ماذا جرى في الدوحة؟
ناصر قنديل
– طبعاً، ليس لدينا مسؤول أميركيّ كبير أو مسؤول قطري أو مصري سرّب لنا ما جرى في الدوحة، ولسنا من الذين يزعمون امتلاكهم مصادر معلومات يقينيّة تتيح نقلها للقراء وهم لا يملكون، ولا نزعم كما يفعل بعض الإعلاميين أنهم يعلمون ما حدث في اتصال هاتفي بين رئيسين كأنهم كانوا على طرف ثالث للسماعة يسمعون ما يدور، لكن تعالوا نحاول معاً تجميع ما صدر عن جولة يومي التفاوض في الدوحة، ونبني منها صورة “البازل” الذي يمثل الصورة الأقرب للواقع.
– نبدأ مع البيان الختامي لمفاوضات الدوحة، ونحن يجب أن نتذكّر دائماً أنها تجري بغياب وفد لحركة حماس. وهذا يعني أنها مفاوضات بين الوسطاء ووفد الكيان. وعندما نقول الوسطاء يجب أن نتذكّر أنهم الأميركي والقطري والمصري، حيث بيان الدعوة للتفاوض الموقّع من الرئيس الأميركي ومعه الرئيس المصري وأمير قطر تحدّث عن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، وليس عن وقف الحرب وتبادل الأسرى كما هو نص العرض الذي قُدّم لحماس من الوسطاء، وهذا يعني أن الأميركي هو مَن يكتب والعرب يوقّعون. وعندما يقول البيان الختامي إن «المحادثات التي جرت في الدوحة كانت جادّة وبناءة وأُجريت في أجواء إيجابية»، مضيفين أنّ «واشنطن قدّمت بدعم قطري مصري اقتراحاً يقلّص الفجوات ويتفق مع ما وضعه بايدن وقرار مجلس الأمن»، موضحين أنّ «المقترح الأميركي يبني على نقاط الاتفاق التي تحققت الأسبوع الماضي ويسدّ الفجوات المتبقية». فالمقصود أن المحادثات الأميركية الإسرائيلية كانت في أجواء إيجابية، وان مقترح واشنطن لتقليص الفجوات هو لتقليصها بين النص الذي قدمه الرئيس جو بايدن والملاحظات التي قدمها بنيامين نتنياهو، وهذا يعني وجود مقترح يعدل مبادرة بايدن ليقترب من مطالب نتنياهو. وعندما يقول البيان إن المقترح بني على نقاط الاتفاق التي تحققت الأسبوع الماضي وحماس لم تكن طرفاً، فهو يقصد الاتفاق الأميركي الإسرائيلي.
– إذا أخذنا تعليق مكتب نتنياهو على نتائج المفاوضات عن أمله بأن تؤدي الضغوط على حماس بموافقتها على صيغة معينة، نعلم أن هذه هي الصيغة التي توصلت إليها المفاوضات وأن الوسيط العربي مكلف من الوسيط الأميركي بالضغط على حماس، أي أن النص المقترح هو تراجع أميركيّ عن مقترح بايدن لصالح طلبات نتنياهو. وعندما تنقل قناة الجزيرة عن مصدر قطري مسؤول كلاماً يقول إن المقترح الأميركي يختلف عن النص الذي تمّ عرضه على حركة حماس في 2 تموز ووافقت عليه، يصبح مفهوماً كلام حركة حماس، كما نقله مصدر قياديّ بحماس لـ”الجزيرة” بقوله “بعد أن أبلغنا الوسطاء بنتائج مباحثات الدوحة تأكّدنا مجدداً أن الاحتلال لا يريد اتفاقاً، والاحتلال يواصل المراوغة والتعطيل ويتمسّك بإضافة شروط جديدة لعرقلة الاتفاق، وأن المقترح الأميركي الجديد يستجيب لشروط الاحتلال ويتماهى معها، ونحن نؤكد التزامنا بما وافقنا عليه في 2 يوليو والمبني على إعلان بايدن وقرار مجلس الأمن”.
– عندما يجري بعد المفاوضات إعلان عن تأجيل التفاوض إلى اجتماع لاحق بين الوسطاء قبل نهاية الأسبوع المقبل، فهي مهلة ليمارس الوسطاء العرب الضغوط التي تحدّث عنها نتنياهو على حماس، وكي يمارسوا ضغوطاً مشابهة على إيران وحزب الله لتأجيل التفكير بالردّ على الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وضاحية طهران الشمالية، تحت شعار أن تأجيل الردّ سوف يسهم في التوصل الى اتفاق ينهي الحرب على غزة والمجازر بحق أهلها. وهذا معنى الخبر الذي وزّعته وزارة الخارجية القطرية جاء فيه، أن “رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن بحث في اتصال مع وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني جهود الوساطة لإنهاء الحرب في غزة”. ومعنى زيارة وزير الخارجية المصري إلى بيروت وقوله إن “مصر تدعم تنفيذ القرار 1701 ونؤكد على أهمية تنفيذه من كل الأطراف وليس من لبنان فقط”، مشدداً على أنّه “نجري اتصالات مستمرّة لتجنيب لبنان تداعيات أيّ تصعيد”.
– هنا نفهم معنى إعلان حماس عن أنها غير معنية بغير وضع خطة تنفيذيّة لما عرض عليها وقبلته في 2 تموز، وقولها مَن يضمن ألا تتكرّر الجولات بالطريقة ذاتها وكل مرة تعديل جديد لصالح نتنياهو تقبل به واشنطن وتعدّل على أساسه مقترح بايدن، وتكلّف الوسطاء العرب الضغط على حماس والطلب الى إيران وحزب الله تأجيل الرد، فإن لم تقبل حماس قالت واشنطن إنها أضاعت فرصة ذهبية لحل سخيّ قبلت به تل أبيب، كما فعلت من قبل بعد قبول حماس عرض الوسطاء في 6 أيار، وإن قبلت ضاعت تضحيات شعب غزة، وفي الحالتين شراء للوقت وتمييع لحق الرد لكل من إيران وقوى المقاومة، وواشنطن ومعها الوسطاء العرب لا يجرؤون على القول إن خلق مناخ تفاوضيّ مقبول يستدعي بالحد الأدنى وقف العمليات الحربيّة وفتح الطريق لدخول المساعدات الإنسانية الى غزة بما يوقف حرب التجويع.
– الجواب هو عماد 4.