من «كريات شمونة» إلى «أم الرشراش» الرصاص هو الحكم للتحرير والنصر…
د. جمال زهران*
فاجأتنا «المقاومة الإسلامية»، وهي الجناح العسكري لحزب الله، صباح الجمعة 16/ أغسطس (آب) 2024م، بنشر فيديو مدّته (4.5) دقيقة، تحت اسم: «منشأة عماد 4»، ويكشف هذا الفيديو عن مدينة الصواريخ تحت الجبال، وعنوان الفيديو (جبالنا خزائننا)، أيّ أنّها ثرواتنا، وأسرارنا، أنشأها حزب الله وتحتوي على صواريخ كبيرة، منقولة على شاحنات ضخمة. والمؤكد أنها صواريخ بعيدة المدى من طول حجمها، وتتجاوز مدى الـ (200) كيلو متر، بل الأكثر في تقديري. ولعلّ مَن يستمع لكلمات السيد حسن نصر الله، المصاحبة، للفيديو، يكتشف بسهولة أنها صواريخ بعيدة المدى، من قوله: «المعركة معنا على كلّ طول الأرض الفلسطينية المحتلة، من الحدود اللبنانية حتى الحدود الأردنية وحتى البحر الأحمر»، وختم بالقول بكلمته المأثورة: «من كريات شمونة إلى أم الرشراش (إيلات)»، بل قال: «لقد أصبحت المقاومة تمتلك من الصواريخ الدقيقة.. تنطلق في حالة ما فكّر العدو الصهيوني، العدوان على لبنان.. ونحن جاهزون». ومن ثم فإنّه بالقياس، فإنّ ما يمتلكه حزب الله من صواريخ، هي من النوع طويل المدى، والذي يصل إلى البحر الأحمر، بما يفوق الـ (1000) كم، وكذلك يصل إلى كلّ حدود فلسطين من كلّ ناحية حتى الحدود الأردنية والسورية طبعاً، وإلى ميناء أم الرشراش، على خليج العقبة، والذي تمّ إغلاقه وتوقفت أعماله، بعد الضربات التي وجّهتها المقاومة العراقية واليمنية، وعلينا أن نتذكر أنّ الصواريخ التي تضرب من اليمن، إلى أم الرشراش، تتجاوز (2000) كم! وأنّ الصواريخ التي ضربت يافا (تل أبيب)، عاصمة الكيان، أطلقت من العاصمة اليمنية (صنعاء)، حتى قلب تل أبيب وباعتراف جيش الكيان الصهيوني، كان مداها يفوق الـ (2200) كم، فإذا كانت هذه الصواريخ موجودة لدى اليمن، فإنها بطبيعة الحال موجودة لدى حزب الله. لذلك فإنّ نشر فيديو «منشأة عماد 4»، في هذا الوقت بالتحديد، هو بمثابة زلزال جديد، يضرب الكيان الصهيوني في العمق، ويشعل التوتر والخوف، ويشيع الفزع لدى عصابة الحكم في الكيان، ولدى مستوطني هذا الكيان أيضاً.
وفي تقديري، فإنّ فيديو «عماد/4»، هو طوفان الأقصى الرابع. فالأول هو عملية السابع من أكتوبر 2023م، وهي الزلزال الذي لا يزال مستمراً في الآثار والتداعيات في القضية الفلسطينية، وفي الإقليم، وفي العالم، ولا يزال متغيّراً حاكماً لكلّ ما يجري على المستويات كافة، ويكفي القول بأنّ طوفان الأقصى، قد تجسّد في الصمود الأسطوري لشعب فلسطين في غزة، ما يزيد على عشرة أشهر (315 يوماً)، وفي الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية (حماس وأخواتها)، الذي يتأكد كلّ يوم على توجيه ضربات نوعيّة مؤثرة ضدّ جيش الكيان، يومياً، وفي فتح جبهات الإسناد في جنوب لبنان (حزب الله)، وفي العراق (النجباء)، وفي اليمن (أنصار الله)، ومن ثم فقد أصبح «طوفان الأقصى» الأول، متغيراً حاكماً لعالم – على كافة المستويات – ما بعده، على عكس ما كان سائداً قبله.
أما «طوفان الأقصى الثاني»، فهو الهدهد (1، 2، 3)، حيث استطاع الهدهد، الذي أطلقه حزب الله، تصوير الكيان الصهيوني من الداخل، بمسح شامل، ودقيق في حيفا وما حولها (مرتين)، والثالثة، تم تصوير جميع منشآت الكيان في هضبة الجولان وبطول الحدود اللبنانية مع الشمال الفلسطيني المحتلّ، وأصبح الكيان مكشوفاً بشكل كامل، وهدّد حزب الله جميع المواقع التي يسهل ضربها، حال تقرير ذلك.
أما «طوفان الأقصى» الثالث: فقد تمثل في الضربة العسكرية الصاروخية، التي أطلقتها اليمن وأنصار الله، لعاصمة الكيان الصهيوني (يافا/ تل أبيب)، وأحدثت خسائر ضخمة، ووصلت الصواريخ اليمنية طويلة المدى، إلى جوار القنصلية الأميركية ومنشآت أخرى، وقتل وجرح وأصيب البعض، ولكن تبقى القيمة الحقيقية، في إمكانية الوصول بالصواريخ طويلة المدى إلى قلب العاصمة التي يُقال عنها إنها أقوى عاصمة في الحماية والأمن، وقد حدث اختراقها وإثارة حالة الفزع الشديدة لسكانها، حيث لم يعد أيّ جزء من أرض فلسطين المحتلة، بعيداً عن مرمى صواريخ محور المقاومة، الأمر الذي يؤكد شيوع حالة الفزع والخوف في أرجاء الكيان الصهيوني كله.
وفي هذا السياق، يأتي «الطوفان الرابع»، متمثلاً في فيديو «منشأة عماد 4»، نسبة إلى القائد الشجاع عماد مغنية، الذي استشهد بعد الاغتيال الصهيوني له في عام 2008م، ليحدث زلزالاً جديداً في الكيان الصهيوني. وقد وجّه حزب الله، رسالة للكيان، مفادها.. جهوزية الحزب وقادته وجيش مقاومته، على تهديد الكيان، وتجاوز فكرة الردع، إلى ما بعد الردع، وهو القدرة على الهجوم، والتفوّق على الكيان، رغم البيانات الجماعية الصادرة من الدول الخمس (أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا)، التي تتضمّن الدفاع عن الكيان الصهيوني، حال تعرّضه للعدوان من أيّ طرف، وتقصد حزب الله وإيران! وفي ضوء ما أذيع ونشر، فإنه سيبقى فيديو «منشأة عماد 4»، هو فيديو الردع الشامل، والتفوق، لحزب الله، على الكيان الصهيوني، حماية للبنان، حالة تعرّضه لأيّ هجوم صهيوني، واستمراراً في دعم وإسناد غزة، حتى إجبار العدو الصهيوني على الانسحاب الشامل، ووقف الإبادة الجماعيّة ضد شعبنا العربي في غزة.
كما أن التصريحات الرسمية من قادة حزب الله، تؤكد أن الثأر، للقائد الشهيد فؤاد شكر، حتمي، ولا علاقة له، بتوقف القتال، والانسحاب من غزة، أو حتى التوصل إلى اتفاق في الدوحة، كما يشيعون. وأصبح حزب الله، وعلى لسان السيد حسن نصر الله، ملتزماً بالردّ الحتمي، على الكيان الصهيوني، أخذاً بمبدأ «العين بالعين»، و»السن بالسن»، وأن دم الشهيد لن يضيع هدراً على الإطلاق.
وعلى الجانب الآخر، فإنّ الردّ الإيراني، حتمي، حسب التزام القيادة الإيرانية، وفي أعلى المستويات، وبقرار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامئني، نتيجة الاعتداء الصهيوني على سيادة الدولة الإيرانية باغتيال القائد المجاهد/ إسماعيل هنية، وانتهاك شرف الدولة، والثورة الإيرانية وتاريخها.
ونحن في انتظار الردّ الشامل، لكلّ دول محور المقاومة، أو لكلّ دولة من ساحاته، على حدة. فالعدو الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة، وهو يستهين بالضعفاء والخائفين والمذعورين، ويخرجهم من الحسابات/ مثل النظم العربية والإسلامية الخانعة والمنبطحة والمستسلمة للمشروع الأميركي الصهيوني. فالكيان الصهيوني في طريقه إلى الانهيار الكامل والزوال الفعلي، إن لم يكن قد بدأ بالفعل، وغداً سنرى.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية