أخيرة

كلمات في رثاء الرئيس الدكتور سليم الحص

رفعت ابراهيم البدوي*

أنا عاجزٌ أنْ أبكيك.
وعاجزٌ أنْ أرثيك.
فالضمير والإنسانية والقِيم والمبادئ والأخلاق لا تُرثى فهي كلها فيك، لأنك أنت سليم الحص ولأنك باقٍ معنا أمد الدهر والزمان.
فقد لبنان وفقدت الأمة العربية كما فقدت الإنسانية رجلاً من أشرف وأنزه وأنبل وأشجع الرجال.
فقدنا صاحب الضمير الحر المتسلح بالعزة والكرامة وبقوة الحق.
فقدنا الرجل القدوة، فقدنا الإنسان المثقف والمفكر والسياسي الذي حكم بكلّ نبل وأمانة.
فقدنا رمزاً من رموز الشفافية والنزاهة والعفّة والأنفة.
فقدنا معتنق الإنسانية والوفاء،
فقدنا ضمير لبنان وفلسطين، ضمير الوطن، راح مرتاح الضمير، ولا اعتراض على مشيئة الله، وتسليماً بقضائه وإيماناً بقدَره وبقلب حزين وبعين دامعة أقول: إنا لله وإنا اليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرئيس الدكتور سليم الحص في ذمة الله.
أرثيك يا وجهاً توارى ذكر الأنام ولن يجود الزمان بمثله، شهماً شريفاً عفيفاً طيفه أشجان،
أقول وداعاً يا معلمي وملهمي وداعاً يا قدوتي أنعيك أم أنعي نفسي ارثيك أم أرثي حالي،
إنه ليوم حزين فاضت فيه روحك إلى باريها يا أعزّ الرجال، ويا أطهر البشر، يا ضمير أمة فقدت ضميرها، يا من جعلتَ من الحق والموقف أمضى سلاح…
يا من كنت للحق نصيراً وللمظلوم منتفضاً وللإنسانية مخلصاً، يا من كنت للعدل منصفاً وللمسؤولية الوطنية وقوراً، يا من سعت إليك المناصب ولم تسعَ يوماً إليها يا من هزمت المال وما استطاعت الأموال أن تهزمك.
يا من شرّفت الرئاسة والنيابة والمناصب والكراسي والمنابر والمحافل، يا من آمن وعمل لأجل وحدة وطنه ورفع من شأنه.
يا من كنت للأخلاق اميناً، يا من أعطى وضحّى بجهد وإخلاص ولم يطلب شيئاً لنفسه ولم يكُ يوماً للوطن إلا حريصاً وعلى المواطن حليماً،
يا من قدّم التضحيات الجسام لأجل الإنسان والإنسانية وللوطن والمواطن.
سليم الحص…
يا من علّمتني مآثر السيد المسيح وأنا المسلم ودرّست المسيحي معظم آيات القرآن الكريم،
يا من علّمتني تجاوز السيئات لمن أساء، يا من علمتني العفو عند المقدرة، وعلمتني دروس القوة في التعفف والانفةـ وخدمة الإنسان بأمانة وبدون منّة، يا من أوصاني باحترام ضعف الإنسان ومقاومة ظلمه، يا من أوصاني بالإحسان، يا صاحب سيرة الأتقياء، يا صاحب الأيادي البيضاء…
أيها التقي النقي وأنت الغني بحب الناس، كلماتك وصاياك ونصائحك كتاب حياتي ومسيرتي ستبقى تجلجل في مسمعي يا من كنت لي سنداً وعضداً ومعلماً وناصحاً.
أيها الغائب الحاضر أبداً سأبقى وفياً مخلصاً لمدرستك ولمبادئك.
سليم الحص…
بغيابك تيتّمت الإنسانية، رحلتَ عنا جسداً لكن روحك الطاهرة المطمئنة سكنَت وجدان وضمير الشباب والشيوخ يا آخر عنقود الوفاء والإباء والنزاهة وعزة النفس ونظافة الكفّ، يا آخر عنقود الأبرياء من دنس السلطة ومن رجس الطائفية والمذهبية، يا آخر عنقود الوحدة الوطنية.
سليم الحص…
في صمتك الأبدي سنبقى نقصدك لترشدنا الى بوابات الوحدة الوطنية والى العروبة الصافية والى مداخل حقنا بفلسطين كلّ فلسطين وبكلّ كبرياء.
سليم الحص…
ستبقى للإنسانية النقية مرجعاً، وفي الضمير ساكناً، وللوطنية علماً، وللنزاهة والاستقامة عنواناً، وللأجيال وللتاريخ اسمك سيبقى سليماً خالداً…
رحمك الله برحمته وأحسنَ إليك كما أحسنت إلينا ورزقك داراً خيراً من دارك وأهلاً خيراً من أهلك وأسكنكَ جنة عرضها السماوات والأرض وجزاك الله عنا كلّ الخير لما قدّمته من تضحيات جسام للوطن كلّ الوطن ولأجل رفعة الإنسان فيه.
سليم الحص… أيها الحنون الرؤوم الرؤوف الوقور وأنت الذي احتضنني ورعاني بكلّ أمانة.
لا يسعني إلا أن أقول بأمان الله ورعايته الى جنان الخلد والفردوس الأعلى يا من كنت لي الأب الروحي، وستبقى…

*رئيس ندوة العمل الوطني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى