أولى

اتصال بايدن وتصلب نتنياهو: لا أفق لاتفاق وحرب الاستنزاف مستمرة

 حسن حردان

كشفت الأنباء انّ الرئيس الأميركي جو بايدن فشل في إقناع أو الضغط على رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو للتراجع عن شروطه التعجيزية، التي وضعها على مقترح الصفقة وأدت إلى رفض حركة حماس لها… مما جعل المراقبين يتساءلون عن العوامل التي تحول دون قدرة الإدارة الأميركية على ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن قرارها تخريب الاتفاق على مقترح الصفقة الذي قدّمته واشنطن ووافقت عليه حماس؟
وما هو هدف واشنطن الحقيقي من السعي بداية إلى تبني تعديل المقترح بحيث يتضمّن الاستجابة لشروط نتنياهو، من قبل وزير خارجية أميركا انتوني بلينكن وإقدامه على تسويقه وممارسة الضغوط على حماس عبر قطر ومصر لقبوله، وتحميلها المسؤولية عن فشل الاتفاق في حال رفضت المقترح المعدل، وعندما أصرّت حماس على التمسك بالصيغة المقترحة كما وافقت عليها، لماذا عمدت واشنطن إلى محاولة تسويق حلّ وسط يظهر وكأنّ نتنياهو قبل بالتخلي عن اشتراطاته في البقاء في نتساريم ومعبر رفح ومحور فيلادلفيا؟
وأخيراً ما هي الآفاق واحتمالات في حالة عدم التوصل إلى اتفاق؟
أولاً، العوامل التي تجعل إدارة بايدن غير قادرة على إلزام نتنياهو القبول مقترح الصفقة الذي تقدّمت به في 2 تموز الماضي وصادق عليه مجلس الأمن؟
وعلى صعيد العوامل التي تجعل موقف إدارة بايدن ضعيفاً في ممارسة الضغط لإلزام نتنياهو القبول بالصفقة والتخلي عن وضع العراقيل والشروط في طريق تحقيقها، يمكن تسجيل عاملين أساسيين:
العامل الأول، انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري في تشرين الأول المقبل، حيث يحتاج فيها الحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه بايدن لدعم مرشحته كاملا هاريس، إلى دعم اللوبي «الإسرائيلي» الأميركي، المؤثر مالياً وإعلامياً وسياسياً في مجرى الحملة الانتخابية، ويجعل مرشحَي الحزبين الجمهوري الديمقراطي وكافة المرشحين إلى مجلسي النواب والشيوخ يعملون على خطب ودّ اللوبي الصهيوني لكسب تأييده ودعمه، ولهذا نجدهم يتنافسون في دعم «إسرائيل» لبلوغ ذلك..
العامل الثاني، غياب موازين قوى داخل كيان الاحتلال «الإسرائيلي» التي تجبر نتنياهو على قبول صفقة توقف الحرب، حيث لم تصل المعارضة السياسية والشعبية إلى تشكيل قوة ضغط كبيرة تجعل نتنياهو يرضخ لمطالبها، فيما نتنياهو نجح في احتواء او إضعاف موقف هذه المعارضة، وإعادة تعزيز معاناة السياسي الشعبي، بعد أن تمكن من خلط الأوراق في الكيان لمصلحته في أعقاب إقدامه على تنفيذ عدوانه على الضاحية الجنوبية من بيروت والذي أدّى إلى استشهاد القائد في المقاومة فؤاد شكر، ومن ثم إقدامه على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وقبل ذلك القيام بالعدوان على مدينة الحديدة في اليمن.. وقرار إيران والمقاومة بالردّ على العدوان، مما خلق مناخاً في الكيان مكّن نتنياهو من جعل أولوية مواجهة ما يسمّيه خطر تعرّضه لهجوم من قبل محور المقاومة تعلو على ايّ أمر آخر، وبالتالي تراجع حدة المعارضة.
ثانياً، أما بشأن هدف واشنطن من تدوير الزوايا عبر طرح صيغة حلّ بديل للإشراف على محور فيلادلفيا ومعبر رفح ومعبر نتساريم، فإنّ الغاية منه إظهار وكأنها نجحت في تليين موقف نتنياهو ودفعه إلى قبول إشراف دولي وعربي على هذه المناطق بدلاً من بقاء قوات الاحتلال فيها، وهدف إدارة بايدن من ذلك إحراج المقاومة ودفعها إلى خفض سقف مطالبها.. بما يستجيب للهدف الإسرائيلي الأميركي بالتضييق على المقاومة وتشديد الحصار عليها.. وفي حال رفضت حماس هذه الصيغة يجري تحميلها مسؤولية تعطيلها.
ثالثاً، انطلاقاً مما تقدّم يبدو أنه ليس هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق يحقق مطالب نتنياهو بعدم وقف الحرب والانسحاب الكامل من غزة، وفي المقابل ليس بقدرة واشنطن وتل أبيب إجبار حماس على القبول الاستسلام للشروط «الإسرائيلية»، لكون المقاومة لم تهزم ولم تضعف ولا تزال تخوض حرب استنزاف مكلفة لجيش الاحتلال، ولم يعد لديها ما تخسره بعد التضحيات الكبيرة التي دفعتها وقدّمها الشعب الفلسطيني…
لذلك فإنّ الآفاق في ظلّ التعنّت «الإسرائيلي»، ودعم واشنطن لموقف حكومة نتنياهو، تؤشر إلى استمرار الحرب الإسرائيلية، لكن ستأخذ المناحي التالية:
1 ـ إقدام جيش الاحتلال على الانتقال إلى ما أسماه المرحلة الثالثة بهدف الخروج من قلب القطاع بما يؤدّي إلى تجنب مواصلة الغرق في رمال غزة المتحركة التي تجعله عرض لهجمات المقاومة وكمائنها.. وبالتالي التراجع إلى المناطق التي دمّرها على طول القطاع لتكون موقع انطلاق لمواصلة حربه بمستوى منخفض، مع اللقاء على تواجده العسكري في نتساريم وفيلادلفيا ومعبر رفح.
2 ـ مواصلة ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين بذريعة استهداف مقاومين، وانْ بنسبة أقلّ مما يرتكبه حالياً.
3 ـ الاستمرار في سياسة تشديد الحصار وتقنين دخول المساعدات إلى القطاع بما يفاقم معاناة الشعب الفلسطيني.
هذه الخطة الإسرائيلية تستهدف محاولة تحقيق أمرين:
الأمر الأول، زيادة منسوب الضغط على المقاومة لإجبارها على الاستسلام للشروط الإسرائيلية..
الأمر الثاني، تحويل الثقل العسكري لجيش الاحتلال من قطاع غزة إلى جنوب لبنان، وبالتالي تصعيد الاعتداءات ضدّ المناطق اللبنانية والذي شهدنا مؤشراً عليها في الأيام الأخيرة، وذلك بهدف الضغط على المقاومة لوقف إسنادها لغزة ومقاومتها، وخروج الكيان من مأزق الاستنزاف المتزايد في شمال فلسطين المحتلة بفعل ضربات المقاومة.
لكن كلّ المعطيات والوقائع تشير إلى أنّ المقاومة في غزة التي صمدت على أكثر من عشرة أشهر، وأحبطت أهداف جيش الاحتلال ونجحت في استنزافه، ستكون قادرة على التكيّف مع المرحلة الجديدة من الحرب، وتواصل استهداف مواقع تواجد قوات الاحتلال في نتساريم ومعبر رفح ومحور فيلادلفيا، وكذلك في مناطق انتشار جيش الاحتلال الجديدة وبالتالي جعله في حالة عدم استقرار وعرضة للاستنزاف.
أما المقاومة في لبنان فإنها أيضاً قد أعدّت العدة لمواجهة التصعيد الإسرائيلي بتصعيد في هجماتها في شمال فلسطين المحتلة، والردّ على توسع العدو في عدوانه، واستهدافه للمناطق المدنية، بالمثل بما يزيد من النزف «الإسرائيلي» ويفاقم من أزمات الكيان على كلّ الصعد، ويبقيه يعاني من مأزق الفشل في تحقيق أهداف حربه الوحشية ضدّ قطاع غزة ويزيد من منسوب الضغط عليه حتى تتولد موازين قوى داخل الكيان تجبر حكومة نتنياهو على قبول صفقة تلبّي مطالب المقاومة الفلسطينية بوقف الحرب..
من هنا فإنّ حرب الاستنزاف ستتواصل إلى أن يصل كيان الاحتلال إلى مرحلة لا يعود فيها قادراً على تحمّل كلفتها… ويسلّم بالتالي بشروط المقاومة كاملة لا سيما وقف الحرب وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات إلى غزة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى