«طولُ لسانٍ في الهوا… وقِصَرٌ في الذَنَبِ»
شبلي بدر
من القصص الشعبية المعروفة أنّ ثعلباً صحراوياً، تسلل إلى منطقة من مناطق الهلال الخصيب معللاً نفسه بما يسدّ به خواء جوفه، فرأى عناقيد العنب تتدلى من عرائش الكروم، وعندما حاول الوصول إلى إحداها فشل في قصده وارتدّ خائباً مبرّراً فشله قائلاً: «هذا حصرمٌ رأيته في حلبِ»، وكان ردّ العناقيد بالقول: «خسئت فاذهب يا غبي… طول لسان في الهوى وقِصَرٌ في الذَنَبِ».
التحالف اليهودي الطوراني الوهابي قديمٌ قِدَمَ الشرّ منذ نشوء البشرية، وما زال مستمراً في ظلاميته وبربريته ولم يستفق من أطماعه، يستخدم ما ملكت يداه من أموال لتهديم القيم وإفساد المجتمعات بالبدع وشراء الذمم، خدمة لمعتقدات غيبية لا أساس لها من الصحة، التي لم تكن يوماً نسمةً بنَّاءة في إعلاء وإغناء الحضارات وتقدمها. هذا التحالف بلغت به الأطماع مبلغاً بعيد المدى، في «أحلام اليقظة» والتوسع القاتل وسفك الدماء والدمار، علّه يفرض واقعاً جديداً، بحسب «أحلامه الحازمة» يخضع به شعوباً مقاومة لا تتنازل عن الصراع الوجودي مع أعداء الأمة أياً تكن أصولهم وفروعهم وإلى أيَّة غابة انتموا.
بعد «الصمود والصمت الاستراتيجيين» ظنَّ «كفّار المضارب» في صحراء الجهالة أنّ الهزيمة قد طغت على عقول وإرادات الذين هُدِّمت منازلهم على رؤوس أطفالهم ونسائهم وشيوخهم، فاستطالت أنوف المجرمين والمعتدين من حدود اليمن مروراً بالدولة الليبية المهشمة وصولاً إلى بلاد الشام التي ما زالت وستبقى عصيَّة على غزوات التتار الجدد، ظنَّ هؤلاء «العلوج» أنّ الدولة السورية التي ألمحوا إلى أنّ «عاصفة الحزم» ستطاولها، وصدَّقوا أنفسهم لأنّ أبطال الجيش العربي السوري ومحور المقاومة لم يكترثوا لكلامهم ولم يعيروه أيّ اهتمام، وكان الردّ الرسمي على مندوب قوافل العيس، بأنّ اليد التي تمتدّ إلى سورية العروبة ستقطع من الكتف، وهذا الردّ في مجلس الأمن هو لسان حال كلّ الأحرار في بلاد الشام والعالم العربي، على ثعالب الكروم وتجّار المذهبية والطائفية الذين ارتضوا بملء إرادتهم، التنازل عن أرض فلسطين لـ»المساكين اليهود» إرضاء لمعلميهم أيام الاستعمار البريطاني البغيض، بذلك يكون «الملك المانح» تقمَّص دور بلفور العرب المجرم بامتياز.
بالعودة إلى «عاصفة الحزم» والأصحّ أن تسمَّى «عاصفة الهدم»، تطاول بعض أبواقها ليعلن أنّ تلك «العاصفة» يجب أن تطاول الدولة السورية لوضع حدّ للنظام القائم بحسب تعبيره، ذلك أنّ المعارك التي تجري مؤخراً في الجنوب والشمال السوريين، خير دليل على الإجرام التركي الصحراوي اليهودي الذي أدخل جحافل التكفيريين إلى أرض المعركة، علّهم يغيِّرون المعادلة قبل انعقاد مؤتمر «جنيف 3»، والمفاوضة من موقع أقوى قبل أيّ اتفاق على حلّ سياسي تسعى إليه بعض الدول المؤمنة بأنّ الحلّ في بلاد الشام يجب أن يكون حلاً سياسياً لا حلاً عسكرياً.
حشدت دول محور الشرّ كلّ إمكاناتها المادية والعسكرية، في سبيل إنجاح خططها الجهنمية عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، وجنَّدت لها أبواقاً مأجورة طغت على عقولها مذهبية منغلقة على ذاتها، وبعض الصحافة على وسع العالم العربي وبخاصة في لبنان، الذي تسمّم أجواءه طائفية بغيضة وانقسامات ينخرها سوس التمذهب المرذول، فأتت عناوين منشوراتها لتصبّ الزيت على النار، كعناوين مجلة ذلك الصحافي الذي أذلّه أحد رؤساء الجمهورية اللبنانية السابقين، وصفعه أمام جمهرة من الحضور في حفل رسمي حاشد، لا بل ركله فاحدودب كابن المقفَّع ولم ينبس ببنت شفة. ومطبوعة أخرى سارت على خطاه وعملت على دعم ذلك البدوي، الذي يُدخل أنفه في الأمور الداخلية اللبنانية ويحاول أن يمارس دور «المندوب السامي» فكتبت تقول: «تضامن عاصف في بيروت والمناطق مع… لاستعادة هيبة العرب»! وهل تستعاد هيبة العرب بالتدمير والقتل والتشريد وإفساد النفوس وضرب القيم بالمال القذر؟ أم بحزم جدّي باستعادة فلسطين والأراضي العربية التي باعها بعض «الأمراء» للأعداء وأسيادهم الغربيين والأوروبيين حفاظاً على عروشهم التي شاخت ولم تصب من الحكمة والعدالة والعروبة شيئاً؟
أضغاث أحلام لا أكثر، ولوثة جنون العظمة أصابت أصحاب العقول الهرمة، وزيَّنت لهم أنهم سيملأون بطونهم بما حوته بل الهلال الخصيب من الهبات الإلهية، فتطاولوا عليها واشرأبّت أعناقهم إلى أعاليها، لكنهم سيعودون خائبين مرذولين مهزومين لأنّ ثعالب التحالف لا يمكن أن تطال من كرومها شيئاً، وسيكون ردّ أحرار بلاد الشام ومقاومتها لهم بأنهم ليسوا إلا أصحاب ألسنة طويلة وأذناب قصيرة وأغبياء، لا يعرفون أنّ الأمم الحية لا ترضى القبر مكاناً لها ولو كان تحت الشمس.