حرب غزة حسمت… والآن حرب الردع
ناصر قنديل
– منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى والحرب التي شنّها كيان الاحتلال بدعم أميركي غربي كامل رداً على الطوفان، وثمّة حربان متجاورتان تخاضان بالتوازي والتلازم والتزامن، حرب عنوانها غزة وحرب عنوانها الردع، وكان واضحاً أن حرب غزّة بالنسبة للثنائيّ الأميركيّ الإسرائيليّ قد حدّدت أهدافها بالقضاء على حركة حماس وسائر قوى المقاومة واسترداد الأسرى من غزة دون تفاوض، بينما كانت حرب الردع تدور لإثبات استرداد الكيان للمهابة التي فقدها يوم الطوفان عبر إثبات قدرته بالقضاء على المقاومة وإثبات واشنطن لقدرتها على ردع قوى محور المقاومة ومنعها من تقديم أي إسناد لغزة ومقاومتها.
– في حرب غزة وما قدّمته جبهات الإسناد ما أصبح أمراً واقعاً لا يمكن العودة به إلى الوراء، حيث تولدت حقائق لا توجد فرصة لأي خطة عسكرية أميركية إسرائيلية لإلغائها، وبداية من غزة أثبتت المقاومة قدرتها على مواصلة القتال وإلحاق الأذى الكبير بجيش الاحتلال بشرياً ومادياً وجعله عاجزاً عن التحدّث عن النصر، كما أكدت أمس رسالة كبار ضباط الميدان في جيش الاحتلال، كما أثبتت المقاومة أن القضاء عليها ذر للرماد في العيون، كما قال قبل شهر الناطق بلسان جيش الاحتلال، وبقي الأسرى بيد المقاومة وفشلت محاولات استعادتهم بالقوة، وها هي الدعوات للتفاوض لضمان إخلائهم خير دليل على الفشل.
– إضافة لحقيقة حرب غزة التي لا يمكن تعديلها، لا بالمجازر ولا بالاغتيالات، حيث لا طريق للقضاء على المقاومة ولا طريق لاستعادة الأسرى بالقوة، بل اعتراف بأن التفاوض مع المقاومة بما يعنيه من اعتراف بحضورها وقوتها، لضمان مشاركتها في عملية تبادل للأسرى لضمان إخراج أسرى الكيان، والتفاوض يتم حول شروط المقاومة بربط الإفراج عن الأسرى بتبادل يخرج فيه آلاف الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وإنهاء الحرب على غزة، وانسحاب قوات الاحتلال منها، وفك الحصار عنها. وهذه هي بنود أي سلة تفاوضية تجري من شهور، وكان أكثرها ووضوحاً ما تضمنه العرض الذي قدّمه الوسطاء لحركة حماس وقبلته في السادس من أيار الماضي، مهما جرى من محاولات لتخفيض سقف هنا أو إدخال تعديل هناك.
– حرب الردع التي خسرها كيان الاحتلال يوم الطوفان، وفشل في فرضها على جبهة لبنان، وفشل باستعادتها عبر حرب غزة، تكرّست خسارته لها في الرد الإيراني الرادع على استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق في 14 نيسان وعجز الكيان عن تحمل تبعات الردّ على الردّ، وانكشاف عجز الكيان عن امتلاك الحماية الذاتية مع ظهور حجم اعتماده على الحماية الأميركيّة، بينما فشلت أميركا في حرب الردع عندما جاءت بحاملات الطائرات بمهمة الردع، كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن، كي لا يقوم أي طرف من محور المقاومة بفتح جبهة إسناد لغزة، وكان مجرد فتح جبهات الإسناد ومواصلة عملها بتصاعد تأكيداً على الفشل الأميركي، وجاء الفشل الأميركي الأكبر في حرب الردع مع المنازلة التي خاضتها الأساطيل الأميركية مع اليمن تحت عنوان لمن اليد العليا على الملاحة في البحر الأحمر، وكانت النتيجة أن اليمن يفرض إرادته منذ تسعة شهور بتحديد مَن يعبر ومَن لا يعبر من السفن في البحر الأحمر.
– التصعيد الكبير الذي دخلته المنطقة مع عدوان الكيان على كل من لبنان وإيران باغتيال قائدين كبيرين في المقاومة، وما أعقب ذلك من حشود أميركيّة غير مسبوقة كماً ونوعاً لردع أيّ رد من إيران وقوى المقاومة، والتصدّي له اذا لم يردع أصحابه، لا يستطيع فتح البحر الأحمر أمام السفن الممنوعة، ولا إعادة المستوطنين المهجّرين من شمال فلسطين المحتلة ولا إعادة الأسرى من غزة، لكنه يأمل بالتأثير على هذه المسارات المحسوبة على حرب غزة والتي حسمت لصالح المقاومة، من خلال استعادة الردع، والتفاوض من موقع استعادة قوة الردع التي أرادت العمليات العدوانية الكبرى تشكيل أولى إشارات لاستعادتها لصالح كيان الاحتلال، وأرادت الحشود الأميركية لمنع الرد عليها تثبيت هذا الردع، والبناء عليه بردع مضاف، هو الردع الأميركي، ولو اقتضت ترجمة ذلك إثبات القدرة على صد الصواريخ والطائرات المسيّرة لكل من إيران والمقاومة.
– إيران والمقاومة على دراية كاملة بأن حرب الردع هي صاحبة الكلمة الفاصلة في تثبيت او إضعاف نتائج النصر المحقق في حرب غزة لصالح المقاومة وجبهات الإسناد، وان حرب الردع سوف تحكم بنتائجها مستقبل معادلات المنطقة، خصوصاً مستقبل الاحتلال الأميركي في سورية والعراق، ومستقبل الحل المقبل في اليمن، ومستقبل التوازنات الإقليمية المحيطة بالمنطقة والعلاقات بين القوى المؤثرة فيها، ولذلك تخوض قوى المقاومة حرب الردع بمسؤولية ودقة وشجاعة وحكمة، كما قال السيد حسن نصرالله، وهي واثقة من ربحها، سواء كانت من جولة واحدة أو من عدة جولات، وهي تستعدّ لخوض غمارها بصفتها منازلة تثبيت المنجزات وحمايتها وصولاً الى بناء معادلات إقليمية جديدة تكون لفلسطين في قلبها الأولوية.