أولى

معلوماتٌ أكيدة: قُضيَ الأمر… طهران لن تَرُد!

فاطمة جيرودية – دمشق

إيران سترُدّ….. ليسَ صحيحاً:
إنَّ من يدورُ اليوم في حلبةِ الصِّراعِ بين سؤالينِ يولِّدانِ سناريواتٍ عدّة “الرّدّ وعدم الرّد” لمَّا يدرك بعدُ السيَّاقَ الذي تجري فيه الأمور في هذه المرحلة من الصراع!
تضاربتِ الآراءُ بل الأجنداتُ الإعلامية والسياسيَّةُ والاستخبارية ربما بين “فرضيَّتين”:
ستردُّ حتماً.. ولن تردَّ طهران!
ونقول هنا: فرضيَّتين، لأن ابتعادَ الكلمة عن جوهرِ ما يحدثُ في الواقع يحوِّلُها من مُصطلحٍ دقيقٍ إلى فرضيَّةٍ مرسومةٍ على قياسِ مدِّ العينِ لما تراهُ في ظاهرِ الحدثِ الآنيِّ المحدود!
دعونا نحتفظُ في ذاكرتنا بعبارةِ “الحدث الآنيِّ المحدود”؛ فهل اغتيالُ القائد السّياسيِّ لحركة حماس في قلبِ العاصمةِ طهران والذي وصَّفه سماحةُ السيِّد حسن نصرُ الله بأنه عدوانٌ على شرفِ إيران هو حدثٌ آنيٌّ محدود؟!.. دعوا هذه إلى سياقِ المتن!
كلُّ من يقرأُ العقلَ المُدبِّرَ لمحورِ المقاومة يدركُ جيداً بعدَ هذه الواقعةِ في طهران والتي تزامنت مع اغتيالِ القائد البارزِ والكبير والذي قيلَ في قراءاتٍ بأنه الشخصيةُ الثانية في حزب الله الشهيد فؤاد شكر؛ وبعد مضيِّ كلّ هذه الأيام والأحداث على الواقعتين أنّ إيران لن تردّ، بل أكثر من ذلك إن طهران والمحور كلَّه سيكونُ مُداناً لا في عينِ عيالِ المقاومةِ فقط.. بل في عينِ التاريخِ والقانونِ أيضاً في حال ردّت إيران! فلماذا؟!
“العدوان على القنصلية.. وما بعده”؛ استدعاءٌ مهمٌّ إلى الذاكرة:
قُلنا في حادثةِ استهدافِ الصهيونيةِ للقنصليةِ الإيرانيةِ في دمشق، بأنَّ العدوَّ وقعَ في الفخ، وهذا الفخُّ ببساطة يمكن تلخيصُه بخطَّةِ “الصَّبرِ الاستراتيجيِّ” لعمقِ المحورِ “طهران ودمشق”، والتي دفعَت بالصهيونيِّ إلى أن يتورَّطَ باستهدافِ الحصانةِ الديبلوماسية لدولةٍ ذاتِ سيادةٍ على أراضي دولةٍ أخرى ذاتِ سيادة، فكانت عمليةُ “الوعدِ الصادق”، ولا نعني هنا طبعاً بأنّ دمشقَ وطهران قد أرادتا ذلك، ولكنَّهما تجنَّبتا ردَّ الفعلِ على العدواناتِ المتكررةِ والمُستفزَّةِ السابقة والذي لا يُرَصِّدُ في بنكِ الانتصارِ السياسيِّ شيئاً يُذكر في عالمٍ يعترفُ بزورِ “إسرائيل” ويتنكَّرُ لحقيقةِ فلسطين الوجودية ولكلِّ الحقوقِ الشرعية الدوليةِ التي كان ينقُصها الكثير من القوة لتُكمِلَ عُدَّةَ المواجهة، “حقُّ القويِّ مُعزَّزٌ معضودُ”، ودونَ ذلك فأيُّ حقٍّ هو عُرضةٌ لا لانتهاكِه فقط، بل لاقتلاعِه من جذوره!
القوَّةُ العسكريةُ التي أعدَّها المحور لم تكن وحدَها كفيلةً بتحقيقِ أيّة خطوةٍ في النصر، ما لم يكن عقلٌ سياسيٌّ عميقٌ يُدبِّرُ لها حضوراً سياسياً في كلِّ فرصة ليكونَ الانتصارُ مُعترفاً به في العالم الدَّولي الديبلوماسي، وهو ما نراهُ بوضوح قد تمثّلَ في هذه الواقعةِ بالذات بإدانةٍ ديبلوماسيةٍ لانتهاكِ الحصانةِ الديبلوماسية لإيران، وتأييد واسعٍ لحقِّ إيرانَ في الدِّفاع عن نفسها، وإلا لكُنَّا وجدنا أنفسنا أمام عالمٍ كانت أميركا قبيلَ انتصارِ سورية تحكمُه بعصا الجلَّاد، تدينُ فيه ما تشاءُ فيصبحُ مُحرَّماً وتُبيحُ ما تشاءُ فيصير “هكذا قال ربُّكمُ الأعلى”!!
ولكنَّ ما صاغته راحتا دمشقَ وطهران حينَها أثبتَ للعالمِ كلِّه أنَّ هذا ليس ربَّكم الأعلى بل “كبيركم الذي علَّمكم السحر”، وهكذا نُبطِلُ السحر!
رصَّدت إيرانُ ما يكفي من الإداناتِ الديبلوماسية للاعتداءِ على قنصليَّتها في دمشق من جهة والتصريحاتِ حولَ حقِّها في الدفاعِ عن نفسها من جهةٍ ثانية، مع استعدادٍ مُحكمٍ لعمليَّةٍ كانت تنتظرُ الإفراجَ عنها لتصيبَ أهدافَها العسكرية والسياسية بدقَّة، فلم تُسجِّل عمليةُ “الوعد الصادق” أهدافَها في مرمى الميدانِ العسكري لحلفِ العدوِّ فقط، بل استطاعت أن تُحكمَ قبضتها على الميدانِ السياسيِّ فتغلَّ يدَ الأميركيِّ والصهيونيِّ عن القُدرةِ على إدانةِ العمليةِ سياسياً إذ لم تستطع أميركا أن تمارسَ هوايةَ “أنا ربكمُ الأعلى” في العالم، كما غلَّتها عن القدرةِ على النجاحِ العسكريِّ في التصدي لما أُهيلَ به على الكيانِ اللقيط!
المرحلةُ التالية لا ترسُمها اغتيالاتُ حلفِ العدوِّ، إنما الرئيسُ الأسد:
مما لا شكَّ فيه أنَّ العدوَّ عقبَ عمليةِ الوعدِ الصادق ما كانَ ليجلس ويسلِّمَ ببساطِ الملكِ الذي يُسحبُ من تحتِه بهذه السهولة، وكلُّ قارئٍ لعقيدةِ العدوُّ كان يرى بوضوحٍ أنَّ العدوَّ ذاهبٌ إلى انتقالٍ نوعيٍّ في سلوكِه في هذه الحرب، وهو ما عنوَنَّا له في بحثٍ طويلٍ سابق بـ “انتقال العدو من الإجرامِ العبثيِّ إلى الإجرامِ الاستراتيجي”، فقرأنا ذهاب العدوِّ إلى سلسلةٍ من الاجتياحاتِ المبنيةِ على التدمير والمجازر وفق مخطِّط :”رفح أولاً ثم جنوب لبنان”، وضربة قوية لطهران، وهو ما لم يحدثُ حتى الآن، ومما لا شكَّ فيه أنّ قادةَ محور المقاومة يُدركون ذلك جيداً مما يستدعي بالضرورة إعدادَ العدّةِ هو الأمر الذي عملوا عليه إن لم نَقُل منذ سنوات خلال الحرب على سورية فعلى أقلِّ تقديرٍ منذ فجرِ الرابع عشر من نيسان الذي أطلقَ “الوعد الصادق”، وفي الوقتِ الذي تورَّمت فيه عنجهيةُ حلفِ العدوِّ إلى حدِّ التلويحِ باستخدامِ النووي عبر المنصَّاتِ الإعلامية “الاستخبارية” للعدوّ وهو بالتأكيد يُحضِّرُ جيداً ليومِ الاغتيالاتِ في طهرانَ ولبنان، كان الرئيسُ الأسد يجوبُ عواصمَ الخارطةِ الجديدةِ للعالم؛ بدءاً من طهران أثناء تعزيته للإمامِ الخامنئي بالقادةِ الشهداء، ووصولاً إلى موسكو أثناء “قمةِ الأسد بوتين للإطاحة بمخرجاتِ الكونغرس”، وكان يردِّدُ الأسد: “لا مكانَ للتراجع خطوة واحدة أمام هذا العدوُّ”، يتحدَّثُ الأسد بهدوء… يمرُّ ما يقولُه على كثيرين بهدوء… هدوءٍ لا يتَّسِقُ مع عظيمِ ما يعنيهِ الأسد… وينتصرُ الأسدُ بهدوء!
“لا مكان للتراجع”، مروحةٌ بين سياقينِ مهمين، المراوحة على المخطَّط مع ثباتِ تسجيلِ الانتصارِ بالنُّقاط بصورةٍ رتيبةٍ، والانقضاض المُعدّ بقوة لحظةَ تتمكَّنُ عقدةُ العظمة من حلفِ العدوِّ فتوقعه في ورطةٍ جديدة… وهنا ربحٌ بالنُّقاط نوعيٌّ وكبير وشرطُه العريض “تصريفُ المنجزِ الميداني في البنوكِ السياسية”!!
يومُ الاغتيالات… حدثٌ آنيٌّ محدود، ودماءُ شهدائنا تحيقُ بالمكرِ السيّئ:
تنسابُ المعاني المفاهيميّة إلى تحليلاتِنا السياسية رغماً عنا، لأنّ هذه المفاهيم تشكلُ القاعدةَ الأساسية لعقيدةِ المحور الميدانية والسياسية!
وفي مفاهيمنا لا يشكِّلُ استشهادُ القادة والشهداء الذين نفقدهم أمراً يحدونا إلى الاستسلام، بل نعتقدُ يقيناً أنّ الاستشهاد استحقاق، استحقاقٌ لا يعني الشهيدَ فقط، بل يعني كلّ جبهاتنا؛ لذا نجدُ قادتنا يحتفظون لديهم بدم الشهداء.. يعيدون صياغته ليُحققَ في العدوِّ مقتلاً، يلتقطونَ جثمانَ الشهيد، يضربون به عدوَّ الله وعدوَّنا، يجيدون ببراعة تجسيد “أحياءٌ عند ربِّهم يرزقون”، حتى ليكادَ العدوُّ يتمنى لو أنهم ما زالوا على الأرض يقاتلونَه، بدلاً من أن يتحوّلوا سلاحاً يقاتلهم به قادة المحور والمكملون الدّربَ من بعدهم.. إنهم يشعرون حقاً ويجب أن يدركوا جيداً كيف أن كلَّ شهدائنا أحياء… يُرزقونَ ثوابَ استعمالِ الله إياهم في القتال حتى بعدَ هذا الانتقال إلى عالمٍ آخر.. بل إنّ القتالَ بهم بعد استشهادهم يكون آلمَ على العدوِّ مما كان عليه أثناءَ حضورِهم العينيِّ في الدنيا.. إنهم هناك أكثر حياةً مما هم عليه هنا… ويُرزقون!!
فكيفَ أدارَ المحور يومَ الاغتيالات كي يكون آنياً محدوداً بالنسبةِ للعدوِّ، واستراتيجياً يُبنى عليه على طريقِ ديمومةِ الانتصار لمحورنا؟!
نعم لقد اغتالَ العدوّ رموزاً في المقاومة، وتطاولَ على الشرفِ الإيرانيِّ، وهو تعبيرٌ سنأتي على تفنيدِ بعضِه في السياقِ الآتي، وظنَّ العدوُّ أنه سيحققُ بذلك ما سيزعزعُ قدرةَ المحورِ على الاستمرار بدءاً من القادة وصولاً إلى المقاتلين على الأرض وبينهما عيالُ المقاومة.
فكيف خيَّبَ المحورُ للحلفِ المعادي “آمالَه العريضات”؟:
استشهدَ هنية… فطلعَ السِّنوار من دهاليزِ الأنفاقِ في غزَّة المُحاصَرة التي تُلحقُ الهزائمَ بالعدو ليلَ نهار إلى طاولاتِ العالمِ السياسيِّ، والجندي حينَ يفاوض يضعُ مسدسَّه على الطاولة.. مع يحيى السنوار.. قد نجدُ عبوة العملِ الفدائي أو الياسين 105 أو شواظ على الطاولة نيابةً عن المُسدَّسِ التقليدي! ولات ساعةَ مندمِ أيها العدوُّ الأحمق!
واستشهدَ القائدُ الكبير فؤاد شكر الذي كان ضالعاً ومخططاً ومؤسّساً للمواجهة مع العدوُّ طوال حياتِه، وفي هذه المرحلة منذ السابعِ من أكتوبر كما قال سماحةُ السَّيِّدِ في خطابِ تأبينِه الأسبوعي.. لتنهمرَ أنواعُ العتادِ النَّوعيِّ على بنوكِ حزب اللَّه آتية من كلِّ عاصمةٍ تتحيَّنُ ضربَ أميركا في مقتل.. ولعلَّ تصريحَ الرئيس بوتين بإمدادِ كلّ من يقاتل أميركا بالسلاح يُنعشُ بعضَ الذاكرة إن لم نَقُل يجبُ أن نراجعَ صورَ الرئيسين بوتين وكيم جونغ أون وهما يضحكانِ معاً بصورةٍ قرأها حتى روادُ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي بعمقٍ عبّروا عنه بفكاهاتٍ كثيرة!
غيرَ أن الحزبَ حقيقةً لا يحتاجُ إلى مزيدٍ من السلاح.. فليسَ حصولُه عليه هو ما خيَّبَ آمال العدوِّ في عمليتِه الإجرامية.. بل هذه واحدةٌ ستفصحُ عنها “الأيامُ والليالي والميدان”.
أرادَ العدوُّ أن يعيدَ شبحَ الجبروتِ الصهيوأميركيِّ إلى أذهانِ العالم، فلم تستمرَّ غزة وجبهاتُ الإسنادِ بعملياتِها فقط.. بل خرجَ أهل الجزيرةِ السورية بجلابيبهمُ العربية وعتادِهمُ البسيط حتى الآن يهاجمونَ جيشَ أميركا القسَديِّ يحررون القُرى ويطردونَ العميل بالتوازي مع استهدافِ المقاومةِ العراقية للأميركي الأصيل وما خفي وأعِدَّ أعظمُ وأعمق!!
أرادَ العدوُّ أن يعيدَ حلفاءه العرب إلى قبضتِه التي كانت تُحكمُ عليهم من خلالِ إعادةِ صورةِ الطاغيةِ القادر على كلِّ ما يريد، فوجدهم بغالبيَّتهمُ العظمى والساحقة يدينونَ الجريمة ويستنكرونَها، ما يعني أنّ الثقةَ بانتصار المحورِ على الحلفِ تتعاظمُ حتى عندِ العربِ الذين كانوا حلفاءَ الأميركي لعقود، وأنّ هذه الثقة لا تُبنى على مجرَّدِ مراقبةِ المشهد من خارجِ الطوق في انتظار من سيربحُ أخيراً.. واللَّبيبُ من الإشارةِ يفهم!
تغطَّى العدوُّ الأميركي شهوراً وراءَ تصريحاتٍ ديبلوماسية أوقعت بالكثيرين في فخِّ أن الأميركيَّ يبحثُ عن مخرج ولا يريدُ الضلوعَ في الحربِ أكثر، وأن نتنياهو هو الذي يجبرُ ويجرُّ أميركا نحو ما لا تريدُه ولا تحمدُ عُقباه.. وإذا به فجأة “أي الأميركي” يؤيِّدُ بحمقٍ سلوكَ الكيانِ الغبي، ويزجُّ بحواملِ طائراتِه وترساناتِه نحوَ منطقتنا في إعلانٍ عريضٍ وواضحٍ وصريح باسمِ الغربِ الاستعماري عن تأييد “إسرائيل” في كلِّ ما تفعل وستفعل، واستعدادٍ معها لخوضِ كلِّ المواجهاتِ حتى النهاية مع شيك على بياض في السلاحِ والمالِ والسياسة!
والآن بدا واضحاً لكلِّ العالم أنَّ أميركا ضالعةٌ في كلٍّ جريمةٍ تمَّ ارتكابُها.. بما في ذلك.. وفي المقدمة.. جرائم الإبادة الجماعية التي ساقت “إسرائيل” إلى زنزانةِ التحقيق في محكمةِ العدلِ الدولية لأول مرة في تاريخها، ثم تُصدَرُ بحقِّ قادتِها الطواغيت وفي مقدمتهم نتنياهو وغالانت مذكراتُ اعتقال! فمن سيقفُ تالياً في هذه الزنزانة.. ومن سيصدُرُ بحقه مذكرات اعتقال بعد ذلك؟!.

محكمة… رُفِعتِ الجلسة

في هذا المقام لا بدَّ لنا أن نقفَ في حرمِ القانون.. من الضروري جداً أن نسوقَ القوانينَ الدوليةَ التي تجعلُ إيران مُحصّنَة بالقانون في “ردِّها” على انتهاك عاصمتها واغتيالٍ ضيفٍ سياسيٍّ فيها، ونقبلُ هنا أن نذكرَ كلمةَ “الردّ” لأنها على قياسِ مقامِ المجتمعِ الدَّولي ومحافلِه ومنظماتِه التي يحتكمُ إليها العالم.. وهنا نقعُ على واحدةٍ جديدةٍ يسقطُ في أوحالِها لا الكيان اللقيطُ فقط بل معه كل الحلفِ الذي يدعمُه ويتورَّطُ على مرأى عيون العالمِ كلِّه وباعترافِ ديبلوماسييه بدعمِ “إسرائيل” في كلِّ خيارتِها، ويدَّعي لها الحقَّ في الدِّفاعِ عن نفسِها بعد أن قامت هي بالجريمةِ الديبلوماسية الخطيرة التي تُدينُها باسم القانون الدولي، والتي قريباً قد تُثبتُ التحقيقاتُ والكُشوفاتُ القادمة بأدلّةٍ دامغة أن الأميركيَّ كان شريكاً فيها وليس داعماً ومؤيداً لها فقط.
فماذا يقول القانون الدَّولي:
المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، تنصُّ إحدى بنود هذا الميثاق أن لكلِّ دولة حقها الأصيل في الدفاع المشروع عن سيادتِها طالما اتخذ مجلس الأمن الإجراء اللازم بشأنه ولم يتمَّ حفظُ الأمنِ والسلمِ الدَّوليَّين.
أي أن مجلسَ الأمن معنيٌّ بإقرارِ القوانينِ التي تحفظُ سيادةَ الدّول، من خلالِ القوانينِ الناظمة لذلك، وفي حالِ وقوعِ انتهاكٍ لسيادةِ إحدى الدول نتيجةَ عدمِ التزامِ دولةٍ ما بميثاقِ الأممِ المتحدة فإنَّ من حقِّ الدولةِ المُعتدى عليها أن تُدافعَ عن سيادِتها، ويكون هذا الدفاعُ مشروعاً حسبَ الميثاقِ ذاتِه.
ويحدِّدُ الميثاقُ مشروعيةَ الدِّفاعِ عن السيادةِ تبعاً لتوصيفِ الانتهاك الحاصل، وهنا فإن الدفاع المشروع لإيران عن سيادتِها يعتمد على ما إذا كان التهدّيد لأمنها قد وقعَ بشكلِ هجومٍ مسلَّح.
بعيداً عن أنّ “إسرائيل” قد تبَّنتِ الهجومَ على العاصمةِ طهران لاغتيال إسماعيل هنية، فإنَّ هذا الهجومَ يعتبر هجوماً مسلحاً وفقاً لثلاثة محدِّدات على الأقل في عينِ القانونِ الدَّولي في ميثاقِ الأمم المتحدة، وهي:
1- وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم 3314 في تعريف العدوان (1974)، فقد وردت أمثلة يمكن تحديدها كأمثلة للهجوم المسلّح، وفقاً لمحكمة العدل الدولية.
2- ووفقاً للمادة الأولى من هذا القرار، فإن العدوان هو “استخدام دولة ما لقواتها المسلحة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامة أراضيها أو استقلال أراضيها”.
3- كما ورد في المادة 3 من القرار، أن استخدام أي سلاح من قبل دولة ضد أراضي دولة أخرى الفقرة (b)، وكذلك هجوم القوات المسلحة لدولة ما على القوات البرية أو البحرية أو الجوية مع الأسطول البحري والجوي لدولة أخرى الفقرة (d)، بالإضافة إلى ذلك، إرسال مرتزقة مسلحين (armed mercenaries) للقيام بأعمال مسلحة ضد حكومة أخرى الفقرة (e).
فإنَّ كلَّ هذه المحدِّدات الواضحة تجعلُ الدولةَ المعتدى عليها في موقفِ الدِّفاعِ المشروعِ عن نفسِها ضدَّ هذه التهديداتِ لأمنها القومي ولسيادِتها.
فعلى طريقِ “محكمة… رُفعتِ الجلسة”، يقدِّمُ الصَّبرُ الاستراتيجيُّ لإيران الحالةَ بين الجمهورية الإسلاميةِ و”إسرائيل” بين يدي القانونِ الدوليِّ أولاً لأنَّ انتقالَ إيرانِ إلى الدفاعِ المشروعِ عن نفسها في عمليةِ الوعدِ الصادقِ التي يُقرّها القانون الدَّولي لم يلجم “إسرائيل” ولم يردعْها عن تكرارِ انتهاكِاتِها لسيادةِ الدول، بل إنها تشكِّلُ تطوراً خطيراً لا يهدِّدُ أمن سيادةَ إيران فقط بل هو يهدِّدُ الأمنَ والسلمَ والدوليين، فقد تكرَّرت بالأدلة اعتداءاتُ الكيان على الجمهورية الإسلامية وباعترافاتِ العدوِّ نفسِه، ليسَ بدءاً باغتيال علماء نوويين، والهجوم على منشآت عسكرية، واغتيال مستشارين وقادة عسكريين إيرانيين شرعيي الوجود على أراضي دولة أخرى “سورية”، وليس انتهاءً بالهجوم على السفارة الإيرانية في دمشق.
وكلُّ هذا ليس سوى جزء من هذا النمط المستمر الذي يقرُّ القانونُ الدَّولي بأنه تهديدٌ للأمن والسلمِ الدَّوليين مما يحيلُ مشروعيةَ الدفاع إلى ضرورةِ الدفاع؛ ففي الفقرة 72 من القرار المتعلق بمنصات النفط، وفي إشارة إلى ادعاء الولايات المتحدة الأميركية، على أن المحكمةَ لا تستبعد احتمال أن يكون نمط استخدام القوة “أي استمرار استخدام القوة” قد أدى إلى زيادة شدة الهجمات ما يعزِّزُ ضرورةَ ممارسة الدفاع المشروع لا إقرار مشروعيتِه فقط.
وفي سورية وحدها، تعرضت المصالح السيادية للمستشارين العسكريين ومواطني جمهورية إيران الإسلامية للهجوم أكثر من 200 مرة، وقد وصل هذا النمط المستمر إلى درجة من الخطورة تجعلُ الجمهورية قد استكملتِ النِّصابَ الكافي من الموادِّ القانونية لميثاقِ الأمم المتحدة الذي يجعلُها في عيونِ العالم أمامَ اضطراريةِ ضرورةِ الردِّ على الانتهاكات لا مشروعيةِ الدفاعِ عن نفسِها فقط!

الضَّرورات تكبِّلُ أميركا بالمحظورات ولاتَ ساعةَ مندم…

ربما لم يكن الطاغوتُ الأميركي في أسوأ كوابيسِه يتوقَّعُ أو يرى أنّ الجمهوريةَ التي كان يحاولُ أسرها بالحرب الاقتصادية وحربِ الملفَّات وأهمها النَّووي، ستكون هي ذاتُها المعنيَّة بالضرورةِ في نظرِ العالمِ من جهة وفي نظرِ ميثاقِ الأمم المتحدة من جهة ثانية وهو الأهم بوضعِ حدٍّ للطغيانِ والجبروت الصهيوأميركي! هكذا يقولُ القانونُ الدَّولي.. وهذا ما تديرُه طهرانُ مع حلفائها اليوم ليسوقَ في الغدِ القريب ليس الكيان فقط بل أميركا التي تعرِّضُ أكتافَها في دعمِ انتهاكاتِه إلى زنزانةِ المساءلةِ في محكمةِ العدلِ الدَّولية وربَّما إلى استصدارِ قراراتٍ ومذكراتِ اعتقالٍ بحقِّ طواغيتِ أميركا ورؤسائها، ما يستوجبُ على كلِّ مرشَّحٍ للرئاسةِ الأميركيةِ اليوم أن يأخذه بعينِ الاعتبارِ وهو يقاتلُ بشراسةٍ للوصولِ إلى سدّةِ الحكمِ الأميركية.. فقد تقودُ هذه الطريق الرئيسَ القادم إلى مذكرة اعتقال عوضاً عن سُدَّة حكمِ العالم كما يعتقدون!
إننا أمام عصرٍ جديرٍ بالمراقبةِ الحثيثة… عصر الإطاحةِ بالطغيانِ الأميركي!

الإطاحةُ بالعصرِ الأميركي مشروعٌ خُطَّ في دمشق…

أخيراً ولإثباتِ أنَّ حجرَ هذا المقال معتدلٌ وعلميٌّ وموثَّقٌ بالتجربة، أي بالدليلِ الماديِّ المرئي، فإنَّ علينا أن نُعيدَ إلى الذاكرة أن العصر الذي نرى فيه الأميركي يحيق به مكرُه قد افتَتحهُ الرئيسُ الأسد، عندما قال لا للعنجهيةِ الأميركية.. وأعلنَ من دمشق أن لا خيارَ أمامنا سوى النصر، فالأسد الذي تقولُ عنه أميركا إنه عدوُّها الأول، وتقول عنه “إسرائيل” إنَّ كلَّ ما يقعُ لها هو سببُه، لم يرضَ أن يهزمَ المشروعَ الصهيوأميركي، ولم يرضَ لحجرِ دمشق أن يضربَ المشروعَ الإرهابيَّ الذي صدَّروه لنا فقط، فحجرُ الشامِ بيدِ الأسد، ضربَه من دمشق ليقعَ على رأسِ واشنطن.. صانعةِ ومصدِّرةِ مشروعاتِ استنزافِ بلداننا، فعلَ الأسد ذلك عوضاً عن اختيارِ الطريقِ الأقصر وهو مجرد القضاء على المجموعاتِ الإرهابية، فاعتمدَ على شعبٍ صامد وجيشٍ باسلٍ عظيم وحلفاء صادقين، ليستنهضَ إلى وجه الأرض قُوى لم تكن لتفكِّر في محاربةِ أميركا ومواجهتها لولا ثباتِ النصرِ السوريِّ والإرادةِ السورية في وجهِ الطاغوتِ الأكبر، فوجدنا أنفسنا اليوم أمام أميركا جديدة حمقاء تتهاوشها الانتكاساتُ والخساراتُ من أطرافِها، ويحضِّرُ المحورُ والحلفاء لتوجيهِ الضرباتِ النوعية لها من عمقِها وداخلَها، لأن قائدَ التجربةِ الناجحةِ قد قال: “لا مكانَ للتراجع”!
وقد كان سابقاً عند تحرير حلب قال: “ما بعدَ حلب ليس كما قبلَها”، ثم في زيارتِه لجندِ الشامِ الحقيقيينِ الأوفياء في الجيش العربي السوري أثناء معارك تحرير الغوطة قال للرجال: “إن كلَّ خطوة تخطونها اليوم في هذه المعركة سترسمُ خارطةَ العالمِ الجديد”!
يبدو لنا أننا محورٌ مغرمٌ بالفن.. وعدّونا غبي وأحمق.. إيران لن تردّ.. وعصر الإطاحة بالأميركي بدأ يتجوهر.
يبدو أننا أمام محورٍ مغرمٍ بالفن… يحبُّ الرئيسُ الأسد العباراتِ اللغوية الجذابة بحيثُ يُعمي قلوب قادةِ العدوِّ عن أن النغمَ يتِّسق بين مساحاتِ محورنا وحلفائنا سيمفونيةً ستدهشُ العالم..!
كان الأسد يقول للجندي السوري إنّ قدمَكَ على الأرضِ ترسمُ خارطةَ العالم الجديد.. وكان شهيدُنا جعفر زويِّد يردُّ سلفاً على الأسد بدبكةِ قدمه على الأرض “من الموت لا ما نهاب.. نلبس كفنّا تياب.. لعدوِّنا حنّا قبر وللموت سجانين”، وواجهَ صبيٌّ يمنيٌّ آلةَ الإفناءِ الأميركية طوالَ تسعةِ سنواتٍ من الحربِ على اليمنِ الحبيب بوقوفِه بقدمٍ حافية يغني في أذن الزمان “حبيبي أنت وينك من زمان”، وتوالتِ النُّكاتُ الطَّيبةُ على قلوبنا من جبهةِ جنوبِ لبنانَ الحبيب وهي تعيشُ على وقعِ أغنية “منرفض نحنا نموت.. قولولن رح نبقى”، ليغازلَ هذا الصوتَ أطفالُ غزة بلِ الجوقاتُ التي حولت مراكزَ الإيواءِ تحت صوتِ الزَّنانة إلى دورٍ يدرَّسُ فيها عشقُ الوطنِ والمُقدَّسات تُعلي الصوت “سوف نبقى هنا” مع دبكةِ الطفلِ ذي السنواتِ التي لم تتجاوز أربعاً على وقعِ لحن “نحنُ الملايين”!
وأمَّا عن المسرحياتِ فحدِّث ولا حرج عن مسرحيةِ الرابعَ عشرَ من نيسان في الوعدِ الصادق، وعن مُسيرةِ اليمن المجيد يافاَ التي لم ترضَ لها خشبةَ مسرح سوى عمق “تلِّ أبيب”، وعن هُدهُدنا الطيار الذي لا يحلو له “السِّيران” إلا فوق مقراتِ العدوِّ من فلسطين المحتلة إلى الجولان!
ولأننا محور مغرمٌ بالفن.. فإنَّ قول السيِد الرئيس بشار الأسد يوماً في توقيعِه على حفل “بوابة الشمس” بعد تحرير تدمر نوقِّعُ عليه بالدماء والأرواح:
“سنتغلَّبُ بموسيقانا على صوتِ رصاصِهم”!
لذا فإنّ إيران… حاشاها أن ترد.. وهي لن تردّ، بل ستسطِّر مع المحور أسطورةَ الإطاحةِ بالعصرِ الأميركي، الذي أطلقَ عنانَه الرئيس الأسد من دمشق…
وسنشهدُ معاً… عصرَ ذلِّ حلفِ الأعداء.. قبل زوالِهم والإطاحةِ بهم!
وريثما تكملُ إيران – ثالثةُ القطبِ الجديد الصاعد – حياكةَ سجَّادتِها، لتضعَها محلَّ بِساطِ أميركا الهش.. فالعدوُّ أمام خيارين.. إما ابتلاع الآتي على عظمته.. أو فليزُجَّ بكل ما أوتي لحربنا.. وفي كلِّ مرحلةٍ أعددنا مصيدةً مناسبة، “وبيننا وبينكم الأيام والليالي… والميدان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى