النظرية الأميركية بالعودة الى ما قبل 7 أكتوبر
ناصر قنديل
عندما شنّت أميركا حربها ضد سورية وفشلت في تحقيق أهدافها، وبعد مرور سبع سنوات على بدء الحرب، اضطرت للاعتراف بأن إسقاط سورية أو تقسيمها أصيبا بالفشل، وأن الدولة السورية نجحت مع حلفائها بإحباط المشروع الذي قادته واشنطن، لكن هذا الاعتراف لم يدفع بواشنطن بالانفتاح على الحل السياسي مع الدولة السورية، بل لمزيد من الضغوط بهدف إضعافها، سواء عبر العقوبات التي بلغت ذروتها مع قانون قيصر، أو عبر تشجيع جماعات إرهابية مسلحة على مواصلة العمل ضد الدولة السورية، أو تقديم الحماية والرعاية للجماعات الكردية المسلحة لإقامة مشروع دويلة في شمال شرق سورية، أو الضغط على تركيا لفرملة الاندفاع نحو مصالحة تلبي شروط سورية بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، أو الضغط على الدول العربية لمنعها من الانفتاح على الدولة السورية، ولكنها تمسكت بصورة خاصة ببقاء قواتها في سورية، ونهب ثروات النفط السوري لحساب قواتها المحتلة.
أميركا في سورية ليست لمشروع يخص سورية فقط، بل لخدمة مشروع يخص موقع سورية في الجغرافيا السياسية والعسكرية والاقتصادية الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق يتشكل مفهوم الأمن القومي الأميركي في النظر الى سورية من ثلاثة عناوين، الأول تحييد سورية عن الجغرافيا العسكرية الروسية وما تمثله القواعد الروسية على البحر المتوسط، والثاني تحييد سورية عن الجغرافيا الاقتصادية الصينية وما تمثله الجغرافيا السورية في خطة الحزام والطريق، والثالث تحييد سورية عن جغرافيا المقاومة التي تهدد أمن كيان الاحتلال وما تمثله سورية كقلعة في محور المقاومة، وإذا كان مستحيلاً ربح هذه المعارك بالقوة، أو فرض سياسات تحاكي هذه العناوين على الدولة السورية، فإن واشنطن كانت تعرض التفاوض على موسكو وطهران، تحت عنوان يضمن تحقيق أعلى نسبة ممكنة من هذه الأهداف، عبر شعار العودة إلى ما قبل عام 2011، عندما لم يكن هناك احتلال أميركي وتركي، لكن لم يكن هناك ايضاً قواعد روسية وقوات إيرانية وقوات حزب الله وقوى المقاومة، بينما كان الرد دائماً هو أن سورية دولة ذات سيادة وثمة فرق كبير بين من يحظى بوجوده بشرعية تمنحها الدولة السورية، ومن يمكن وصف قواته بالاحتلال لأنها دون موافقة الدولة ذات السيادة.
بعد طوفان الأقصى والحرب التي شنها كيان الاحتلال بدعم أميركي مطلق ومفرط، والتي استخدمت فيها الأسلحة الأميركية لارتكاب أكبر مجازر التاريخ المعاصر، وجرائم غير مسبوقة، وصلت حرب غزة الى مكان بات معه مستحيلاً تحقيق أي تغيير لصالح كيان الاحتلال عبر المزيد من القوة. فالمقاومة في غزة هي الشعب ولا بديل لها سلطوياً بإجماع أهل غزة. والمقاومة هي السلطة المقبلة وهي القوة العسكرية التي سوف تمسك بجغرافيا غزة بعدما تنتهي الحرب ولو استمرت الحرب سنوات، والأزمات المتفاقمة في الكيان بفضل جبهات الإسناد من إغلاق البحر الأحمر على السفن المتجهة الى موانئ الكيان الى تهجير مستوطني شمال فلسطين وتحوّلهم الى كرة نار بوجه حكومة الكيان، ولا حل بالقوة لهذه الأزمات، ولا حل لها ولا لقضية الأسرى إلا بوقف الحرب والتوصل إلى اتفاق في غزة طرفه الآخر هو المقاومة التي فشل الكيان في القضاء عليها.
هنا جاءت ضربات نتنياهو في بيروت وطهران لتمنح منصة عرض تفاوضي يقدّمه الأميركيون، فيستعيرون شعار العودة إلى ما قبل 2011 في سورية، ويصبح العودة الى ما قبل 7 أكتوبر في الإقليم، وما دامت حماس سوف تعود للسيطرة على غزة، كما سوف تعود الدولة السورية للسيطرة على الجغرافيا السورية كما كانت قبل 2011، فيجب أن يعود كل شيء في الإقليم الى ما قبل 7 أكتوبر، حيث لا وجود لحزب الله على الحدود الجنوبية كما هو الآن ويشترط للبحث فيه البحث بوقف الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية وانسحاب الاحتلال من الأراضي اللبنانية المحتلة، كما نص القرار 1701، وحيث لم تعد الأوضاع الى ما كانت عليه قبل 12 تموز 2006 كحد أدنى في بلدة الغجر على سبيل المثال، وقبل 7 أكتوبر لم تكن هناك عمليات على القوات الأميركية في سورية والعراق، ولا مانع من الجمع بين عودة سورية الى ما قبل 2011 وعودة الإقليم الى ما قبل 7 أكتوبر، من وجهة النظر التفاوضية الأميركية، التي تقدم اليوم كعرض بديل عن الذهاب إلى الرد على اعتداءات الكيان وسط حشود أميركية غير مسبوقة، والمخاطرة بمواجهة كبرى تخرج عن السيطرة.
جواب سورية على دعوات العودة إلى ما قبل 2011 كان من يُعيد للعائلات التي فقدت أبناءها وأرزاقها وعمرانها ما خسرته، وجواب الفلسطينيين من يُعيد لغزة من خسرتهم من البشر وما خسرته من الحجر، وهناك من يجب أن يدفع في السياسة ثمن المقامرة التي خاض غمارها وتسببت بخسائر للآخرين الذين ربحوا الحرب عليه، وإذا كان الأميركي لم يسلم بأنه خسر الحرب في سورية فعليه تحمل عمليات المقاومة على قواته ليتأكد من ذلك، وإذا كان الإسرائيلي لم يسلم بأنه خسر حرب غزة فإن عليه انتظار ما بعد ردود إيران وقوى المقاومة ليتحقق من موازين القوى.
يمكن لواشنطن وتل أبيب تفادي المنازلة من بوابة التفاوض، لكن شرط ذلك أن تسدّدا على طاولة التفاوض ثمناً موازياً لما سوف تخسرانه في الميدان إن وقعت المنازلة، ولا يبدو أن هذا هو المعروض على طاولة المفاوضات التي يدعو الأميركي إليها.