أخيرة

شهادة حق تُقال…

‭}‬ د. شفيق شحادة
خمسة وسبعون عاماً مضت على النكبة الثانية التي حلّت بهذه الأمة، عنيتُ نكبة الإعدام ـ الاغتيال الذي أعقب المحاكمة المهزلة، بحق رجل بحجم أمة، هو الشهيد أنطون سعاده.
اغتيال سعاده فضح طبيعة الزمرة السياسيّة الحاكمة في لبنان، وليدة صيغة الغرب الاستعماريّ والصهيونيّة العالميّة. وتتوضح الصورة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بالصمت المطبق لأنظمة العمالة حيال ما يجري في فلسطين. فلو كان بعد النبي محمد أنبياء لقلنا قتلوك يا آخر الأنبياء، فالعديد من النظم العربيّة ورثت عهد اليهود وقتل الأنبياء.
الشهيد الزعيم أنطون سعاده بفكره المستنير ترجم تطلعات الأمة وحدّد أهدافها وأعداءها، لقد كان سابقاً عصره بفكره الموسوعيّ، ذكّرنا بالغساسنة، مسيحيّي بلاد الشام الذين انتصروا لأبناء جلدتهم، ذكّرنا بالبطريرك أغناطيوس حداد الذي باع صليب الكنيسة ورهن أوقافها كي يُطعم فقراء سورية ولبنان خلال الحرب العالمية الأولى، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية.
آمن بالإسلام كإيمانه بالمسيحية، ذكّرنا أنطون سعاده بالوطني الكبير فارس الخوري وجول جمال وإيلاريون كبوجي، ونرى صورته اليوم بالمطران عطالله حنا مطران القدس للروم الأرثوذكس.
كان لدى أنطون سعاده لقاحٌ ضدّ الطائفية والمذهبية انطلاقاً من إدراكه مخاطر الحركة الصهيونيّة والغرب الاستعماريّ اللذين وللأسف وبمساعدة النظم السياسيّة الحاكمة قسّمونا إلى قبائل وشيع متناحرة.
اغتال الخونة سعاده ظنّاً منهم أنّ اغتياله يقضي على فكره، لكنهم لم يدركوا أنّ الفكر لا يموت أبداً، وأنّ الغيوم يمكن أن تحجب نور الشمس، لكنها لا تلغي النهار، والبرهان على ذلك أنّ فكر القائد سعاده وبعد مضيّ ثلاثة أرباع القرن ينتشر في صفوف الشباب، وها هو حزبه ـ الحزب السوري القومي الاجتماعي المتجذّر في العقيدة والمواقف الوطنية يزداد تألّقاً واتساعاً ودوراً وطنياً رائداً، وكلّ أمانيّ أنّ يبقى هذا الحزب ناهضاً، لأنّ المرحلة التاريخيّة التي نمرّ بها خطيرة ومصيرية.
حذار، حذار من أن ينزلق البعض إلى السعي وراء المراكز السياسية الآنية والمؤقتة، فكلنا مستهدفون من العدو الصهيونيّ والغرب الاستعماريّ الداعم له بشكل أعمى. ونحن في بلاد الشام معنيّون أكثر من الذين سمّاهم الشهيد سعاده (بالعربة) في الدفاع عن الأمة ومقدّساتها. فالمسيح عليه السلام فلسطيني المولد والانتماء، والقدس ـ أولى القبلتين ـ مسرى سيدنا محمد عليه السلام، فهل يجوز أن نختلف على الأرض بعدما اتفقنا في السماء، كما قال الشهيد الكبير أنطون سعاده.
أخيراً في الذكرى الخامسة والسبعين لاغتيال الشهيد أنطون سعاده، أتمنّى من كلّ قلبي لحملة فكره التوفيق والثبات على القيم والمبادئ التي أرساها شهيدُنا الكبير، والنصر في نهاية المطاف للحقّ والقيم السامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى