السنوار لا يلعب…
محمد حسن الساعدي
«يُقال أنّ في القرية مات أسد فاستراحوا من أذاه، خلف الأسد أسداً فاق بالجلد أخاه»…
توقع كثيرون في كيان العدو «الاسرائيلي» بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد اسماعيل هنية انّ حماس ستفقد عنصر قوّتها في المعركة، وربما تبدأ بالتراجع عن خندقها الأمامي الى خندق الخسارة، ولكن ما أن تمّ الانتهاء من مراسم التشييع والدفن لقائد حماس حتى انتهت الحركة من انتخاب القائد يحيى السنوار رئيساً جديداً لها، وبذلك تبدأ مرحلة جديدة من المواجهة ترتكز على ما تمّ الوصول إليه مع الشهيد هنية .
اختيار السنوار رئيساً لحركة حماس يُعدّ ضربة موجعة لـ «إسرائيل» ويضعها أمام تحديات كبيرة وخطيرة، كما انّ اختياره يعكس استراتيجية جديدة أتبعتها الحركة في إدامة الصراع مع الكيان الغاصب وتحمل موقفاً أكثر تشدّداً وتمسّكاً بالثوابت الفلسطينية الرافضة لأيّ مساومة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وعدم تقديم أيّ تنازلات يمكنها ان تضرّ بمصالح الفلسطينيين، بل ربما يحمل في طياته انّ المُراد هو إعادة الصراع الى عام 1948.
انّ استراتيجية السنوار وكما يرى عدد من المحللين المختصين بالشأن الفلسطيني تُعدّ انتكاسة للأنظمة التي تعمل على خطوات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، خاصة أنه يُعدّ من القيادات العنيدة التي لا تقبل المساومة أو التنازل، خصوصاً أنه رفض الحديث او التفاوض على «نزع سلاح المقاومة»، وبالتالي جعل المدن الفلسطينية أسيرة بيد جيش العدو «الإسرائيلي»، كما أنّ السنوار في كلمته الأخيرة رفع شعار «أعيدوا هنية حياً» بمعنى ان لا تفاوض مع الكيان الاسرائيلي الا على قاعدة «الأسرى بالأسرى» وإعادة جميع النازحين من المدن المدمّرة بعد إعادة إعمارها.
أتى اختيار السنوار خلفاً للشهيد إسماعيل هنية بعد وقت قصير جداً من عملية الاغتيال كرسالة واضحة بأنّ حركة حماس ما زالت فاعلة بجميع خطوطها السياسية والجهادية، وأنها قادرة على إدارة شؤونها الداخلية بالرغم من عمليات القتل اليومية التي تمارسها آلة الحرب الاسرائيلية، والإمكانات الهائلة التي تملكها الترسانة الصهيونية بدعم من واشنطن، كما أنها رسالة داخلية للشعب الفلسطيني أنّ مقاومتكم ما زالت حية وقادرة على أن تعمل وتفاوض وفي الوقت نفسه تبقي يدها على الزناد.
كما أنّ حماس باختيارها السنوار رئيساً لها عبّرت عن موقفها الداخلي الموحد وأطلقت رسالة مهمة إلى الخارج والداخل، أنها موحدة وقادرة على اتخاذ القرار المناسب بعيداً عن التنافس السياسي، وهو دليل على انّ حماس تعمل بنظام مؤسساتي «هرمي» لا يقبل أيّ شكّ او تأويل في اتخاذ القرارات وفق مبدأ العمل المؤسساتي، ويواجه الخلافات الداخلية إذا وُجدت وفق هذا المبدأ بعيداً عن الخلافات والصراعات، ويتوحّد موقفها في أيّ مواجهة ضدّ العدو سريعاً دون أيّ تردّد في اتخاذ القرار المناسب.
وكما يرى بعض المتابعين للمشهد الداخلي لحركة حماس فإنّ القائد السنوار قادر على ملء موقعه السياسي والجهادي، وقادر أيضاً على إدارة الملفات بعناية وتركيز عال، بل وسيكون غطاءً لجميع الحركات السياسية المقاوِمة في فلسطين، لما فيه المصلحة العليا على كلّ المستويات.