ثقافة وفنون

رحلة في أزقة دمشق القديمة رفقة التاريخ والتراث صور ساحرة ولحظات لا تُنسى واختصار للحضارات المتعاقبة

عندما نذكر مدينة دمشق يجنح خيالنا مباشرة نحو المدينة القديمة بأزقتها وبيوتها ‏وأبنيتها ومعالمها المعمارية التاريخية والتراثية الجميلة، تلك المدينة التي تختصر ‏حضارات وثقافات متعدّدة، تُخبرنا في كل زاوية منها عن أسطورة أو حكاية، تعكس ‏الإبداع الإنساني الذي ما زال يشعّ في حناياها وبريق كنوزها الدفينة.‏
تتميّز دمشق القديمة والتي لا تزال حتى تاريخ اليوم أقدم عاصمة مأهولة في ‏التاريخ لكونها تمنح زائرها رحلة ساحرة عبر التاريخ ضمن أجواء من الهدوء ‏والسكينة بجوار أسوارها القديمة وأزقتها ‏المتداخلة وحاراتها الضيقة الهادئة ومعالمها ‏التاريخية وأسواقها التراثية وبيوتها الدمشقية العريقة وخاناتها المميّزة، مكونة مشهداً ‏فريداً قلما نراه في مدينة.‏
ويتحدث مدير مدينة دمشق القديمة المهندس محمد رشاد دعبل عن تفاصيلها ضمن مسار سياحي يحتضن شواهد حية ومواقع ‏تاريخية وأسواقاً تقليدية وحرفاً مميزة ومبانيَ دينية ‏مهمة، ويركز على الغنى ‏الحضاري التاريخي والمعماري والثقافي للمدينة بشكل كامل ويُقدّم للزائر شواهد حية ‏عن العديد من المراحل التي مرّت على مدينة دمشق بدءاً من ‏الفترة الآرامية ‏مروراً ‏بالعهد اليوناني والهلينستي والروماني والبيزنطي والأموي والعباسي ‏والفاطمي ‏والسلجوقي والأتابكي ‏والأيوبي والمملوكي والعثماني وحتى يومنا هذا، ‏ويربط هذا ‏المسار شرق المدينة مع غربها.‏
ويستطيع الزائر خلال هذا المسار وفق المهندس دعبل أن يحتفظ بذاكرته بصور ‏ساحرة ولحظات لا تُنسى، ويشمل.. قصر خالد العظم وقلعة دمشق والبيمارستان ‏النوري «متحف الطب والعلوم عند العرب» ومقام صلاح الدين الأيوبي والمدرسة ‏الجقمقية «متحف الخط العربي» والمدرسة العادلية الكبرى والمدرسة الظاهرية ‏وحمام الملك الظاهر ‏وخان الحرير ومدرسة عبد الله باشا العظم «حرفة النوال» ‏وحمام نور الدين الشهيد وخان أسعد باشا العظم ‏والشارع المستقيم وخان سليمان باشا ‏وبيت سباعي وبيت القوتلي وبيت نظام ومكتب عنبر والبرج الأيوبي ‌«السلجوقي».
ووفق المهندس دعبل، يمكن للزائر الداخل إلى مدينة دمشق القديمة المرور بأهم المعالم والمواقع التي تعود ‏للديانتين المسيحية والإسلامية التي تشمل كنيسة القديس حنانيا ‏والكنيسة المريمية وباب كيسان «كنيسة مار ‏بولس» وكنيسة الزيتون وكنيسة مار سركيس والكنيسة ‏الإنجيلية وكنيسة الموارنة ‏وكنيسة الأرمن وكنيسة الفرانسيسكان «اللاتين» وكنيسة الكلدان وكاتدرائية ‏القديس ‏مار جرجس ومقام القديس مار جرجس، وفيما يخص الديانة الإسلامية يمكن للراغبين ‏زيارة الجامع الأموي ومقام صلاح ‏الدين ومقام وجامع السيدة رقية والمدرسة النورية ‏الكبرى «جامع نور الدين الشهيد» وجامع فتحي والمئذنة ‏العمرية «المئذنة البيضاء» ‏وجامع السفرجلاني ومئذنة الشحم وجامع هشام ومئذنة القلعي وجامع سنان باشا، ‏وجامع ‏الدرويشية ودار الحديث النبوي الشريف وجامع البزورية.‏
وبحسب المهندس دعبل، يمكن للزائر الاطلاع بوضوح على غنى مدينة ‏دمشق القديمة الحضاري وتأثير العهود اليونانية والرومانية والهلنستية والبيزنطية ‏التي مرّت عليها فالمخطط المنتظم للمدينة في تلك الفترة يوضح الشوارع المهمة ‏والساحات والمعابد والأبواب وكل ما تبقى من آثار تلك العهود التي تضمّ باب توما «باب روماني» وباب الفراديس «باب روماني» وبيت القوتلي والمدخل الغربي ‏لمعبد جوبيتر ‏والساحة ‏الشمالية للجامع الأموي «موقع لأعمدة رومانية» وسوق الخياطين ‌من «العهد الروماني» وسوق ‏مدحت ‏باشا «الشارع المستقيم» وخان الدكة «موقع أعمدة ‏رومانية» وقوس النصر ‏الروماني «قوس الخراب» و»باب ‏شرقي» و»باب روماني». ‏ونذكر هنا باقي أبواب دمشق ‏على محيط سورها التاريخيّ باب كيسان من ‏العهد ‏الأموي وباب الصغير من العهد ‏الروماني وباب الجابية من العصر الروماني ‏وباب السلام الذي أحدثه نور ‏الدين الشهيد. ‏
ويعيش الزائر متعة التسوق في أسواق دمشق القديمة ليمتع ناظريه باللوحة الفنية ‏البديعة التي تنسجها هذه ‏الأسواق، والتي تشمل أسواقاً تقليدية مغطاة وتتضمن جميع ‏الأسواق التاريخية التي عرفتها دمشق، واهتمت ‏بالتفاصيل الدقيقة لاحتياجات الإنسان، ‏محققة تنوعاً مهماً باختصاصاتها المختلفة وهي سوق السروجية ‏والحميدية ‏والعصرونية وسوق المسكية وسوق الحرير وخان الجمرك وحمام القيشاني وسوق ‏القلبقجية ‏وسوق السلاح وسوق الصاغة «حرفة القباقيبي» وسوق البزورية وسوق ‏الصقالين «سوق الورق» وسوق ‏مدحت باشا ويضم أسواق «الصوف – القطن – البالة» وسوق الخيّاطين وسوق النسوان وسوق الصباغين، ‏وفق المهندس دعبل.‏
كما تحضر الأسواق التقليدية المفتوحة وهي ‏الأحدث ‏نسبياً، وتقع في الجهة الشرقية من المدينة القديمة حيث تؤمن ‏للزائر نظراً لقربها من بعضها ‏زيارة أكبر عدد من المحال التجارية التي تعرض ‏تنوعاً كبيراً في التحف والشرقيات، وهذه الأسواق هي ‏سوق باب توما وسوق القيمرية ‏ومحلة النوفرة وسوق القباقبيّة وسوق مدحت باشا وسوق باب شرقي.
ويتابع المهندس دعبل: ‏إنّه عند زيارة دمشق القديمة يمكن للزائر أيضاً مشاهدة بعض ‏الحرف التقليدية التي ما ‏زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وأماكن تواجدها ومراقبة الحرفي ‏وهو يعمل في بعض الحرف النادرة «كتطعيم ‏الفضة على النحاس وصنع الملاعق ‏الخشبية والتطعيم بالنحاس والخيمي وصناعة الأحذية الجلدية والنوال ‏وصناعة ‏الحصر والبسط والتطعيم بالصدف وتصليح كراسي القصب والنقش والحفر على ‏الخشب ‏وصناعة وتطعيم طاولات النرد والزهر وتطعيم صناديق الخشب بالقصدير ‏والصياغة والحفر على ‏المفروشات وصناعة السيوف والنقش على الزجاج وحرفة ‏العجمي الدمشقي وحياكة المناشف والشراشف ‏وتطريز الخط العربيّ على القماش ‏وصناعة الأدوات المنزلية الخشبية وصناعة السكاكين وصناعة القباقيب ‏وحياكة ‏البروكار والدامسكو وصناعة الأحزمة الجلدية».‏
ويكمن جمال دمشق القديمة على مر الزمان خلف زاوية معينة على الزائر أن يخطو ‏إليها ويتجه نحوها ‏والبقاء لأطول وقت ممكن فيها وشحن ذاكرته بأجمل اللحظات ‏المعطرة برائحة الياسمين الدمشقي والنارنج ‏التي ستستقر فيها ولمدة طويلة، وهي كما ‏قال عنها الشاعر الكبير ابن دمشق القديمة نزار قباني «هل ‏تعرفون ما معنى أن ‏يسكن الإنسان في قارورة عطر؟».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى