مقالات وآراء

السنوار… من زنازين الاحتلال إلى سدة الرئاسة

 وفاء بهاني

سيأتي اليوم الذي ستقف فيه أمامي أسيراً وأستجوبك في غرفة التحقيق. بتلك الكلمات القصار خاطب الأسير يحيى السنوار سجانه ضابط الموساد الذي استجوبه. حينها ضحك المحقق هازئاً من كلام السنوار الذي أمضى 23 عاماً في سجون الاحتلال ليخرج بعدها منتصراً. لم تزده سنوات السجن إلا عزماً وإصراراً وثباتاً أذهل العدو والصديق.
فالأسير المحرًر الذي قاد مسيرة تحرير فلسطين هو نفسه مهندس عملية السابع من أكتوبر التي أذلّت (الجيش الذي لا يُقهر) وحفرت في ذاكرة مستوطنيه صورة الهزيمة والزوال الحتمي.
وكما شكلت عملية السابع من اكتوبر صدمة للعالم أجمع، أحدث خبر تعيين يحيى السنوار زعيماً لحركة حماس وقائداً خلفاً للشهيد القائد إسماعيل هنية، شكلت صدمة كبيرة لدى البعض وسروراً لدى آخرين. الأحرار يدركون جيداً دهاء وذكاء السنوار في إدارة المعارك، ويعلمون مدى قدرته على تحمّل المسؤولية بفعالية، بعد أن تمّ تداول العديد من الأسماء من قبل المحللين العالميين والعرب، جاءت حركة حماس لتفاجئ الجميع بتعيين السنوار.
وجاء اختيار السنوار لهذا المنصب تلبية لمتطلبات المرحلة الحالية التي تمر بها الحركة، كما صرح المتحدث باسم الحركة، أسامة حمدان، فقد كان السنوار جزءاً من المفاوضات مع الكيان الصهيوني، ولكن في ظلّ استمرار حرب الإبادة التي يقودها الكيان ضد المدنيين في غزة، لم يعد هناك مجال للصفقات والتفاوض. المرحلة الحالية تتطلب قائداً يعرف كيف يدير المعركة بشكل مباشر ويحقق خسائر ملموسة للكيان الصهيوني، حيث أن هذا الكيان لا يفهم سوى لغة القوة والسلاح.
اختيار السنوار لم يكن موجهاً نحو المرونة أو المسايرة، بل كان مفاجئاً نظراً لأنّ السنوار قضى معظم حياته في سجون الأعداء وداخل الأنفاق، حيث كان يخطط ويعدّ، خلافاً لمن تولّوا هذا المنصب في السابق، الذي كان يتطلب خبرة في الشؤون الخارجية وبناء العلاقات، جاء اختيار السنوار ليشكل مفاجأة للجميع.
على الرغم من أنّ السنوار قضى 23 عاماً في السجون قبل أن يخرج في صفقة تبادل، فقد أظهر براعة أمنية ملحوظة، حيث أسّس جهاز «مجد» للأمن العام ، وتمّ انتخابه رئيساً لحركة حماس في عام 2017. تحت قيادته، استعادت الحركة قوتها وزادت من وزنها العسكري، مما جعله يبرز كقائد محوري في حركة المقاومة. كان أيضاً العقل المدبر لعملية «طوفان الأقصى» التي بدأت في 7 أكتوبر، وهي عملية ستظلّ إحدى العلامات البارزة في تاريخ المقاومة.
مع الأحداث المتسارعة التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، والتي تميّزت بالحدة والقوة بالنسبة للمقاومة، كانت القيادة غير المباشرة تقع على عاتق السنوار، الذي كان يدير المعركة على الأرض. في الوقت نفسه، كان هنية يتولى المسؤولية على رأس المكتب، لكن عمليات التفاوض التي كان يقوم بها الشهيد هنية لم تعنِ انفراده بالرأي، بل كان كل قرار كبير وصغير يرجع فيه إلى السنوار. ولكن وجود هنية في هذا المنصب، الذي كان يعتمد على المرونة في التفاوض، قد جعل طاولة الحوار تميل لصالح الجانب الفلسطيني.
الآن، ومع تعيين السنوار رئيساً للحركة، الذي يمتلك الخبرة اللازمة بالنسبة لوضع غزة وفي الصراعات الداخلية للكيان الصهيوني، أصبح في مواجهة مباشرة مع نتنياهو. هذه المواجهة تجعل الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة للكيان، لأنّ السنوار يختلف بشكل جذري عن سابقيه. ولكن ذلك لا يعني أنّ السنوار سيعتمد فقط على القوة والبطش، لأنه سياسي وعسكري محنك قد يلجأ إلى استخدام المرونة في بعض الحالات لتحسين الوضع الإنساني في غزة وتعزيز الانقسام داخل الكيان الصهيوني، مما سيزيد من الضغط على نتنياهو ويزيد من الفوضى والانقسام.
منذ إعلان النبأ، شهد الجانب الصهيوني حالة من التخبّط، إذ يعتبرون أنّ السنوار متشدّد في ردوده. ومن المتوقع أن تشهد الأيام أو حتى الشهور المقبلة صراعات عسكرية كبيرة في غزة، وقد تمتدّ إلى مستوطنات غلاف غزة. الكيان الصهيوني يدرك الآن أنه يواجه تحدياً أصعب من السابق، وهو بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجياته وتشكيل خطط جديدة لمواجهة الأسد الجديد.
اختيار السنوار في هذا التوقيت، على الرغم من تداول أسماء عديدة قبله، كان مفاجأة كبيرة في حدّ ذاته، وأيضاً كان تأكيداً على بقائه على قيد الحياة، خلافاً لما زعمه الكيان. هذا التعيين لاقى ترحيباً من كلّ من إيران وفصائل المقاومة، وهو رسالة قوية بأنّ الأهداف التي كانت تسعى إليها الصهيونية من خلال سلسلة الاغتيالات، مثل تقويض الروح المعنوية، لم تحقق النجاح المنشود. هذا القائد الفذ الذي ألحق بالكيان الصهيوني أضراراً في السابع من أكتوبر سيواصل تحقيق إنجازات جديدة تخلَّد في تاريخ المقاومة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى