكثر من علامة استفهام عسكرية وتساؤل، تمحور حول ما تمّ الاتفاق عليه في واشنطن أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أميركا، يذكر أنها ليست المرة الأولى، التي تخوض فيها الولايات المتحدة الأميركية مشاريع شرق أوسطية كبرى، وتعمل على تمريرها في السياسة، ونخص هنا بالذكر «صفقة القرن» التي عملت على دعمها وأيضاً على إسنادها في مراحل لاحقة بـ «قانون قيصر»، النسخة السورية من «صفقة القرن»، أيضاً من خلال الأمن العسكري وفق «فصل سابع إسرائيلي»، شهدت المنطقة ومعها العالم في بعديه الحليف والخصم لقوى المقاومة سقوطه الاستثنائي في حرب تموز 2006، ما فتح باب التساؤل الاستراتيجي على ما وراء المشهد المعلن، حول المتغيّرات السياسية وحتى العسكرية التي سمحت للولايات المتحدة الأميركية في اتخاذ قرارات عسكرية كبرى، في مراحل استثنائية، بلغ فيها الثقل الوجودي للانتشار الأميركي في المنطقة مع جملة المؤثرات الشرق أوسطية الأخرى، مراحل «اهتزاز عسكري استراتيجي»، مرفق بـ «أزمات رئاسية داخلية» وانقسامات…
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: ماذا يُبَيَّت للمنطقة؟ وأيّ مشروع «شرق أوسط جديد» يُراد تمريره، قبل نهاية ولاية الرئيس جو بايدن؟ وهل يستطيع بايدن برحيله، احتواء ما قد يترتب من مفاعيل أمنية وأخرى عسكرية، اقتصادية وسياسية داخلية وحتى خارجية على الولايات المتحدة الأميركية؟
عكست مجمل المواقف المستجدة أميركياً، استراتيجية الشراكة الميدانية والاستثمار السياسي والعسكري ضمن مشروعين.
الأول: تجديد خدمة المستعمرة «الإسرائيلية»، انطلاقاً من توفير مقومات ومكونات الأمنين «الدفاعي كما الوقائي» لكيان الاحتلال «الإسرائيلي»، وتلك عوامل بحت وجودية، تكفلها «مركزية الدور» الذي تعمل الولايات المتحدة على توفيره من خلال ممر بايدن التجاري، ومشروع المنطقة الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
ثانياً عسكرة المنطقة، المشروع الأميركي القديم الجديد وبوابة الحلم الإسرائيلي الوحيد على «عتبة الثمانين» ما يوحي ويؤشر إلى انّ إسقاط المشروع الأميركي أولوية سياسية، ذات طابع استراتيجي، وحضور عسكري، قادر بحكم الموازين العسكرية، التي أفرزها الردّ الإيراني في 13 أبريل 2024، على «إسقاط الكيان الإسرائيلي»، مع سقوط المشروع الأميركي، حيث تمّ التأكيد على حقيقة شرق أوسطية مفادها أنّ (إسرائيل بما تمثل اليوم من آلة حرب مدمرة، وعنصرية فاقدة للإنسانية) لا يمكن أن تحيا خارج غرفة الدعم الأميركي والانعاش العسكري والسياسي.
تعيش المنطقة اليوم بجميع مكوناتها السياسية ونظمها العسكرية كما الأمنية قواعد اشتباك جديدة نجح الكيان الإسرائيلي في ترجمتها ميدانياً، نتيجة اغتيالات الصف الأول، بالتالي هل ينجح محور المقاومة في كسر قواعد الاشتباك الجديدة، ذات «النكهة الأميركية»، والعودة في توازنات المنطقة «الأمنية كما العسكرية»، بمعنى آخر إلى مساحات ردع إقليمية متكافئة.
الجدير في الذكر أنّ كسر قواعد الاشتباك يتمّ من خلال مبدأ ميداني واحد، يتمحور في الشكل العسكري كما في المضمون الاستراتيجي، حول تثبيت «معادلات التكافؤ» الأمني حتى العسكري في بعده البري والبحري والجوي، على مستوى جوهر النتيجة إن لم يكن في شكل الضربة كما في حرفيتها، ومفاعيلها السياسية والاستراتيجية.
ما تقدّم ساهم من حيث القراءة الميدانية لواقع المنطقة السياسي والاقتصادي وحتى العسكري في الإضاءة على جملة مسلمات عسكرية من بينها: أولويات المقاومة على امتداد المحور، بعد اعتداء (طهران، والضاحية الجنوبية لبيروت)، لم تتغيّر، أو تتعرّض لأيّ تعديل في إطارها النهائي، انطلاقاً من ترجمة ميدانية ذات نشاط وحضور استثنائي، لردّ عسكري قاسٍ وحتميّ، على اغتيال القائدين اسماعيل هنية وفؤاد شكر، ردّ يتناسب من حيث القيمة الزمنية لعملية الردّ، وأيضاً من حيث النمط أو الأسلوب العسكري المستخدم مع الخطة الشاملة، مع استراتيجية إسقاط المشروع كما المشاريع الأميركي المعدة للمنطقة.
«العقلانية الميدانية في إدارة المعارك العسكرية»، تحت سقف الأولويات المتحكمة بمسار ومصير صراع الوجود مع «إسرائيل»، والهيمنة الأميركية، علامة فارقة في نظام الحروب الحديثة، ومصطلح تكتيكي استراتيجي، عكس من زوايا مختلفة، حجم التمكن الميداني، كما القراءات السياسية لمتدرجات المشهد العسكري، وأطره التكتيكية التي نجحت في الاختبار أول أثناء «حرب تموز 2006» أيضاً الاختبار الثاني في الحرب العالمية التي استهدفت سورية، والاختبار ثالث في حرب غزة ومتدرجات الساحة الفلسطينية العسكرية والسياسية التي سمحت بوصول القائد يحيى السنوار، إلى رئاسة حماس ومكتبها السياسي، ما يؤكد من جهة أخرى على حقيقة ميدانية ثابتة مفادها: «المؤامرات العالمية الغربية على وجه التحديد مستمرة، وقوى الصمود متوفرة»، والمنطق العسكري يقول ويؤكد «تعاظمها الاستراتيجي» في مراحل أقلّ ما يُقال فيها «وجودية».
«الرد العسكري قادم وحتمي»، المقاومة جاهزة، والجميع يترقب، بمن فيهم الروسي كما الصيني، خطوة «إسرائيل» التالية… السؤال هل تسارع الأحداث يقود بشكل مباشر إلى حرب إقليمية كبرى؟ وهل تُفَعِّل المقاومة في المراحل المقبلة «منظومة اللا ضوابط عسكرية»؟
ما هو أكيد حتى اللحظة، أنه مع حلول «الحرب الكبرى» لن يتسنّى لكيان الاحتلال الإسرائيلي، فرصة الندم على جرائمه».