دردشة صباحية
مثل البطتين والسلحفاة
يكتبها الياس عشي
كتاب «كليلة ودمنة» يتصف بالرمزية، لأن أبطاله حيوانات ناطقة، يسوقون الحكاية بعفوية، تاركين، وراء كلّ منها، حكمة تصلح لكلّ زمان، ولكلّ مكان. وما أحوجنا اليوم، وقد صار الكلام سلعة تجارية قاتلة، وثرثرة لا طائل من ورائها، أن نعود إلى «كليلة ودمنة»، ونذكّر بعض الإعلاميين، وبعض المحطات الإعلامية، بمثل عنوانه «البطتان والسلحفاة».
فما قصة البطتين والسلحفاة؟
«زعموا أنّ عيناً كان فيها بطّتان وسلحفاة، فنقص ماء تلك العين نقصاناً فاحشاً. فلمّا رأت البطّتان نقصان الماء قالتا: ينبغي لنا تركُ هذه العين. فودّعتا السلحفاةَ وقالتا: السلام عليك فإنّا ذاهبتان. قالت السلحفاة: إنّما اشتدّ نقصان هذا الماء على مثل هذه الشقيّة التي لا تقدر أن تعيش إلّا بالماء، فأمّا أنتما فإنكما تعيشان حيث توجهتما، فاحتالا لي، واذهبا بي معكما. قالتا: لن نقدر على أن نذهب بك معنا إلّا أن تشترطي لنا إذا جعلناك في الهواء، ورآك الناس فذكروكِ ألّا تجيبيهم. ثم قالت: وكيف السبيل لكما إلى حملي؟ قالتا: تعضّين في وسط عود، ونأخذ بطرفيه، ونعلو بك في الهواء. فرضيت السلحفاة بذلك، وحملتاها، وطارتا بها. فلمّا رآها الناس تنادَوا وقالوا: انظروا إلى العجب، سلحفاة بين بطتين في الهواء! فلمّا سمعت السلحفاة مقالتهم وتعجّبهم منها قالت: فقأ الله أعينكم. فلمّا فتحت فاها بالنطق وقعت إلى الأرض فماتت».
ماذا يربح الإعلاميون عندما يخرجون عن قواعد الأخلاق، ويثيرون الغرائز والعصبيات، ويهدمون الهيكل على رؤوس الجميع؟ ليمتثلوا بهذه السلحفاة التي قتلها لسانها.